تناولت الحلقة الرابعة محتوى ومبررات الرأي الثاني المتمثل في فكرة عقد مؤتمر بخمس نصائح، وفكرة عقد مؤتمر مقرونا بخطوات تغيير النظام أو كما جاء في الوثيقة المنشورة، والرأي بشقيه كما سبقت الإشارة يفتقد إلى الدواعي والحجة، والجديّة، اللهم البحث عن مراكز للتموقع من جهة أو لتصفية ما تبقى عالقا من حسابات قديمة مع من تبقى من جيل الثورة العظيم. الديمقراطية وفستان العروس الذي ينسب إلى نفسه الديمقراطية دون غيره،أو من خوّل لنفسه أن يكون ممثلا لواجهة الديمقراطية في الجزائر، و هو بذلك يرى في نفسه كما يزعم انه مقياس الديمقراطية وخبيرها على امتداد اثنان وعشرين(22) سنة من التربع على عرش حزبه باسم الديمقراطية المزعومة.. إن الحرص من منظور هذا الحزب على الديمقراطية ونفيها عن غيره ، والانبهار بشكلها قبل أن يهتدي إلى محتواها ومرماها، فاستوحى تسميتها ونزلها في تسمية حزبه واتخذ مرجعياته من التيار اليميني الليبرالي الفرنسي على وجه التحديد فالتقليد، والمحاكاة أمرهما لا يحتاج إلى برهان. لقد نصب الزعيم نفسه راعيا للديمقراطية في الجزائر وإمامها الأول فأسكره هذا السراب وهذا الطموح وهذا الوهم الجارف فادى به أن فقد الطريق ، وفقد التوازن، وضاع عليه إدراك حقيقة الأشياء. وهكذا تحولت الديمقراطية كقيمة إنسانية وإنتاج فكري بشري لفلاسفة وفقهاء ومصلحين على امتداد حوالي ستة وعشرين(26) قرنا، إلى مزاج شخصي والى طقوس شبيهة بطقوس رجال الكنيسة كل يوم احد......، إن الديمقراطية ليست غاية في حق ذاتها ، ولا برنامجا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا قادرا على إخراج البلاد من دائرة التخلف الحضاري وانتشارا لفساد وكل الآفات الاجتماعية.، بل هي وسيلة للاختيار الأحسن، وهي الحق في الاختلاف في وجهة الرأي ، وهي الاحتكام إلى الإرادة الشعبية والقبول بحكمها الخ... وهي في الأخير سلوك حضاري ، و أفعال وتصرفات آثارها لا تخفيها خافية....لكن أن تتحول الديمقراطية عندنا إلى ما يشبه الفولكلور، والنفاق السياسي والتآكل وهدر الوقت في مغالطة الرأي العام واستفزازه إلى درجة أن أصبح المواطن يكفر بالديمقراطية في حدّ ذاتها نتيجة تلويثها من هذا التيار ومن هم على شاكلته في الداخل على امتداد عشرين(20) سنة، وما أصبح يعانيه العالم العربي من فوضى وتقزم واهنات للكرامة العربية تحت ذريعة الديمقراطية الغربية باعتبارها نموذج نتاج ثقافتهم، رغم أن الحرية الحياة الديمقراطية بين بني البشر وفي جانبها الإنساني نعمة وليست نغمة. وهكذا أصبح الإنسان يتخيل أن متزعمي الديمقراطية زورا وبهتانا حالتهم أشبه بولائم الزفاف حيث أين تلجأ فيه العروس إلى استئجار ما يسمى بفستان الأبيض المطلوب في مثل هذه الحالات والذي أصبحت له دكاكين متخصصة تتاجر في إيجاره، وبانتهاء مراسيم الزفاف يخلع الثوب الأبيض ليعود إلى مؤجره،وحينها تعودا لعروسة إلى لباسها المألوف وحياتها المعتادة دون تكلف الخ.. الديمقراطية ليست لباسا جذابا جميلا يرتديه المتكلف المحتال بالمناسبة لمخادعة العامة وربح ودهم. الديمقراطية نمط تفكير وأسلوب في الحياة وقاعدة تعامل مع المجتمع من اجل الوصول إلى ما هو أفضل في تنظيم شؤون حياتنا.. أن الخبطاء العشواء والبحث عن كل ما يدفع إلى الإثارة والفتنة لصّد الرأي العام في الداخل، والمحافظة على ماء الوجه أمام من يمثلون السند والمرجعية في الضفة الأخرى، كلها محاولات القصد منها إخفاء حقيقة ما يجري في بيت من يسمون أنفسهم بالديمقراطيين عن طريق الاحتكار، وبجانبهم بقايا ما كان يسمى بحزب (الباكس). إن تسلط زعيم الديمقراطيين وتربعه على عرشه منذ حوالي ربع قرن يعيش أزمة سياسية وتفسخا سياسيا حادا أصبحت قواعده تتآكل يوما بعد يوم من الداخل فهجرته جلّ كوادره، ومنتخبيه على مستوى بعض المجالس الشعبية رغم قلتها، كما شرّد كل منافس له في قيادة وزعامة العرش أو طامع فيه،أمام هذا الواقع المرّ ما كان أمام حارس الديمقراطية سوى إخفاء رأسه في الرمل كالزرافة كما يقال ، فالتجأ إلى الكتابة في التاريخ لعله يجد ضالته لإحداث فتنة، وعسى عثوره على الحجرة التي يرمم بها قلعته المتصدّعة، وبخاصة بعد أن فقد مصادر كانت ذات يوم تمثل بوصلة الحياة السياسية في البلاد، كان يتلقى منها السند المعنوي والخبر اليقين ( إذا قالت حذامي فصدقوها.. إن القول ما قالت حذامي) لقد ولى زمن السهرات والجلسات الحميمية العفوية، وبذكاء تم استغلال كل دردشة آو قول أو تعليق، وتوظيفه سياسيا والإستقواء به في استعراض العضلات اللفظية والصحفية، لقد جفّ اليوم هذا الينبوع وانقطع مسلسل المعلومات التي كانت تلتقط في التو وتستغل أحسن استغلال الخ... ويضاف إلى هذا السند المفقود،عزف المواطنين ولا مبالاتهم بشطحات كل سبت، وحتى في ما كان يعتبره منطقة محرمة على باقي الأحزاب فحدث أن نافسته وتغلبت عليه في بعض البلديات، إلا أن الضربة القاضية سوف تأتي بعد مشاركة احد الأحزاب الذي عاد إلى رشده والمؤشرات الحالية توحي أخيرا رغبته في المشاركة في كل الاستحقاقات الوطنية والمحلية. إن هذه العوامل وغيرها ملامح للهزيمة النكراء التي ستلحق بهذا الحزب لا محالة وحصولها يزعج الهمام الديمقراطي ودفعه إلى البحث عن كل وسيلة لخلط الحابل بالنابل، وكل ما يمكن فعله، ومن هذه النفسية المهتزة يمكن تفسير الوقوف على الأطلال كل يوم سبت في خرق مقصود لقوانين الجمهورية لعل وعسى، وهذا ما يفسر أيضا اقتراحه فيما سماه: بندوة الوفاق والمجلس التأسيسي، والحكومة الانتقالية...ربما بهذا الابتكار العظيم الذي ( ماخطر على بال ولا جاء على لسان....) سيضمن لما تبقى في معسكره من البقاء بعض الوقت إلى حين،إن الهستيريا التي يعيشها حارس معبد الديمقراطية المزعومة وبعض أتباعه جعلته يبحث في علم المناجمن الحديث لعله يجد أداة علمية فعالة تمكنه من تسويق ما تبقى من بضاعته البائرة ، الفوضى المنقذة بات في القطاع أن متزعم قلعة الديمقراطية أصبحت إمبراطوريته في مهب الريح،وان الصولات والجولات التي عرفها على امتداد حوالي عشرين(20) سنة.تكاد شمسها تأذن بالمغيب، وانه لا منقذ له إلا بشبه وقوع زلزال سياسي، آو أمني، أواقتصادي، على غرار ما حصل مع بداية التسعينات عندما انتقلت الجزائر إلى نظام اقتصاد السوق والتعددية السياسية والتي صاحبها اهتزاز أركان الدولة الجزائرية ، إن ما ترتب على الأزمة السياسية من انزلا قات تسبب فيها من آلت إليهم أمور الدولة مع بداية التسعينات كحل البرلمان، وإقالة رئيس الجمهورية أو استقالته، كل ذلك وغيره افقد الجزائر كل مظاهر الحياة الشرعية ، وكان خاتمها الأزمة الأمنية التي أتت على الأخضر واليابس، هذا المحيط كاد أن يؤدي بالزعيم الديمقراطي أن يصبح متربعا على اعلي سلطة في البلاد على مستوى الجهاز التنفيذي..، ولولا لطف من الله لتحقق المكروه والقصة معروفة... هذه العوامل ما زال صاحبنا يلهث لاستجماعها مرة أخرى ليتحقق له هذه المرة سقف اقل، يتمثل على الأقل في المحافظة على الحجم الحالي لحزبه، وقد وجد ضالته في تفاصيل الاقتراح الذي أبدعه وعرضه على بعض المتنزهين من رواد الشارع كل يوم سبت، تحت عنوان" نداء الوفاق" قياسا على ندوة الوفاق التي ذكرناها في الحلقة السابقة، والتي جاءت كتتويج للخروج من الأزمة السياسية والأمنية التي عصفت بالبلاد واتت على المؤسسات الشرعية للدولة آنذاك، ومادامت هذه الظروف غير متوفرة راح الزعيم ومن على شاكلته يقترحون استنساخ الفوضى التي عزفت بالشرعية في كل من دولة تونس ومصر وهم الآن في أسوء مرحلة من تاريخهما.. ،وقد اهتدى زعيم الديمقراطية و وجد في ما يسمونه هناك عندهم بلهيب ثورة الشارع شرطا شبه متوفرا وحاضرا كل يوم سبت وحسب الديمقراطي الفذّ وما استلهمه من وهم للمغالطة فيما يسوقه من شعارات ومطالب، كمطلبه باسترجاع الجزائر من الذين استحوذوا عليها منذ 1962، وهو مطلب ما فتئ يردده على الدوام كلما تقهقر، وحسّ بعرشه ينهار،أما برنامجه الغريب فيتمثل في: إلغاء كل المؤسسات المنتخبة بما فيها البرلمان، إعادة صياغة دستور جديد، تشكيل حكومة مؤقتة انتقالية، حل الجبهة كما حصل قي تونس بالنسبة لحزب التجمع إنشاء مجلس وطني للتغيير الديمقراطي، شخصيات المجلس الوطني المقترح لا تترشح لأي منصب سياسي، أي استنساخ ما يجري الآن في تونس، الإشراف الدولي على الانتخابات. بهذه الوصفة السحرية وغيرها ،هي الضامن الوحيد لتحقيق حلم الزعيم وبالإبقاء على حزبه قائما ويحفض أتباعه من التشرد والرحيل إلى جهات منافسة له في ما يعتقده مناطق نفوذ مضمونة. هذه الوصفة إذا تحققت ستنقل البلاد بلا شك إلى أجواء منتصف التسعينات حيث سطع نجم زعيم الديمقراطيين، وحينها كانت ديمقراطية الدبابة والمدفع سيدة الموقف، وجثث الضحايا بالعشرات ، والبلاد غارقة في فتنة يوقدها ويغذيها أنصار الاستئصال والحل العسكري والأمني، وبدأت تلوّح في الأفق حتمية وفضائل الحوار، وقانون الرحمة إلا أن هيأ الله الظروف فجاءت تدابير الوئام والمصالحة الوطنية التي بفضلها دخل الناس في السلم كافة، وانتهى كابوس الفتنة ومكر أنصارها وكيدهم..، فمكروا ومكر الله بهم فكان خير الماكرين. وانتهت مرحلة الفوضى وانقشع الظلام وهلت تباشير الصباح لينعم الشعب الجزائري بنعمة الأمن ولاستقرار والحرية والعدالة الاجتماعية، واعتقد أن ديمقراطيو الدبابة، والفتنة، والديمقراطية، الموصى بها من الضفة الأخرى من المتوسط، قد انتهى زمانها لتحل محلها الديمقراطية الحقيقية التي دفعت الجزائر ثمنها باهظا منذ الدخول في عهد الإصلاحات والتغيير التي عرفها العالم في النصف الثاني من القرن العشرين، كما سار في نفس الاتجاه دول كبرى ذات حضارات ودول ذات ثورات فغيرت أنظمتها عن طريق الاختيار والاقتناع، وليس عن طريق الفرض أو الإجبار والإكراه كما يحدث في جل البلدان العربية تحت شعار( ارحل)( نقل السلطة إلى ..؟) الخ.. إن دستور 1998، وما تضمنه شاهد على حكمة الرجال وأبناء ثورة نوفمبر الخالدة، ولولا ألمنعطف الخطير الذي تلي الانتقال إلى الحياة السياسية التعددية، والفصل بين السلطات، واقتصاد السوق الخ.. والذي خلف كما هو معروف عشرات الآلاف من الضحايا، وكماّ من المفقودين، والمعطوبين، والأرامل ، والأيتام.، لكان الانتقال إلى الإصلاحات يمثل إحدى المعجزات وقمة النضج السياسي والتحكم في معطيات التطور الدولي والمنحى التاريخي الذي كانت تلوح ملامحه مع نهاية الحرب الباردة ، كما يعتبر من جهة أخرى التخطيط لهذا الانتقال على مدى تمتع المسئولين والمناضلين في حزب جبهة التحرير بحس رفيع متميز، وسعة أفاق خارقة ، لم يدرك معالمها إخواننا في باقي الدول العربية إلا بعد مضي عشرين 20 سنة الخ........... الدكتور فاضلي ادريس