بدأ الحديث عن الكيفية التي سيكون بها الإصلاح، وعن مضمون الإصلاح، وعمن يقوم بالإصلاح الذي تحدث عنها الرئيس بوتفليقة في خطابه الأخير، والذي يشمل مجمل القوانين المنظمة للقطاعات السياسية والاجتماعية والإعلامية تحديدا. بداية أود أن أشير إلى الاستخدام الخاطئ للقوانين، حيث تسمى »القوانين العضوية« فيقال مثلا »القانون العضوي المتعلق بالإعلام« و »القانون العضوي المتعلق بالأحزاب« والقانون العضوي المتعلق بالانتخابات وغيرها، والحقيقة أنها تسميات خاطئة، لأنها مترجمة حرفيا عن اللغة الفرنسية التي صاغت القوانين بدل صياغتها بالعربية، بمعنى أن الإدارة صاغت القوانين باللغة الفرنسية ثم تمت ترجمتها لاحقا إلى اللغة العربية، لذلك وقع الخطأ خلال عملية الترجمة. فعبارة »Loi organique« تعني القوانين التي تنظم، وبالتالي فإن الترجمة صحيحة هي القوانين المنظمة وليس القوانين العضوية، المترجمة عن كلمة organe. القوانين المنظمة لمختلف القطاعات، يجب أن تكون بعد تعديل الدستور، لأن الدستور هو أب القوانين وهو فوقها جميعا. والقوانين المنظمة تأتي تجسيدا وتطبيقا للدستور. بخصوص قانون الإعلام الجديد الذي بدأ الإعلاميون يتناقشون بخصوصه، لابد أن نشير إلى أنه يجب أن يكون تجسيدا لروح الدستور الجديد، الذي يجب أن يتضمن أن حرية الصحافة حرية مطلقة لا تحدها إلى المساس بالأمن العام، وهذه الحرية هي لازمة للوضعية التي تعيشها البلاد حتى تتمكن الصحافة من محاربة الرشوة والفساد، فبدون حرية مطلقة ومحمية لا يمكن للصحافة أن تقوم بدورها الطلائعي الرائد في »المراقبة الاجتماعية«. وهذا يعني أن الصحافة هي عيون الحكومة على المجتمع، لتعرف النقائص والمطالب والمشاكل وهي في الوقت نفسه عيون المجتمع على الحكومة، لتكشف الفساد والمفسدين أيضا، ففي مجتمع حر، يجب أن تقوم الصحافة أيضا بكشف المفسدين وتسمّيهم بالاسم وليس بكشف الفساد فقط. الرئيس بوتفليقة وضع هذا الموضوع على السكة، عندما قرر عدم تجريم الصحافة، وفعلا إن الصحافة لا يجب أن تجرم، لأنها مهنة خاصة وصعبة وحساسة، فعندما تكون هنالك قوانين تجرم الصحافة، فإنها »تقوي سلطة المفسدين«، بينما عندما نرفع التجريم عن الصحافة فإننا نقوي سلطة الصحافي، وعلى الصحافي أن يكشف بالاسم كل من يعتقد أنهم مفسدين، وعلى المتهم أن يثبت براءته أمام القاضي، بدون أن يدخل الصحفي السجن أو يمنع من الكتابة في حالة براءة المتهم مثلما كان سائدا في خضم حالة الطوارئ بموجب قانون محاربة الإرهاب الصادر عام 1994. القوانين المنظمة يجب أن تساعد الصحافة على مساعدة المجتمع، بمعنى أن القوانين القادمة يجب أن تنص صراحة على وجوب تحريك دعوى عمومية من قبل وكيل الجمهورية بشكل تلقائي بمجرد نشر الصحافة أخبار وتقارير تتهم مسؤولا أو جهة معينة بالفساد أو المساس بالمال العام. كما أن الصحافة يجب أن تتخلص من قبضة أصحاب المال والنفوذ، فاليوم يستطيع الصحفي وتستطيع أي جريدة انتقاد رئيس الجمهورية وانتقاد الحكومة، وأحيانا تستطيع التجريح في حق رئيس الجمهورية شخصيا، لكنها لا تستطيع أبدا انتقاد الشركات المعلنة، وبهذا أصبح الإعلان عائقا فيوجه الصحافة ومهنية الصحافة واحترافية الصحافة ومعرقلا لمهمة »الرقابة الاجتماعية«. فكم اشتكى المواطنون من الشركات المعتمدة لبيع السيارات، وكم اشتكى المواطنون من شركات الهاتف النقال ، لكن شكاويهم لم تجد لها طريق للنشر لسبب بسيط ، لأنها شركات تتحكم في الإعلانات. حماية الصحافة من الإعلانات، يعني أيضا حماية المواطن من صحافة الإعلانات، فالصحف اليوم تعطي حيزا أكبر من الحيز التي تمنحه لنشر المعلومات والمعارف، أحيانا أكثر من 50 أو حتى 60 بالمئة من الصفحات هي عبارة عن إعلانات ، وبدون أن تنعكس الإعلانات على الصحافيين في شكل منح وعلاوات بل تذهب كلها لصالح الناشر والمساهمين وملاك الصحف. إذا كان الدستور هو أب القوانين وروحها، يتعين عليه أن ينص على الخطوطا العريضة للصحافة التي نريد، فإن قانون الإعلام يمكن اعتباره بمثابة " دستور قطاعات الإعلام " ، لأن الإعلام ليس قطاعا واحدا، إنه يتضمن على الأقل أربع قطاعات ، هي قطاع الصحافة المكتوبة، والقطاع السمعي البصري، وقطاع الإعلام أو الإشهار، ثم قطاع الصحافة الإلكترونية الناشئة. قانون الإعلام، يجب أن يكون بمثابة " دستور قطاع الإعلام " ، على أن يكون هناك قانون لكل قطاع، نظرا لخصوصية كل قطاع، ومنه ينبغي إعداد أربعة قوانين : قانون الإشهار، وقانون الصحافة المكتوبة، وقانون السمعي البصري، وقانون الصحافة الإلكترونية الذي يمكن أن يكون متداخلا مغع القوانين المنظمة للأنترنيت. إذا تم عمليا حسب وزير الإصال، الشروع في تطبثقق خطاب رئيس الجمهورية القاضي بوقف العمل بتجريم الصحافة، فإنه لم يبق هنالك أي مبرر لإبقاء القطاع السمعي البصري محتكرا من قبل الدولة، بل يجب فتحه للقطاع الخاص، حتى لو كان في شكل شراكة أو أسهم مع الحكومة، كما أن هناك بعض القطاعات ليس هنالك مبررا للتخوف منها، مثل القنوات الموضوعاتية المتعلقة بالرياضة مثلا، فما الذي يخيف الدولة من فتح هذا المجال للخواص ؟ وكذلك الحال مكع القنوات الثقافية أو الفنية أو غيرها، خاصة في ظل قانون السمعي البصري المنظم للقطاع، لأنه لا يمكن وضع قانون ينظم جميعه القطاعات. القضية الأخرى، التي يجب أن نشير إليها، هي أ،نه كلما كانت الصحافة حرة، تحرر المجتمع أكثر فأكثر، لأن الصحافة عامل مشجع ومساعد ومرافق للحراك الإجتماعي، لذلك إذا أعطيتني صحافة حرلاة ومجتمع تقليدي مغلق أمكن للصحافة تثويره وتغييره والتأثير فيه. لكن الصحافة التي تضطلع بهذه المهمة يجب أن تكون صحافقة محترفة ومهنية، وهو ما نفتقده اليوم، لمجموعة من الأسباب يمكن للقوانين المنظمة للعمل الإعلامي مستقبلا أن تأخذها بعين الإعتبار ، منها أقسام الإعلام سواء التكوين وكيفية الإلتحاق بها، أو كيفيات التوظيف، والرسكلة، وكذلك المواصفات الواجب توفرها في مالكي الصحف. لذلك يجب أن تكون الصحافة حرة .. حرية مطلقة ، ولكن الحرية المطلقة يجب أن تتاح لإعلام محترف ومتكون.