كنت متخوفا من أن يلقي الرئيس بوتفليقة خطابا كذلك الذي ألقاه بشار الأسد، والتخوف مشروع، لأننا نرغب في تغيير سلمي، باعتبارنا دفعنا ثمنا غاليا خلال ال 22 سنة الماضية. لكن خطاب الرئيس بوتفليقة جاء ملما وفاصلا، بحيث قرر أن يعدل كل القوانين التي ظلت مطلبا لسنوات طويلة بما فيها تعديل الدستور. بوتفليقة بقيت له المدة الكافية من عمر عهدته الرئاسية الثالثة التي تنتهي شهر أفريل 2014 ، هذه العهدة التي انتقدتها الصحافة والطبقة السياسية، واعتبرها البعض بمثابة نقطة »سوداء " في مساره بسبب فتح العهد الرئاسية التي اعتبر )بضم التاء( تحديدها بفترتين مكسبا ديمقراطيا كبيرا، يستطيع بوتفليقة أن يجعلها »صفحة مشرقة« في تاريخه السياسي، بفضل إصلاحات سياسية شاملة وعميقة، تضع الجزائر على السكة الحقيقية لدولة الحق والقانون. الإصلاحات التي تحدث عنها الرئيس بوتفليقة، لم يحدد لها سقفا زمنيا، وقد يولد هذا بعض النقد من قبل الأحزاب المعارضة والصحافة، ولكن كانت لدينا تجربة مع حالة الطوارئ، فعندما قرر رفعها لم يحدد سقفا زمنيا، بل قال »قريبا« مثلما قال تماما عن الإصلاحات التي تحدث عنها في خطابه، وكلمة " قريبا " شكلت تخوفا لدى المعارضة والصحافة والمراقبين، وقيل أنه قد تمتد لأشهر، لكن بوتفليقة رفع حالة الطوارئ بعد أسبوع فقط، أي أن عبارة »قريبا« لم تتعد أسبوعا. لذلك يمكن القول أن بوتفليقة قد فتح الورشة، وربما تكون قد بدأت تشتغل حتى قبل إلقاء الخطاب. لكن السؤال المطروح يتعلق فيمن يقوم بالتعديل؟ هل يشرك الرئيس الأحزاب والشخصيات التي لديها قدرة حقيقية على الإبداع والاقتراح أم يقتصر على الوجوه والأحزاب المعروفة ؟ من خلال الخطاب يستشف أن للرئيس رغبة في توسيع قاعدة الرأي والمشورة، وسينعكس هذا عندما يتم الإعلان عن أعضاء اللجنة التي توكل لها مهمة تعديل الدستور. منذ ثلاثة أشهر اندلعت ما سمي بأحداث »الزيت والسكر« بتاريخ 5 جانفي 2011 ، وجاءت الإنتفاضة في زحمة الأحداث التي عاشتها تونس ومصر منذ شهر ديسمبر 2010، وساد خلالها حديث عن احتمال امتداد انتفاضة تونس ومصر إلى الجزائر، ونظمت في نفس الفترة عدة حلقات نقاش في ما يعرف باسم »التينك تانك«، جعلت الجزائر تستخلص النتائج من أن الأحداث التي يعيشها الوطني العربي لا يمكن أن تترك الجزائر في معزل، خاصة أنها امتدت بشكل سريع إلى كل من البحرين والأٍردن وليبيا واليمن وسوريا ، فبادر الرئيس بوتفليقة باتخاذ العديد من الإجراءات التي أشار إليها في خطابه لتفتيت الألغام وطمأنة النفوس، خاصة ما تعلق منها برفع حالة الطوارئ، وقضايا التشغيل، والإستجابة لجميع طلبات المحتجين تقريبا من الحرس البلدي إلى عمال التربية إلى العسكريين والشرطة المفصولين، إلى عمال الصحة وغيرهم كثير. ومع ذلك لم يستقر الوضع في الجزائر، حيث شهدت عدة قطاعات اضطرابات كثيرة خاصة قطاع الصحة والتعليم العالي، وشهدت الجزائر حركات احتجاجية لم يشهد لها التاريخ مثيلا من قبل، حيث تجاوز عدد الإحتجاجات والإعتصامات والمسيرات الخمسين مسيرة واعتصام، عدد منها تم على مقربة من رئاسة الجمهورية. وارتفع صوت المطالبة بإدخال إصلاحات سياسية، منها رسالة عبد الحميد مهري الذي دعا بوتفليقة إلى القيام بإصلاحات ديمقراطية حقيقية يتم الإعلان عنها في الذكرى الخمسين للاستقلال، أي شهر جويلية 2012. نفس المضمون تقريبا حملته رسالة حسين آيت أحمد. وكانت عدة تنظيمات سياسية استبقت الأحداث حيث وضعت طلبات اعتماد أحزاب جديدة لدى وزارة الداخلية. والحقيقة أن الرئيس بوتفليقة يكون قد استمع لتلك الأصوات، وقد عبر عنها في الرسالة التي وجهها لمؤتمر علمي بمدينة مستغانم قبل أسبوعين، عندما قال أن الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية لا تكتمل إلا بإصلاحات سياسية شاملة. منذ تلك الرسالة والشارع يترقب هذه الإصلاحات، وهو ما تم فعلا الكشف عنها من خلال خطاب الرئيس يوم أمس. وهي إصلاحات لم تترك مجالا إلا واستهدفته، وهي على وجه التحديد : تعديل الدستور إما عن طريق البرلمان أو عن طريق الاستفتاء الشعبي بعد تشكيل لجنة لتعديله متكونة من عدة شخصيات وحساسيات، تعديل قانون الأحزاب بما يمكن تنظيمها ودعم الحياة الديمقراطية، تعديل قانون الجمعيات، تعديل قانون الإعلام وإلغاء تجريم الصحافة، إلى جانب تعديل قانون الإنتخابات. كما قال بوتفليقة أن هذا لا يتم إلا بعدالة مستقلة حقيقة ولا تأتمر إلا بأوامر سلطان القانون. والملاحظ أن كل ما أعلن عنه الرئيس بوتفليقة ظل يشكل لسنوات طويلة مطلبا سياسيا لأحزاب المعارضة وحتى أحزاب التحالف الرئاسي خاصة جبهة التحرير الوطني التي ظلت تنادي بتعديل جذري للدستور. لكن ما يلاحظ أيضا، أن هناك قضيتين لم يتطرق لهما الرئيس وهما قضية تغيير الحكومة وحل البرلمان. لكن بهذا الخصوص، وحسب بعض المصادر الخاصة، فإن الرئيس بوتفليقة قبل أن يتخذ هذه القرارات، كان قد نظم لقاءات نقاش مع عدة شخصيات فاعلة في الدولة، وتمت مناقشة قضية حل البرلمان، لكن مشكلة حل البرلمان تكمن في أن حله يقتضي تنظيم تشريعيات مسبقة، لكن أن تتم الإنتخابات في ظل نفس قانون الإنتخابات وقانون الأحزاب سيشكل شرارة انتفاضة على الطريقة السورية أو اليمنية أو غيرهما، وفضلا عن ذلك فإن البرلمان لم يبق من عمره سوى سنة واحدة، لذلك تم استبعاد حله. أما بخصوص الحكومة، فالمفروض أن تقدم استقالتها مباشرة بعد خطاب الرئيس هذا، لأن ضمان نجاح هذه الإصلاحات قد يكمن في حكومة جديدة. خاصة أن كثيرا من الوزراء عمروا كثيرا في الحكومة وآخرون لم يتمكنوا من ضبط قطاعاتهم. بدون شك أن انتفاضة الرئيس هذه، أمام اختبار حقيقي، يتمثل في أن تسارع الأحداث في الوطن العربي وحتى داخل الجزائر لا يمنح الوقت الضروري لإصلاحات من هذا الحجم إلا بسرعة مماثلة. وسوف تكشف الأيام القليلة القادمة عن مدى أخذ الرئيس بعين الإعتبار هذا المتغير.