بإعلانه عن مراجعة دستور 1996 وإشارته صراحة إلى فتح العهدة الرئاسية التي تحددها المادة 74 في عهدتين متتاليتين لا أكثر، يكون رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قرر الاستجابة لمطلب السواد الأعظم من المواطنين الجزائريين وغالبية التشكيلات السياسية والتنظيمات الجمعوية التي ناشدته منذ أشهر الترشح لعهدة جديدة استكمالا للإصلاحات والمشاريع التي أطلقها. قطع الرئيس بوتفليقة الشك باليقين في خطابه المتضمن الكشف عن أهم المحاور التي يرتكز عليها مشروع تعديل الدستور الذي قال إنه جاهز وسيحال عن قريب على المجلس الدستوري للنظر في مدى مطابقته للمادة 176 من الدستور الحالي قبل عرضه على نواب البرلمان بغرفتيه للتصويت، فالرئيس بوتفليقة كان واضحا وصريحا في تطرقه لمسألة تحديد العهدة الرئاسية التي تنص عليها المادة 74 باعتبارها تتناقض ومبدأ التداول الديمقراطي على السلطة، كما أنها تمس بحق المواطن في تقرير من يسير شؤونه ويقود مصير البلاد بحرية، مؤكدا بالقول "للشعب وحده يعود القرار" في إشارة منه إلى أن قيادة البلاد تحددها الإرادة الشعبية لا إرادة النصوص التي هي في النهاية نصوص وضعية ثمرة اجتهاد بشري قابل للتعديل والمراجعة والإثراء. وتصف قراءات العديد من المتتبعين للشأن الوطني مبادرة الرئيس بوتفليقة بإعادة النظر في المادة 74 من دستور 1996 بالخطوة الجريئة التي لم تكن لسابقيه الشجاعة الكافية للخوض فيها رغم أنها تتناقض جملة وتفصيلا مع الديمقراطية الحقيقية، خاصة وأن تحديد العهدة الانتخابية لا ينطبق في الجزائر على العهدة البرلمانية ولا على المحلية ويقتصر على العهدة الرئاسية، كما تفرض هذه المادة نوعا من الوصاية على الناخبين وتسلبهم حرية القرار واختيار تجديد الثقة بكل حرية لمن يرون فيه القدرة على تسيير شؤون البلاد، ومعلوم أن رئيس المجلس الشعبي الوطني عبد العزيز زياري سبق وأن اعتبر هذا النوع من الأحكام الدستورية أي تحديد العهدات الرئاسية فرض من الخارج على الدول النامية بدعوى حماية الديمقراطيات الناشئة فيها، وكأن مواطني هذه الدول لا يتمتعون بالوعي والنضج السياسي الكافيين للاختيار بين المترشحين، فمن وجهة نظر بوتفليقة التي عبر عنها في خطابه أمام القضاة فإن تعديل الدستور يهدف إلى" تمكين الشعب من ممارسة حقه المشروع في اختيار من يقود مصيره وأن يجدد الثقة فيه بكل سيادة إذ لا يحق لأحد أن يقيد حرية الشعب في التعبير عن إرادته فالعلاقة بين الحاكم المنتخب والمواطن الناخب هي علاقة ثقة عميقة متبادلة قوامها الاختيار الشعبي الحر والتزكية بحرية وقناعة."، مؤكد أن "الدستور الحالي ينص على أن السلطة التأسيسية ملك للشعب الذي يمارس سيادته عن طريق الاستفتاء وبواسطة المؤسسات التي يختارها وممثليه المنتخبين واستنادا إلى هذا فإن التداول الحقيقي على السلطة ينبثق عن الاختيار الحر الذي يقرره الشهب بنفسه عندما تتم استشارته بكل ديمقراطية وشفافية في انتخابات حرة تعددية إذن للشعب والشعب وحده تعود سلطة القرار." وتعكس مبادرة الرئيس بوتفليقة مراجعة المادة 74 من الدستور وفتح العهدة الرئاسية قرار النزول عند الرغبة الشعبية والترشح لعهدة جديدة والتي كانت مطلب عديد من التشكيلات السياسية وفعاليات المجتمع المدني والتي عبرت في الأشهر الأخيرة بإلحاح على ضرورة التعجيل بتعديل الدستور بما يسمح لرئيس الجمهورية بطلب التزكية الشعبية للاستمرار على رأس قصر المرادية لعهدة جديدة استكمالا للبرنامج الرئاسي الذي دشنه سنة 1999 بسياسة الوئام المدني ثم المصالحة الوطنية وبرامج الإنعاش الاقتصادي وبعث المشاريع المعطلة منذ سنوات على غرار مشروعي مطار الجزائر الدولي وميترو الجزائر. وإن كانت القبعة التي سيختار الرئيس بوتفليقة خوض رئاسيات 2009 من خلالها لم تتضح بعد، وفيما إذا كان سيختار دخول المنافسة كمرشح لحزبه الذي يترأسه شرفيا منذ 2005 خاصة وأنه تلقى دعوات رسمية من قيادة الحزب العتيد وقواعده للترشح أم أنه سيختار قبعة التحالف الرئاسي الذي دعمه في رئاسيات 2004 كمرشح حر، إلا أن الأكيد في المقابل مثلما يذهب إليه عديد من المتتبعين أن ترشح بوتفليقة لعهدة ثالثة بات حقيقة وأن الكشف عنها أصبح مسألة أسابيع معدودة لا أكثر، فالرجل لا يمكنه تجاهل الإرادة الشعبية والأصوات التي تنادي ببقائه على رأس البلاد لاستكمال مشروع المصالحة الوطنية ومسار إعادة السلم والاستقرار في ربوع البلاد، كما يعد ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة جديدة بمثابة صفعة قوية على وجوه هؤلاء الذين لم يملوا التغريد خارج السرب والذين حاولوا في أكثر من مناسبة الترويج لأكاذيب وادعاءات حول صحة الرئيس بوتفليقة وبأنه لم يعد بقادر على متابعة شؤون البلاد رغم أنه أكد مرارا بأنه في صحة جيدة وأنه أصيب بتوعك على غرار بقية البشر وتعافى منه.