إذا كان الطريق السيار، وحتى قبل أن يكتمل، يمثل بحق وحقيقة مكسبا وإنجازا كبيرا، تحقق للجزائر وللجزائريين في عهد الرئيس بوتفليقة، فإن هذا الصرح الضخم الذي يعد بوجه من الأوجه، ترسيخا ماديا جديدا لوحدة الأمة الجزائرية، لن تنعم به الجزائر، ولن يستمرئ الجزائريون طعمه وحلاوته، إلا إذا كانت السيارات التي تطويه، جزائرية، أو بها رائحة الجزائر، من غير لوحات الترقيم والركاب. كلما صادف وأن أخذت الطريق السيار، إلا وشعرت بالاعتزاز والفرحة ممزوجين بالغبن والقرحة، الشعور الأول، لكون السلطة أقدمت على هذا العمل الجبار وأنجزته رغم تضحياته المالية الجسيمة، والثاني هو إحساسي بالاغتصاب والعنف، لما أرى كل تلك الماركات العالمية تجوب السيار ، وليس فيها من الجزائر، غير البنزين الذي تحرقه، أتأمل تلك الشاحنات والسيارات وأنا أفكر في تلك الملايير التي تخرج من خزينة الجزائر، وتلك الملايين من ساعات العمل الضائعة من شباب الجزائر، وأزداد حنقة وألما عندما أفكر في أولئك المئات والآلاف من المهندسين الذين تقذف بهم الجامعة الجزائرية سنويا إلى السوق، سوق لا تعرف غير التجارة والبزنس، ولا تعرف الإنتاج إلا فيما ندر. لقد كان المنطق الاقتصادي يقتضي أن تولد السيارة ثم يأتي بعدها الطريق السيار، كما يحصل في كل ولادة طبيعية، ولكن منطق الاستهلاك المتغلب على منطق الإنتاج، وسطوة حاسي مسعود على حاسي بحبح، جعلنا نقدم العربة على الحصان كما يقولون، فكان الذي كان، حتى بات ركن السيارة في شوارعنا، مشكلة المشكلات. نكتب هذا الكلام المراوح بين الانتصار والفشل، من وحي تصريحات وزيرنا للصناعة، الذي لا ينفك يخرج علينا بين الفينة والأخرى بتصريح عن تقدم في محادثاته الجارية مع صانعي السيارات من الألمان والفرنسيس الذين وبحسبه لا يريدون الاستجابة لمطالب الجزائر في تصنيع سيارة، نسبة التكامل والاندماج بها يصل حدود 70 أو 50 بالمائة. إننا نخشى أن تكون تصريحات السيد بن ميرادي، مجرد جعجعة بلا طحين، ومحادثاته ليست أصدق من تصريحات من سبقوه، ابتداء من الوزير الذي أعلن عن سيارة "فاتيا" في العشرية ما قبل الأخيرة من القرن الماضي، إلى الهاشمي جعبوب، الذي صرح بملء شدقيه سنة 2004، أن السيارة ستكون في السوق قبل نهاية السنة تلك. إذا كان هناك من مفاوضات، قد أخذت من الوقت والطول، أكثر من المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية بشأن وطن بكامله، والمفاوضات الإيرانية - الغربية بشأن النووي، وما أدراك ما النووي، فإن مفاوضات الجزائر مع صانعي السيارات قد تفوقت عليها جميعا، فهي قد استغرقت أكثر من 30 عاما! حرمت خلالها الجزائر من رؤية صناعة تشكل مصدرا أساسيا في دخل الدول المتوجهة للإقلاع الاقتصادي (تركيا، الهند، البرازيل) وحرم فيها الشباب الجزائري من امتلاك ناصية الميكانيك والتكنولوجيا، وحكم عليه أثناءها بأن يحلم بتصليح العجلات واستبدال الزيت! ليس على الوزير بن ميرادي أن يقفز بأعلى ما يستطيع، وليس عليه أن يحتطب الغابة كلها، إنما المطلوب هو تعويض الوقت الضائع وتمكين بلادنا وشبابنا من غرس هذه الصناعة الهامة في الجزائر، والمباشرة بوضع اللبنات الأولى، فكل البلدان بدأت فيها صناعة السيارات جنينية متواضعة، وحتى بالاستنساخ والتقليد، كما الحال في الهند والصين وغيرهما. السؤال الذي لم يعد يحتمل الإرجاء هو، هل حرمان الجزائر من هذه الصناعة مرده فقط إلى السقف العالي الذي تطلبه حكوماتنا المتعاقبة من صانعي السيارات، أم أن وراء المسلسل مصالح وعوائق داخلية لا قبل لها بمواجهتها. وعندها يتعين تحديد المذنبين في حق شبابنا ووطننا وترك الرأي العام يتصرف معهم بما يليق.. وعلى كل حال فحرام أن نترك الطريق السيار بدون لمسة جزائرية واحدة. يتوجب صناعة السيارة الجزائرية حتى لو تطلب الأمر تخصيص وزارة ووزير لا هم له إلا تحقيق هذا السهل الممتنع.