مع انعقاد اللجنة المركزية في دورتها الرابعة يكون قدّ مرّ أكثر من 14 شهرا على المؤتمر التاسع لحزب جبهة التحرير الوطني. مؤتمر اكتسى أهمية خاصة وبالغة لأنه كان بمثابة محطة مفصلية في مسيرة الحزب العتيد. محطة طوت بشكل نهائي مخلفات أزمة خطيرة عصفت بالحزب سنة 2003 وشتت صفوف مناضليه وإطاراته، كما رسمت في المقابل معالم المرحلة المقبلة وحددت إستراتيجية عمل الحزب للحفاظ على مكانته كقوة أولى في البلاد وتعزيز مكتسباته السياسية والانتخابية. بعودة سريعة وتقييم عاجل لما يقارب 14 شهرا انقضت منذ المؤتمر التاسع ومن عهدة القيادة الحالية للأفلان يمكن القول، ودون مبالغة، أنها حملت انجازات وتحقق خلالها أهداف كانت تبدو صعبة وفي حكم المستحيل أحيانا. 14 شهرا كانت كافية لتسوية مخلفات أكثر من عشريتين من الفوضى في القواعد النضالية باعتبار أن الفوضى التي عاشتها البلاد خلال العشرية السوداء انسحبت على وضعية الحزب العتيد وعلى قواعده. ولعلّ أهم تحد رفعته قيادة الأفلان بعد المؤتمر التاسع وشددت عليه اللجنة المركزية في أولى دوراتها هو تجديد هياكل الحزب في القسمات والمحافظات ووضع حد لتسيير اللجان الانتقالية لهذه الهيئات الذي استمر سنوات، ورغم ما يحيط بهذا الملف من ألغام إلا أن الأمين العام عبد العزيز بلخادم والفريق الذي يرافقه في المكتب السياسي كان مصرّا على الخوض فيه، وعبر أصعب الطرق وهي الانتخابات، رافضا السير على خطى أحزاب عديدة التي تلجأ وفي الظروف العادية إلى طريقة التعيين. ويعكس إصرار بلخادم على الذهاب إلى الانتخاب في تجديد مكاتب القسمات والمحافظات رغم صعوبة المهمة تمسكه بتكريس الممارسة الديمقراطية داخل الحزب، ورغم كل الصعوبات التي أحاطت بالعملية خاصة في تحديد الوعاء الانتخابي ومن تنافس بين المناضلين خرج في عدة أحيان عن إطاره النضالي إلا أن قيادة الحزب العتيد أصرّت على المضي فيها وتمكنت خلال أشهر من تجديد مكاتب القسمات رغم ما اعترض العملية من غضب للمناضلين وهي في الطريق للانتهاء أيضا من انتخابات مكاتب المحافظات، وقد جنّد الحزب قياداته من أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للإشراف على هذه المهمة بشكل مباشر. وبالنظر لما تمثله عملية تجديد الهياكل من أهمية للحزب خاصة مع اقتراب موعد الاستحقاقات السياسية المقبلة فقد كانت لها الأولوية في أجندة القيادة الحالية والتي لم تغفل في الوقت نفسه العمل على تطويق ومحاصرة حالات الغضب على قرارات المؤتمر التاسع لا سيما ما يتعلق بتوزيع المناصب في الهيئات القيادية للحزب. وبعيدا عن الشأن النظامي وترتيب البيت فقد تميزت الفترة المنقضية من عهدة القيادة الحالية للأفلان بعديد من المبادرات السياسية لعلّ أبرزها البحث في أسباب انتفاضة الشباب بداية شهر جانفي فيما عرف بانتفاضة الزيت والسكر احتجاجا على الزيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية، حيث كلف الأمين العام عبد العزيز بلخادم نواب الحزب بإعداد تقارير عن الوضع الاجتماعي في الولايات وجمع انشغالات الشباب ومقترحات التكفل بها، كما كان الأفلان حاضرا في الساحة السياسية لإنجاح الإصلاحات الجاري التحضير لها بعد إعلان الرئيس بوتفليقة عن عزمه مراجعة الدستور وبعض القوانين الأساسية، على غرار قانوني الأحزاب والانتخابات، وسارع بتنصيب أفواج عمل لتحيين نتائج عمل اللجان التي سبق وأن قامت بعمل مماثل سنة 2006 لإعداد مقترحات الحزب العتيد بخصوص القوانين المزمع مراجعتها قريبا.