يؤكد مسعود شيهوب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني والحائز على دكتوراه دولة في القانون العام والقانون الدستوري بدرجة بروفيسور، في هذا الحوار الذي خصّ به » صوت الأحرار« أن الإشارات التي وجهها الرئيس بوتفليقة في خطابه بوجوب تدعيم صلاحيات المنتخبين والبرلمان تعكس توجها نحو النظام البرلماني أو على الأقل إلى نظام يتجه نحو البرلمانية، كما يقترح الدكتور شيهوب الذي سبق له المشاركة في لجنة صياغة دستور فيفري 1989، الإبقاء على الغرفة الثانية للبرلمان مع إعادة النظر في صلاحياتها بشكل يجنب هذا المجلس القيام بدور تكراري لعمل المجلس الشعبي الوطني، مبرزا أهمية العدول عن قاعدة الثلث المعطل في نظام التصويت بمجلس الأمة لأنه قد يؤدي إلى انسدادات في المستقبل في حال حصول المعارضة على ثلث المقاعد وهو ما سيؤدي حتما إلى تعطيل عمل الأغلبية. * ماهي قراءتكم للإصلاحات السياسية والتشريعية التي أعلن عنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطابه أمس الأول؟ ** هذه الإصلاحات كانت منتظرة، وما تم الإعلان عنه يتعلق بركائز الديمقراطية كما هي معروفة في القانون الدستوري، وفي مقدمتها قانون الأحزاب الذي يضمن التعددية الحزبية وقانون الانتخابات الذي يضمن شفافية العملية الانتخابية وقانون الإعلام الذي يضمن حرية التعبير وقانون استقلالية القضاء إلى جانب بعض النصوص الأخرى المكملة مثل قانون الجمعيات، وبدون هذه القوانين تصبح الديمقراطية مجرد شعار نظري. إن ما تم الإعلان عنه من إصلاح لهذه القوانين والمنظومة التشريعية يعكس الوعي والحرص على تجذير الديمقراطية وتجسيدها ميدانيا، وغني عن البيان، أنه في ظل هذا التحول السياسي ينبغي مراجعة شاملة وعميقة للدستور. * لعل أهم الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة هي مراجعة الدستور الحالي، من وجهة نظركم ما هي الأحكام التي ستطالها المراجعة، وإلى أي نظام دستوري ستتجه التعديلات المقبلة؟ ** حجر الزاوية في أي تعديل دستوري هو مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن في الصلاحيات بين هذه السلطات بحيث لا يجب أن تطغى صلاحيات سلطة على صلاحيات سلطة أخرى، وعلى ضوء تحديد العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية تتحدد طبيعة النظام الدستوري المزمع إقامته من خلال هذا التعديل. إن إشارات خطاب الرئيس بوتفليقة لوجوب تدعيم صلاحيات المنتخبين والبرلمان يعكس في رأيي توجها نحو النظام البرلماني أو على الأقل إلى نظام يتجه نحو البرلمانية، بمعنى أن يبقى النظام البرلماني هدفا منشودا وأن بناءه قد يتم بالتدرج وقد يتم بناءه دفعة واحدة حسب ظروف كل بلد. في أوروبا مثلا تطلب بناء البرلمانية قرونا وفي دول أخرى في العالم الثالث تم تبني النظام دفعة واحدة، ومن الدول من جمعت بين بعض خصائص النظام البرلماني وخصائص النظام الرئاسي وهو ما يعرف بالنظام شبه الرئاسي كفرنسا مثلا، وبعض هذه النماذج ناجحة خاصة في تلك الدول التي تكونت فيها أحزاب سياسية واكتسبت تجربة. ولتحديد الخصائص الجزائرية المستوجبة لتبني هذا النموذج أو ذاك يتعين أن يتم التعديل الدستوري عبر استشارات واسعة لمختلف التيارات السياسية وبالاستعانة ببرلمانيين والجمعيات والمنظمات، على أن تصب هذه الاستشارات لدى لجنة مختصة من أساتذة وخبراء في مجال القانون العام والقانون الدستوري. عموما ليس هناك نظاما دستوريا مثاليا، فلكل نظام رئاسي أو برلماني مزايا وعيوب، وعلى اللجنة المختصة في إعداد التعديل الدستوري دراسة خصائص كل نظام والأخذ ما أمكن من المزايا المتوفرة فيهما، لكني أرى في جميع الحالات تدعيم مبدأ الفصل بين السلطات وتدعيم فكرة رقابة البرلمان على الحكومة ابتداء من وجوب تعيين الوزير الأول من الأغلبية الفائزة في البرلمان، ومرورا بوجوب عرض برنامج الحكومة على نواب البرلمان للمصادقة عليه، وانتهاء بحق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة، فضلا عن وسائل الرقابة الأخرى من حق الاستجواب والسؤال وحق إنشاء لجان التحقيق. * موضوع فتح العهدة الرئاسية كان محل جدل في الفترة الأخيرة مع ارتفاع أصوات تطالب بالعودة مرة أخرى إلى تحديد العهدات، في رأيكم إلى أي الاتجاهين ستذهب التعديلات الدستورية المقبلة؟ ** فكرة تحديد العهدة الانتخابية موجودة في بعض الأنظمة منها النظام الرئاسي الأمريكي والنظام شبه الرئاسي الفرنسي، وغيرها، ومفتوحة في أنظمة أخرى رئاسية وبرلمانية، وفي جميع هذه الأنظمة التي تحدد العهدة أو لا تحددها فإن الديمقراطية مصونة. الذين يرون ضرورة فتح العهدة ينطلقون من فكرة أن سيادة الشعب لا حدود لها وأن الشعب حر في إعادة انتخاب ممثليه ما شاء من العهد، والشعب هو الذي يقصي عبر الصندوق من قدّر أن أداءه غير ناجح، والذين يرون ضرورة تحديد العهدة ينطلقون كذلك من فكرة السيادة الشعبية والديمقراطية وهم يرون أن التداول على السلطة هو لب الديمقراطية، وأن هذا التداول لا يتحقق إلا من خلال تحديد العهدات الانتخابية، وعلينا أن نختار ما هو أنسب لظروفنا ومرحلتنا. * وبالنسبة للبرلمان، بعض الآراء تذهب لضرورة الاستغناء عن مجلس الأمة بدعوى أن ظروف الحاجة إليه لم تعد موجود، هل تتوقعون الإبقاء على نظام الغرفتين؟ ** الحقيقة أن الاختيار بين نظام الغرفة الواحدة أو نظام الغرفتين، هي مسألة تتعلق بظروف كل بلد ولا تتعلق بالاعتبارات الديمقراطية، لأنه سواء اتبعنا نظام الغرفة الواحدة أو نظام الغرفتين فإن في النهاية النظام ديمقراطي طالما أن هناك هيئة تشريعية يتم تشكيلها عن طريق انتخابات تعددية، هذا هو المعيار الحاسم. يبقى أن بعض الدول لجأت تاريخيا إلى غرفة ثانية بسبب اعتبارات خاصة بها، مثلا في بريطانيا، وجود طبقة اللوردات ووزنها فرض تخصيصهم بغرفة ثانية، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية، فإن وجود الولايات أو الدويلات ذات القوميات المختلفة فرض إيجاد غرفة ثانية لتمثيلهم، وفي فرنسا فإن وجود طبقة الأمراء وتطور نظام الجماعات المحلية فرض إيجاد غرفة ثانية لتمثيل المنتخبين المحليين في البرلمان. وفي الجزائر فإن الهزة التي عاشتها البلاد في التسعينات والخوف من سيطرة حزب سياسي معارض على الهيئة التشريعية والانقلاب على الدستور فرض إنشاء غرفة ثانية كصمام أمان لمنع أي انحراف تشريعي قد يحصل على مستوى الغرفة الأولى. وشخصيا لا أدعو إلى الاستغناء عن مجلس الأمة في التعديل المقبل بحجة أن ظروف الحاجة إليه تغيرت، لكني أرى ضرورة مراجعة صلاحيات مجلس الأمة واختصاصاته وإجراءات عمله بشكل يجنب هذا المجلس القيام بدور تكراري لعمل الغرفة السفلى، وفي هذا الصدد أقترح أن توسع صلاحيات مجلس الأمة لتتجاوز المصادقة أو رفض المصادقة على النص المحول إليه من المجلس الشعبي الوطني إلى حق عرض النصوص التي لها علاقة بالحياة المحلية ابتداء من مجلس الأمة وليس على المجلس الشعبي الوطني، لما تتضمنه تشكيلة مجلس الأمة من منتخبين محليين هم أدرى بالحقائق المحلية، ثم يعرض النص ثانية على المجلس الشعبي الوطني، بينما تعرض بقية النصوص أولا على المجلس الشعبي الوطني لأنه منتخب في استشارة عامة. كما ينبغي على مستوى الإجراءات مراجعة نظام تصويت مجلس الأمة والعدول عن قاعدة التصويت بثلاثة أرباع أعضائه لأن هذه القاعدة تمنح دورا تحكمي لثلث أعضاء المجلس فيقفون عمل الأغلبية، أي ما يعرف بالثلث المعطل، وهذا غير منطقي ويمكن أن يؤدي إلى انسدادات في الحالة التي تستطيع فيها المعارضة الحصول على ثلث مقاعد مجلس الأمة. * كيف تتصورون استقلالية القضاء في إطار التعديلات الدستورية المرتقبة؟ ** في النظام الديمقراطي يحتل القضاء مكانة بارزة بوصفه الحكم في النزاعات السياسية وفي الصراعات الحزبية، ولكي يقوم القضاء بهذا الدور لحماية الديمقراطية لا بد من سلطة قضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية ومظاهر هذا الاستقلال معروفة في القانون الدستوري والأنظمة المقارنة وهي، أولا أن يتم تبني مبدأ استقلال السلطة القضائية ودورها في حماية الحقوق والحريات والديمقراطية في صلب الدستور. ثانيا:لابد أن يتم تبني مبدأ حياد القاضي وعدم انحيازه لأية تشكيلة أو سلطة أو مصالح، ثالثا: حماية القاضي من الضغوط المعنوية والمادية التي يمكن أن تمارس عليه قصد التأثير على أحكامه. وتترجم هذه المبادئ الدستورية عادة في صلب قانون يسمى قانون استقلالية القضاء، وهو في الدستور الحالي وارد تحت مسمى القانون العضوي المتضمن القانون الأساسي للقضاء ويحدد حقوق وواجبات القضاة وضمانات استقلالية القضاة. وأهم هذه الضمانات هي عدم قابلية القضاة للعزل أو للنقل إلا إذا كان الأمر يتعلق بأسباب تأديبية تفرضها مخالفات مهنية، وفي هذه الحالة فإن عزلهم أو نقلهم لا يكون من قبل السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات وإنما يكون من قبل هيئة منتخبة من قبل القضاة أنفسهم في أغلبية أعضائها تسمى المجلس الأعلى للقضاء. إن القانون الأساسي الحالي يعكس الكثير من هذه المبادئ لأنه عدل في 2006 فقط، ولكن في إطار هذه الإصلاحات الكبرى ليس هناك ما يمنع في رأيي من إثراء القانون في اتجاه إضافة ضمانات أكثر للديمقراطية من خلال استقلالية القضاء تماشيا وانسجاما مع المستجدات التي حصلت منذ سنة 2006. * إصلاحات الرئيس المعلن عنها ستمس قوانين أخرى منها قانون الانتخابات وقانون الأحزاب وقانون الجمعيات، من وجهة نظركم ما هي المآخذ التي تسجلونها على القوانين الحالية وماذا تنتظرون من مراجعة هذه القوانين؟ ** سأبدأ من قانون الانتخابات، يتعين عند مراجعته إعادة التفكير في شروط الترشح لعضوية المجالس المنتخبة بشكل يؤدي إلى ضمان ترشيح الكفاءات المؤهلة لتسيير المجالس المنتخبة المحلية والوطنية، لأن القانون الحالي يكتفي بالشروط الإدارية التقليدية دون إشارة للشروط السياسية والأخلاقية والكفاءة مثل الخبرة المحصل عليها في الحياة السياسية أو في مجال التسيير والشهادة العلمية في بعض الحالات وكذلك الثروة لتفادي لقطع الطريق أمام لوبيات المال والأعمال، من خلال الحد المسموح به للثروة التي لا تتنافى مع المهمة النيابية أو العكس التي تتنافى. إلى جانب النظافة، وأقصد هنا نظافة اليد والجيب، فكثيرون الذين لديهم صحيفة سوابق بيضاء ولكنهم ملوثون ولاستبعاد هؤلاء ينبغي النص على هذه الشروط الأخلاقية وكيفية التأكد منها من خلال تحقيق أخلاقي تقوم به المصالح المعنية وحق السلطة المخولة في شطب هؤلاء من قوائم الترشيح إذا كانت نتائج التحقيقات ضدهم. أما المحور الثاني الذي أرى ضرورة أن يمسه التعديل هو نمط الانتخاب وطريقته، ويجب التفكير من جديد في حدود تطبيق نظام الأغلبية أو نظام النسبية أو القائمة المفتوحة أو المغلقة مع تدعيم أكثر لنظام الرقابة لضمان شفافية الانتخابات، ولو أن التعديل الأخير في 2004 تضمن الكثير من هذه الضمانات. * وماذا عن قانوني الأحزاب والجمعيات المنتظر مراجعتهما؟ ** بالنسبة لقانون الأحزاب أعتقد أنه ينبغي مراجعة طريقة التسيير الداخلي للأحزاب بما يضمن اتخاذ القرارات داخل هيئات الأحزاب السياسية بشكل ديمقراطي وبما يحقق التداول على السلطة، فلا يجب تطبيق الديمقراطية داخل المجتمع عن طريق تعدد الأحزاب وإغفالها داخل الأحزاب. كما أرى أيضا ضرورة مراجعة الأحكام المتعلقة بتمويل الأحزاب وكذا المتعلقة بعلاقة الأحزاب بمنتخبيها وفي علاقتها بالمجتمع بهدف تدعيم دور الأحزاب في ممارسة الديمقراطية وتطويرها. أما قانون الجمعيات فإن مراجعته تنبع من فكرة الديمقراطية التشاركية التي أصبحت في المجتمع الحديث وفي الدول المعاصرة أسلوبا مكملا وليس بديلا للديمقراطية التمثيلية، فلم يعد التعويل على البرلمان والمجالس المحلية المنتخبة فقط بل أيضا على المجتمع المدني المنضوي تحت اسم الجمعيات والمنظمات، ولهذا السبب وجب تعديل قانون الجمعيات الذي يعود في الجزائر إلى أكثر من 20 سنة بما يسمح بتدعيم دور المجتمع المدني وفق المعطيات الداخلية والدولية.