نظّمت جمعية الجوهرة الثقافية بالتعاون مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام أمسيةً لتكريم المطرب المتألّق علي الزوبيدي أطال الله في عمره، وقد قدم عبر الأمسية مجموعة من أغانيه القديمة الرائعة. في بداية الحفل تحدث الفنان عجايمي إلى الحضور الذي ضاقت به قاعة الموڤار مستعرضا مسيرته الفنية وأعماله الإنسانية بحضور لفيف من الفنانين والمهتمين والإعلاميين ومحبي الفنان، وفي ختام الإحتفالية قدمت وزيرة الثقافة هدية ومبلغا ماليا للمطرب وقد استحسن هذه الإلتفاتة الطيبة وتمنى لها الاستمرار.. تعود علاقتي بالفنان إلى السبعينيات حيث كنت ألتقي به في مقهى طنطنيبيل الشهير حيث كان يتردد إليه الكثير من الفنانين، كنت أحبّ أغانيه ولكنّني كنت أخاف التحدث إليه بسبب لهجتي ''الجيجلية'' التي كان الناس في ذلك الوقت يسخرون منها لكني عرفت أنه مذ أن تفتحت عيناه على الحياة وجد نفسه فنانا من خلال المحيط الذي هيأ له ذلك، وقد لعب شكله دورا أساسيا في ذلك، حيث كان منذ صغره رجلا أنيقا في كل شيء..، في لباسه وأكله، يسعى دائما إلى منح الجديد على تجربة الحياة الإنسانية زيادة عن ذلك مستواه التعليمي، وبكلّ صراحة من النادر أن تجد فنانا مثله في الجزائر من الناحية الثقافية أو الفنية، يحب الفن ويقول عن ذلك ''الفن هو الدم الذي يجري في عروقي ويعطيني الأمل'' لكن من سوء حظه أنه بعد تجربة الغربة في مصر والنجاح الباهر والإقبال الكبير على صوته العذب..، يقول في هذا الصدد '' الغربة في مصر أعطتني الكثير لكن ظروفي العائلية لم تسمح لي بالبقاء هناك، ولو عادت بي السنين وخيرت بين الهجرة والبقاء في وطني مع أسرتي لاخترت دون تردد عائلتي ولم استقر بي المقام في الجزائر حاولت مواصلة نشاطي الفني كما كنت في القاهرة لكني وجدت ظروف الفنان في الجزائر صعبة نوعا ما لأن الظروف في الجزائر في ذلك الوقت لم تكن تساعد على ممارسة الفن في ظل نظام اشتراكي، فقد أتحيت الفرص للمطربين الذين يتغنون بالإشتراكية أمّا الفنان الحقيقي الملتزم والبعيد عن السياسية فمصيره التهميش واللامبالاة والفقر والجوع، وهذا ما كان يحدث في النظام الإشتراكي''، للأسف الشديد حاول بمجهودته الخاصة بحكم أنه مطرب وملحن ويكتب كلمات أن يثبت من جديد أن السياسة كانت له دائما بالمرصاد ومع ذلك فقد أتيحت له الفرصة مع بعض الأصدقاء أن يحيى عدة حفلات جماهيرية، وحظي بمتابعة من قبل الصحافة لكن نوع هذا العمل ونشاطه غير واضح، ''وبعد متاعب مالية كبيرة توظفتُ في الإذاعة الوطنية فأصبحت حياتي مقسمة بين وظيفتي وبعض النشاطات الفنية هنا وهناك لكن الأمور لم تسر كما يجب وطموحي أكبر من ذلك بكثير''، ما يمتاز به فناننا المحبوب هو عزة النفس ورجوليته الزائدة في بعض الأحيان، ويعتقد الكثير من الأصداقاء أن أسباب المشاكل التي يعاني منها ترجع بالدرجة الأولى إلى هذه الصفات لكن الآخرين يعتقدون أنّ السبب راجع إلى كون الفنان عاطفي جدا ورقيق ويحب الخير للجميع كما أن الإبتسامة لا تفارق وجهه لحظة واحدة حتى لو كان جيبه فارغا، لذلك فهو إنسان قريب للقلب جذاب يتعلق به كل من عرفه أو يصغي إليه وهو ما جعله يبتعد عن الصرعات الدائمة بين الإدارة والفنان وبالتالي فيه بعض الامتيازات، ويقول في هذا الصدد أنه اختار الفن الأصيل والطرب الصحيح ولا يمكنه تغيير هذا النهج مهما كلّفه ذلك من تهميش، فالسؤال المطروح بالإلحاح هو.. هل يمكننا أن نقول بأن الفنان علي الزوبيدي له مكانته الفنية في الجزائر أي هل هناك فئة كبيرة مولعة بأغانيه.. أقول في هذا الصدد أن كلّ جزائري له ذوق راقٍ ويحب الطرب الأصلي فإنه من المؤكد أنه مولع بأغانيه وهي من نمط أغاني عبد الوهاب ووديع الصافي. وبصفة عامة فإن الفنان علي الزوبيدي له مكانته الخاصة في الوسط الثقافي لأن أغانيه موجهة إلى طبقة معينة سواء من حيث اللحن أو الكلمات وحتى الآداء، لكن للأسف الشديد فرن النظام الاشتراكي حرمه من النجومية، لقد انبهر أحد الجالسين بجانبي يوم التكريم وقال أعتقد أن الفنان علي الزوبيدي هو أقدر المطربين الجزائريين في تأدية الأغاني الأصلية وعندما تسمعه يغني تدخل البهجة في حياتك وتحس بالسعادة تغمرك وتجعلك تهوم في خيال الحب..، هذه حقيقة استنتجها من خلال بعض المعجبين أمّا إذا سمعته وهو يغني في جلسة حميمية فإنك تعيش لحظات مثيرة مع صوته وطريقة أدائه المفعم بالإحساس والحنان فتحس حينها أنك ستطير إلى عالم الأحلام الجميلة وتحس براحة نفسية تنسيك هموم الدنيا، لقد أثبت للجمهور الحاضر يوم التكريم أنه مازال قادرا على الغناء رغم سنّه، ولقد برهن للجمهور أن قدرته العالية على الآداء الفني الصادق مازالت كما هي وأنت تسمع إلى آدائه تشعر أنك مع طرب في الثلاثينات من عمره ، سألته مرة عن ما يقال أنه التقى بعدة فنانين كبار من أمثال فريد الأطرش وغيرهم فأجاب قائلا هؤلاء هم عمالقة الفن العربي، ومن يقول غير ذلك فهو عدوي ليس لأنني قابلتهم بالفعل و لكن هؤلاء يعتبرون هرم الفن العربي. ما يعرف عن الفنان كذلك أنه رغم وضعه المالي الضعيف إلى أن مكانته في المجتمع معروفة، حيث له أصدقاء كثر من معجبيه، سياسيين وأدباء وشعراء وعلى رأسهم المرحوم مفدي زكريا الذي كان يعتزّ بصداقته مع علي الزوبيدي، حيث كلما جاء للعاصمة من المغرب أو تونس يفضل أن يكون لقاؤه مع علي الزوبيدي وله معه حكايات يرويها لنا في بعض الأحيان مثيرة أتمنى أن تصدر في كتاب لنعرف أكثر عن هذا الشاعر العملاق شاعر الثورة الجزائرية المباركة. أمّا أكره الأشياء إلى مطربنا فهي ذلك الصنف من الفناني الأصوليين الذين يسعون فقط للربح ويدعون دائما السلطة إلى محاربة الأغاني الملوثة ومحاربة الإنحلال الأخلاقي الذي يدعو إليه أدعياء الفن الذين أصبحوا نجوما للأسف الشديد، ويقول أن هذا الغناء لا ينتمي إلى الحضارة العريقة وليس له علاقة بالشعب الجزائري ولا بأخلاقه ولا بقيمه، إنه غناء عابر وأصحابه يفقدون حساسية الفنان وأخطر من كل هذا أن هذا النوع من الغناء،، يقول علي الزوبيدي هو السبب الرئيسي في تدني الذوق العام للشعب الجزائري لذلك تجده دائما في حالة ''نرفزة'' من هذه الأغاني الهابطة وأحد الذين لا يعرفونه أن يتحدثوا عن هذا النوع من الغناء بالشكل الإيجابي..، في هذا الصدد جلس معنا أحد الشباب وأخذ يثني على هذا الغناء فسمّعه كلاما يستحسن أن لا أذكّره هنا، لأنه بكل بساطة يعيش ويتنفس بالفن الجميل الأصيل وكان المرحوم الشاعر مفدي زكريا يتألّم عندما يرى صديقه في أزمات مالية، فقد جاءه في أحد الأيام بخبر سار حيث قال له.. لي صديق من وادي سوف من أغنياء الجزائر طلب منّي أن أَنظم له بعض الأبيات الشعرية يثني فيها على حبيبته التي يعشقها إلى درجة الجنون وقد طلب منه أن يكون ذلك مصحوبا بغناء لمطربنا الفنان علي الزوبيدي ففرح بذلك وتم نظم الأبيات واللحن اللازم كان طبعا من تلحين علي الزوبيدي فاجتمعوا في إحدى العمارات بالقرب من جامع كتشاوى وأسمعوه الأغنية التي خصصت لعشيقته..، ويقول علي الزوبيدي أنه عندما بدأ يغنّي أخذ الرجل يميل يمينا وشمالا وكأنه في عالم آخر وفي النهاية قدم له مبلغا من المال قال عنه سي علي أنه لم يستطع إدخاله في الجيب من كثرة الارتباك. ورغم كل شيء فإنّ لصديقنا الفنان الكبير علي الزوبيدي صديق عزيز عليه جدا وهو الفنان القدير نور الدين بن بغالي وعلاقتهما لا تقوم على وحدة الأجسام والبطون، إنما تقوم على محبة القلب وألفة النفوس وقد وجد سي علي في هذا الصديق الملاذ الوحيد في زمن البؤس وفي الشدائد وصداقتهما تزداد محبة كلما مضى عليها الزمن..، وعن هذه الصداقة يقول الفنان نور الدين بن بغلي أنا مؤمن بما قالته فدوى طوقان عن العلاقة ''إن للصداقة طعما حلوا ودفئا يستكين له القلب، والصداقة الحقيقية انتصار من انتصارات الحياة، ومكسب من مكاسبها ولعلها تفوق الحب، فهي الأطول عمرا، وإن كان الحب أشد تملكا وتحكما في عواطف المرء وإحساسه..'' مبروك التكريم وكل عام وأنت مكرم وعاشت الصداقة التي تجمعكما طويلا لعدم وجود ذرة واحدة من الأنانية بينكما.