من كان يصدق أن تنقلب كثير من الموازين والقيم وقواعد التعامل الشبه منطقية بين الأفراد والجماعات..؟ ماذا تغير في العالم، ما هو الثابت، وما هو المتغير..؟ السيد عبد العزيز بلخادم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، نبّه مشكورا وفي لحظة صدق وصفاء في الرؤية دون تكلف أو مزايدات، وكان أحسن تذكير،بان الجزائر قد قاومت الحلف الأطلسي، ولم تسلم من شرّه إبان ثورة نوفمبر المباركة، لكنها لم تستعن به ..، كان ذلك من خلال لقائه مع المشاهدين مع الحصة الأسبوعية »حوار الساعة«، هذا اللقاء الذي ترك انطباعا طيبا لدى المشاهدين يعتبر مؤشر خير إن شاء الله، من أن نقاء وصفاء معدن الشعب الجزائري لم تلوثه بعض السنون العجاف والمحن القاسية التي ألمت بالجزائر بعد استقلالها، فبقى شعبا ثوريا عن بكرة أبيه، ومتجاوبا مع صدق أبنائه... توريد تسمية الدولة فقط أن الغرب يعلم علم اليقين أن اختراعاته وتقنياته وثقافته أصبحت في إطار العولمة موزعة عبر دول العالم في جانب كبير منها وما له علاقة بالجانب التجاري فحسب وما لا يؤثر على مركزه وتفوقه، وهي في جميع الحالات لا تتجاوز الخط الأحمر الموضوع بدقة وعناية، حتى لا يستفيد العالم المتخلف ويكتسب ناصية التكنولوجية الحديثة وتقنيات العصر ليصبح منافسا، بل وليبقى على الدوام متخلفا ومستهلكا للاختراعات والإنتاج الغربي، إن المنبهرين من إخواننا وأشقائنا بشبكة الاتصال الحديثة، أومن الوسائط الإعلامية الجديدة: انترانات، وفيسبوك، وتويتر، ومدونون الخ.. في جميع الحالات كان دورها في الحراك المشار إليه فيما سبق لا يتجاوز تسهيل عملية الاتصال وتبادل الأفكار،داخل الوطن وخارجه مع الصديق ومع العدو من خلال ما يسمى بجمعياته المستقلة وغيرها، ونظرا لبساطة الاستغلال فان استعمال هذه الوسائل أصبحت متداولة على أوسع نطاق ممكن، في القرى و المدن وعبر أنحاء المعمورة وفي كل مكان تدب فيه الحياة، وهذه نتيجة من نتائج العولمة في جانب من انشغالات وضروريات الفرد وما ييسر له نشاطه المهني أو فيما يتصل بحياته اليومية... الخ إن محاولات دول العالم الثالث اليوم وفي مقدمتها الدول العربية التي تسعى إلى استنساخ النموذج الديمقراطي للدول الغربية من تنظيم حكم، واقتصاد سوق، وحتى نمط عيش طبقا لمعادلة علاقة الغالب بالمغلوب، وبنفسية المكره المرغم، المثقل برواسب التخلف والجهل والفقر، والقلاقل التي تهز اغلب كياناته مازالت خطواته تراوح مكانها، إن هذه المجتمعات التي كانت تحت قهر المحتل الغربي والتي لم تتخلص من هيمنته وجوره إلا مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين، فإن التركة السلبية لهذا الغزو ما زالت آثارها معرقلة لكل أمن وتنمية وتطور واستقرار الخ.. إن ثقافة العصر وتقنياته، وتكنولوجياته، أكاد أقول بأنها قد طوت صفحة تاريخ الاستعمار في البلاد العربية، واخشي أن تفرض متغيرات الظروف المتلاحقة العفو عليه أيضا وليس بإلزامه بطلب الاعتذار، إن بعض المؤشرات التي طفت أخيرا أكاد أقول قد تحمل ما يؤكد السير في هذا الاتجاه، وإلا بماذا تفسر ما حدث في الحراك في كل من تونس ومصر وما صاحبه ذلك من شعارات وطلبات تنم في معظمها عن ثقافة أخرى وفلسفة أخرى غير المألوفة والمتداولة في مجتمعاتنا، منشؤها البلدان الغربية ورجالاتها فرسان هذه الحضارة، وقد اقتصر دورا لشباب عندنا، والنخب على التوظيف والمحاكاة والترديد والمطالبة بتلك الحقوق وغيرها لتكون من حق كل مواطن عربي، وفي متناول أي فرد لينعم بالحرية في أزقتها وشوارعها وميادينها الفسيحة، وليدفن حينها أساب البؤس والشقاء ،وبالاستفادة من الضمان والتأمين على البطالة والمساواة في فرص الشغل المتاحة والعيش الكريم ، والرفاهية والتمتع بانجازات وابتكارات الحضارة وكل ما تحمله من حلم وإغراءات، ذلك ما توفره الدولة الغربية اليوم لمواطنيها، نطالب بهالأنفسنا... الدولة... وشبه الدولة لا يختلف اثنان من أن الدولة قد نشأت نتيجة تطور يضرب في جذوره إلى عصر دولة المدينة وبالتدقيق لدى حضارة الإغريق، والى المثل العليا السياسية الحالية التي سادت آنذاك كالعدالة، والحرية والحكومة الدستورية واحترام القانون، وقد بدأ تحديد مدلول هذه المصطلحات بتأمل فلسفي لاقى عبر العصور التطابق أحيانا، والاختلاف أحيانا أخرى، كما أن مشكلات العصر ليست هي مشكلات ذلك العصر، ومع ذلك فأوجه الشبه قائمة، وأن حلقات التطور ظلت مستمرة إلى يومنا هذا منذ نظرة أرسطو إلى الإنسان من انه كلبنة صغيرة في بناء الدولة ذات الحكم الذاتي آنذاك، إلى مرحلة تصوير الإنسان كفرد له ذاتيته، التي يعني معها في آن واحد بتنظيم حياته الخاصة وبتنظيم علاقته بغيره من الأفراد الذين يكونون معه في هذا العالم، وقد اقتضت مواجهة ضروريات حياة الإنسان كعضو في الجماعة ظهور أفكار جديدة كفلسفة للسلوك الضرورية، وفكرة الأخوة الإنسانية الخ.. ومجمل القول بدأ مبكرا مثل هذا الفكر القائم على كيفية وجوب حمل الناس آن يتعلموا كيف يعيشون معا في نمط جديد من الحياة المشتركة، كما أن ظهور الوعي الديني لاحقا بلغ ذروته بظهور المسيحية وإنشاء الكنيسة فتولد عن ذلك إحساس جديد بذاتية الفرد، وجنبه من جهة أخرى الإحساس بقساوة العزلة في مواجهة الحياة، وهذا ما تجسد لاحقا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وتناولته النظريات الفلسفية التي سبقت الإشارة إليها فيما سبق، والمتمثلة على وجه الخصوص في نظرية العقد الاجتماعي لدى كل من(توماس هوبز، جون لوك، جون جاك روسو) وما تناوله كذلك الفقه الألماني وبالخصوص في فلسفة الفقيه هيجل الخ.. إن حالة الطبيعة أو الفطرة الأولى التي كانت تحكمها الفوضى والأنانية والغرائز المطلقة، التي تقود فيه الحرية المطلقة المتروكة للأفراد جميعا إلى الحروب المستمرة، وبدافع غريزة البقاء والدفاع عن النفس فكانت حياة الفرد حياة انعزالية قذرة وذات طابع وحشي، ولما لم يكن في الناس من يرضى بعيش على هذه الحال التجأ الأفراد إلى صيغة العقد الاجتماعي، وبمقتضاه اتفقوا على النزول على الحرية التي تؤدي إلى كل هذا النزاع والخصومات وذلك في مقابل السلام والاستقرار اللذين يمكن أن توفرهما دولة قوية، وان الغرض الرئيسي من اتحاد الناس في دولة ما والرضوخ لسلط الدولة هو المحافظة على حياتهم وأملاكهم الخ.. وقد ذهب الفقيه هيجل إلى ابعد من ذلك إذ الدولة عنده هي: »مجيء الله على الأرض لذلك تجب عبادتها باعتبارها التجسيد الإلهي على الأرض...« كما يضيف أن المجتمع لا يصل إلى مرتبة الدولة إلا إذا رأى جميع الأفراد في المجتمع أن ثم مصلحة عامة مشتركة يجب أن تتجه أرادتهم إلى تحقيقها، فتتحد إراداتهم وحرياتهم بهذه المصلحة فتتجلى فيها، وهذا ما يطلق عليه وحدة الإرادات الفردية، فالدولة هي تجسيد إرادة الإنسان وحريته، فإرادة الإنسان الحقيقية لا تتحقق إلا باندماجه في الدولة، وهذا يقضي أن يخضع الأفراد خضوعا تاما للدولة التي يتحقق كيانها على إرادات الأفراد العامة،هذه مقتطفات من الفكر الغربي الذي ظهر بعد أن تأسست الدولة الغربية الحديثة عقب القرون الوسطى التي مهد لها على وجه الخصوص كل من نيكولو ميكا فيلي المشهور بكتاب »الأمير« وهو عبارة عن ملاحظات عن مواقف معيّنة وأفكار أراد من خلالها غرضا خاصا الخ.. وبغض النظر عن المآخذ التي نبديها اليوم بشأن هذه الأفكار أو تلك، إلا أن هذا الفكر هو الذي أسس لقيام تلك الدولة كيفما كان شكل نظامها على أنقاض حطام هائل من نظم العصور الوسطى،إن ما كتبه ميكا فيلي فانه يعتبر أكثر من أي مفكر سياسي آخر خلق المعنى الذي ارتبط بالدولة في الاستعمال السياسي الحديث، إذ لم تصبح المؤسسة السياسية الحديثة النموذجية فحسب، ولكنها أصبحت اقوي مؤسسة في المجتمع الحديث، فأصبح لها أكثر فأكثر الحق والالتزام في تنظيم جميع مؤسسات المجتمع الأخرى والسيطرة عليها، وتوجيهها وفق خطوط ترسمها بشكل يحقق مصالح الدولة نفسها، وفي فرنسا ساهم الفقيه والمحامي »جان بودان« بتأليف مهم تحت عنوان »ستة كتب عن الجمهورية«، وحينها كان كما هو معروف تحت تأثير الحرب الأهلية في فرنسا، وبغرض تقوية عضد الدولة آنذاك والمتمثلة بشكل أساسي في توفير مبادئ النظام والوحدة التي يجب أن تقوم عليها دولة يسودها النظام، ومن أجمل ما صور به جان بودان وظيفة الدولة، إذ يقول: من المستحيل في دولة حديثة تحقيق الغايات التي كانت تسعى إليها دولة المدينة... وهو بذلك لم يكن راغبا في قصر الدولة على السعي وراء مزايا مادية ونافعة من قبيل السلم، وأمن الملكية، إن للدولة روحا فضلا عن جسد، والروح اسمي برغم أن احتياجات الجسد اشد إلحاحا...الخ إن الرجوع إلى مثل هذه الأمثلة والنماذج المختصرة لبعض المفكرين والفقهاء الغربيين والكثير منهم مذكور في مصنفنا الموسوم »الوجيز في فلسفة القانون« الصادر عن ديوان المطبوعات الجامعية 2003، استهدفت من ورائه القول بان الدول الغربية القائمة اليوم إنما قامت على مفاهيم، وأسس، وقيم لا يختلف فيها اثنان ، من أنها كانت صلب البرامج التربوية و التعليمية والعلمية والأدبية منها ،تستند بشكل أو بآخر على مثل هذه الأفكار في تربية وتثقيف النشء، حتى إذا ما اشتد عاضده وجد مِؤسسات أخرى تناضل وتعمل وفق برامج مدروس ومحضر في شكل تنافسي لتجسيد هذه المبادئ والقيم من منظور واقعي يساهم في التحسين المستمر للبناء الديمقراطي ومهام الدولة التي أقامها الغرب تماشيا مع تاريخه وتجاربه واحتياجاته وطموحاته. هذه الفقرات المختصرة حول مفهوم الدولة في ظل المفهوم الغربي قد وعدت بذكرها في إحدى الحلقات السابقة بمناسبة الكلام عما يجري من حراك وعراك في أغلب الدول العربية وما له ارتباط في نفس الصياغ. أما مفهوم الدولة على مستوى العالم الثالث بصفة عامة، وعلى مستوى الدول العربية على وجه التحديد، فإنه لا يجرؤ من يقول أن معنى الدولة بالمفهوم المذكور أعلاه موجود في فكرنا، بل إن كل ما اجتهدنا فيه هو أننا استمدينا التسمية من الغرب لا أكثر ولا أقل...وأن الدول العربية الجديدة بحدودها وجغرافيتها، واختلاف إشكالها وما يسمى بأنظمتها إنما محاكاة لما توصل إليه العالم الغربي في هذا الشأن أو ذاك، لقد تكونت هذه الدول في فترة انحسار الاستعمار، سواء تحت ضربات الثوار كما هو الشأن بالنسبة للجزائر وهو النموذج الواضح، أو ما ظهر بعد مفاوضات لرفع الحماية من هنا وهناك كما هو الشأن بالنسبة لكثير من الدول الأخرى التي قام خلالها المدربون على يد البلدان المستعمرة قديما، ومجموعات المساعدين التقنيين بوضع أسس الدستور، ثم إنشاء المرافق العامة وإدارتها ليجد رجال السياسة المدعوين للحكم في هذه الدول أنفسهم أمام بنيات اجتماعية قديمة قبلية عشائرية وإقطاعية، يجمعها في الغالب عنصر الدين، وتنقصها الوحدة العرقية أو اللغوية بصورة واضحة ولو أن هذه العناصر لم نعد لتعيق تشكيل الدول الحديثة، كمالا تساعد المعتقدات الدينية في هذه الكيانات على نمو فكرة الدولة وعلى مسار الميكانيزمات السياسية من النمط الغرب، وحتى وان استقرت أوضاع دول لبعض الوقت، إلا أن الاضطرابات كثيرا ما تنشب وتظل تعصف بالدولة بمفهومها الغربي المستعار لكونها تمثل جسما غريبا في الغالب...الخ هل تصلح المقارنة والحالة هذه بين مفهوم الدولة، كما هو قائم عندنا، ومفهومها هناك بما ذكر وما لم يذكر من أسس وخلفيات تاريخية وفكرية الخ..؟ وهل تطبيق معاييرهم على واقع دولنا يستند إلى منطق ومعقولية؟ هل يمكن أن نقول في دولنا العربية الإسلامية وبدون اعتراض أن أساس الدولة، والسلطة ، وأساس الحريات الفردية فيها، والحياة الاجتماعية بصفة عامة إنما تنطلق من اتفاق أرادي وضع في وقت معين بين الأفراد، لشعورهم بالفائدة التي يمكنهم جنيها من التشارك في بعض المصالح فتنازلوا بإرادتهم عن استقلالهم بموجب عقد سمي بالعقد الاجتماعي كما يذهب إلى ذلك الفكر الغربي وفلسفته؟ إن مناقشة هذا الواقع من منظور ما يجري في الساحة العربية، وما يفرض وما تأمر به الدول العظمى من منبر الأممالمتحدة تحت ذريعة أو أخرى،أصبح يطرح أكثر من سؤال، وقد تحبذ المساهمات في إثارة مثل هذه المواضيع ، غير أن تشتت مواقعها يتطلب وقتا وجهدا وصبرا أطول، ولعل الولوج إلي مثل هذه القضايا قد تؤجل إلى حين من باب انتظار انقشاع بعض الضباب الذي مازال يحجب الرؤية،الخ......أما يجري اليوم في بلادنا من استقرار ومسار تنموي واضح وإصلاحات عديدة متتالية لم تكن مطلقا تحت الطلب كما يعلم الجميع قد تحتاج إلى التنويه وتبادل وجهات النظر بشأنها لتنوير الرأي العام.