أزاح الفنان وحيد باي حيدر، اللثّام عن كثير من القضايا التي تخص الفنان الجزائري بصفة عامة، متأسفا لما تعيشه هذه الشريحة من تهميش وإقصاء، مُستحضرا بذلك ذكرياته التي تعود لسنوات الستينيات التي وصفها بالعصر الذهبي، وأبدى الفنان في لقاء جمعه ب»صوت الأحرار« عن أسفه الشديد كونه خدم الفن الجزائري في حين هذا الأخير لم يقدم له شيئ قائلا»الفن ظلمني«. أجرت اللقاء: عائشة قحام ++ ونحن نقف أمام أحد شموع الفن الجزائري يصعب البدأ في طرح الأسئلة، ولكن هذا يحفزني أكثر لأنحنى أمامك، لتُحدثنا عن مشاريع الملحن وحيد باي حيدر؟ ++ مشاريعي كثيرة، فقد تعودت على تخصيص جُل وقتي في البحث عن ما تعشق الأذن سماعه من رقي الكلمة وعذب الصوت. حيث سبق وقُمت بتلحين أناشيد وطنية ودينية، وأغاني شعبية، بالإضافة إلى الطبوع الأخرى، فلا يهنئ لي بال إلاّ وانهيت تلحين أغنية ما. فعملت مؤخرا مع الفنانة فايزة أمال ، بتلحين أغنية عن »القدس«، والتي أتنبأ لها بالنجاح. ++ بما أنُّ الأجندة الفنية موجودة، ومنتعشة،ماهي الأسماء التي تراها مناسبة لأداء أغانيك؟ ++ مجال الفن إعتنقته منذ طفولتي بحيث تعاملت مع عدد كبير من الملحنين والمغنيين الجزائريين فضلا على إني مارست الغناء في بداياتي الأولى ولكن سحبت نفسي من هذا الوعاء ، بعدما إستلهم ميدان الكتابة والتلحين فكري أكثر. فسبق وتعاملت مع الفنان القدير الهادي راجب، الذي اعتزل الغناء مؤخرا بسبب مرض عضال، وأتمنى له الشفاء بالمناسبة، كما سبق لي وتعاملت مع المرحوم محمد راشدي، أمّا حاليا أنا بصدد العمل مع الفنان رشيد منير، والفنانة نعيمة الصغيرة ، فضلا عن فايزة أمال ونسيمة شمس، اللواتي يعدن من بين الأجمل الأصوات الموهوبة والقوية بالساحة الفنية.من حيث أدائهن لأغاني تنبعث رائحتها وأصولها للزمن الذهبي، الذي تغنى بعطر جزائري خالص. ++ إذن حظيت بالتعامل مع الجيلين، القديم والجديد، هل هناك فرق بينهما من حيث التعامل والأداء؟ +++ بالعكس، فمنذ سنة 1962 ، لا أجد فرق بين النخبة التي أتعامل معها سواء في السابق أو حاليا، ، فلقائي بك إستحضرني للرجوع ألى سنوات الفن الجميل، من خلال تعاملي مع العملاق عبد الحميد عبابسة، الذي كان السبب في إكتشاف موهبتي، والفضل يعود له لأنّه كان يجدُ في شخصي الكثير من الإصرار والجديّة، وقد بنيت نفسي على مبدأ البحث، مُعتمدا في ذلك على تحقيق طريقة جديدة ومُغايرة لعصري من خلال تقديم ألحان جديدة، ومعاصرة، دون إهمال ولا جزء، فكثيرا ما كنت أقدم دراسات عن التلحين متطرقا بذلك إلى الأوزان والأنغام الجديدة، وبالنسبة لي، هذا الأمر لابد منه، حتى وإن بلغت من العمر عتيا، من حيث إنتقاء النوطات المناسبة للموضوع، كونى أتعمد على معايشية الأغنية في خيالي... +++ معروف عن الملحن وحيد باي،أنه يمنح التلحين إهتماما ضخما إلى درجة أنه يتحدى الزمن ؟ ++++ اللحن ليس ورقة تكتب عليها، ... لأن اللحن منبعه العقل والقلب، فعلى المُلحن أن يمتلك سعة الخيال، كونه ملم بمختلف الحواس عن طرق ارتباطه بالكلمات، فمثلا مؤخرا انتهت من تلحين أغنية بعنوان »القيامة« من تأليف المرحوم محمد البليدي الذي قدمها لي فيما مضي ولكن بعد سبع سنوات وجدت ما يليق بها. ++ حين قُدمت لي الكلمات آنذاك لم استطع منحها إعتمدادي وإمضائي وإلباسها عبائتي، لأنه من الصعب أن نقم بتلحين أغنية ما، دون الشعور بها، وهذا هو الحال بالنسبة للقيامة غير ما إستلهمنى، في تلحينها بوادر تعود الى فيضانات باب الواد التي كانت سببا في إستشراقها وتقديمها، ومن بين كلمات الأغنية » هاج البحر.. وطار الماء...وتهلكت الأمواج لي فيه..رعد ضرب..نشق السما...وما بقى نجم يبرق...«، فالحادثة رسخت صُورها في ذاكرتي ومن المنطقي أن تبقى في ذهنى ككل جزائري عايش الحدث، فاللحن مستوحى من ذلك. لأنّ التلحين ليس عملية سهلة وإنّما في مراحله يشبه تماما القلادة المرتبطة حلقاتها ببعضها البعض. +++ من سيؤدى هذه الأغنية؟ ++ الوسط الفني يتوفر على أصوات كثيرة، فعصر العولمة طغى على شتى المجالات، ومؤخرا يعتمد على اللحن التصويري فضلا عن إعتماد البعض على العملية الكلاسيكية دون أن ننسى العمل التجاري الذي يحتل الصدارة في كثير من الأحيان. وعن هذه النقطة بالذات أرى أن الفن هو رسالة قبل كل شيئ. ولم أقرر بعد الشخص المناسب. +++ رغم أن الزمن أخد منك الكثير، فأين يصنف حيدر نفسه؟ ومع أي جيل؟ ++ صراحة، أرى نفسي مع الجيل الجديد، لأن التعامل مع جميع الفنون الموسيقية يخلق إنسجام ناجح ، فأرى في بعض الأصوات الجديدة لهذه الألفية كالفنانة أسماء جرمون، سماح عقلة، ونسيمة شمس من الفنانات اللواتي يجدن الأداء الجميل حيث تمنكن من مغازلة الفن الجميل والأداء الخاص والمتميز لكل واحدة منهن. +++ أغنية الفنانة نسيمة شمس »متحيرنيش« لقيت صدى كبير، غير أن الكثير لا يعلم أن كاتب كلماتها وملحنها هو حيد باي حيدر. لماذا؟ +++ الفنانة نسيمة شمس من الأصوات الجميلة، وقد تمكنت من كسب ثقتي حيث قدمت لها أغنية »متحيرنيش« التي أشرفت على كتابة كلماتها وتلحينها، وقد كتبتها باللغة العربية ولكن بعد أن سمعت أداء شمس قررت أن أًضيف لها كلمات باللغة الفرنسية، رغم أننى كنت متخوف الخوض في هذه التجربة، ولكن ظهر العكس. ومن جهة أخر أتأسف أن الكثير لم يعلم أني صاحبها مئة في المئة، والسبب في رأي يعود لعدم الإشهار.فرغم أن مسيرتي الفنية تتجاوز 50 سنة من العطاء، أجد نفسي مُهمشا. ++ ما هو الصوت الذي يستهويك لسماعه؟ ++ أسمع لجميع الأصوات الجزائرية، مهما كان النوع، ولكن لازلت لحد الساعة أستمتع بصوت الفنان محمد راشدي الذي يُعد فنانا بمعنى الكلمة من حيث الأداء .. كونه يتقن استعمال النوتات التي تميز صوته. وهناك الكثير من الأصوات الجميلة كما سبق الذكر. +++ ماذا قدم الفن لوحيد باي حيدر؟ +++ منذ أكثر من 50 سنة من الفن والبحث والعمل ، أرى أن الفن لم يقدم لي شيئ، وكما يقال»ظلمنى«، بمعنى الكلمة، في حين قدمت له الكثير. ++++ ماذا قدمت الإذاعة لباي؟ +++ في البداية كانت الإذاعة الوطنية وعاءً، رحب بإسهامات الفنان الجزائري وإبدعاته، وسهل لنا في المقابل أمور كثيرة، وهذا في سنوات السبعينيات، حيث كان الفنان يتقاضى في مقابل خدماته، أمّا اليوم وللأسف أمور كثيرة تغيرت في هذا المجال، بحيث كثيرا ما لا يتوفرالمقابل. فالفنان بحاجة لدعم مادي أكثر من المعنوى، وهذا من المفروض أن تُوفره الهيئة المختصة كوزارة الثقافة مثلا، الفنان بحاجة للمال من أجل أن يحقق مستوى معيشي لا بأس به، كونه رب أسرة. وحين يطلب الفنان بمستحقاته في الإذاعة مثلا فإنّه يجد لائحة من الردود على غرار أنّ هذه الأخيرة تقوم بالتشهير لأعماله، من خلال بث أغنيته على أمواجها. +++ مؤّخرا هناك قوانين سارية المفعول، والتي تنص على منح حقوق للفنان، ووزارة الثقافة تحرص على تحسين أوضاعه، ماذا تنتظر من هذا؟ +++ لا أُفنّذ الأمر، ظهر قانون الفنان الذي منح حقوق له، ولكن ليست جميعها، لكنها تبقى غير كافية، لأننا لا يمكن أن نقول أننا بخير، إلاّ حين يصبح الفنان عن غنى عن الجوع ففي هذه الحالة تصدق مقولة حقوق الفنان. للأسف البعض من الفنانين لا يتمكنون من توفير أدنى شروط الحياة، إذ كثيرا ما لا يتمكن من إعانة أسرته،لا أخفيك أنى في بعض الأحيان أتساءل عن وضعى، ترى كيف ستكون حالة الفنان حين يعتزل الفن، ويحل على التقاعد.....؟ كيف يوفر المال لشراء الدواء... وهنا يبقى السؤال مطروح....؟ ++ كلمة أخيرة؟ +++ ومسك الختام،أتمنى أن يأتي اليوم الذي يحظى به الفنان بالإعتراف من كل ما تحمله الكلمة من معنى.