حسني مبارك، قائد الطيران الذي كان أقصى طموحه هو أن يعين سفيرا لبلده في دولة أوروبية، يستدعيه السادات، سنة 1975، ليعينه نائبا له؛ ومثلما كان الأمر بالنسبة لأسباب تعيين جمال عبد الناصر لأنور السادات نائبا له والتي بقيت سرية لحد الآن، فان نفس الشيء حدث بالنسبة للأسباب الحقيقية التي جعلت السادات يعين الفريق المتقاعد محمد حسني مبارك بالذات نائبا له. لكن لا بد من التأكيد على أن الرجلين يشتركان في خاصيتين اثنتين، أولاهما كون كل منهما متزوج من امرأة )جيهان بالنسبة لأنور السادات وسوزان بالنسبة لحسني مبارك( أمها بريطانية مسيحية وأب مصري مسلم؛ وثانيهما، أنهما ينتميان لنفس المؤسسة العسكرية. الانتماء للمؤسسة العسكرية، في بلد كمصر، هو عنصر حاسم في تبوأ المناصب السامية لأنه، ولأسباب تاريخية، يوجد تصور لدى المواطنين المصريين بأن مصر لا يمكن أن يحكمها سوى عسكري. مصر حكمت من طرف العسكر لمدة نصف قرن تقريبا )من 1952 لغاية 2011(، ولعل الجريمة التي لم تغفرها المؤسسة العسكرية المصرية لحسني مبارك هي كونه باشر بالفعل إجراءات توريث السلطة لولده جمال مما كان يمكن أن يجعل منه، لو لم تكن انتفاضة الشباب المصري، أول رئيس مدني مصري يحكم مصر منذ عهد الفراعنة إلى اليوم. في أكتوبر 1981، على إثر اغتيال أنور السادات أثناء العرض العسكري بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر 1973، تولى حسني مبارك جمهورية مصر لينتخب في جانفيي 1982 رئيسا للحزب الوطني الديمقراطي الذي عرف في مصر بكونه آلة انتخابية ترحي كل من يفكر في مواجهتها. على المستوى الداخلي، تميز حكم أنور السادات بإلغاء كل الحريات العامة وقمع المعارضين السياسيين والزج بهم في السجون بدون محاكمة في إطار قانون الطوارئ الذي بقي ساري المفعول طوال فترة حكمه. كما عمل على »عسكرة« الشارع المصري من خلال رفع تعداد قوات الأمن، الذي بلغ، حسب ما جاء في كتاب للصحفي المصري المعروف، عبد الحليم قنديل، مليون وسبعة مائة ألف فرد أي بمعدل عسكري واحد لكل 47 مواطن مصري. تكاليف الجهاز الأمني لم تكن وحدها التي ترهق الاقتصاد المصري الضعيف أصلا )مقارنة بعدد السكان( بل أيضا سوء توزيع الدخل وانتشار الفساد بحيث أن 2 بالمائة من المصريين فقط يسيطرون على أربعين بالمائة من جملة الدخل القومي، مما جعل رقعة الفقر تنتشر بشكل مريع حيث أن أكثر من عشرة ملايين مصري يعيشون في المقابر والأحياء القصديرية التي تفتقد لأدنى أسباب الحياة ففي القاهرة وحدها يعيش أكثر من مليون طفل مشرد. عهد حسني مبارك لم يكن كارثيا على المستويين السياسي والاقتصادي فقط بل على كل الأصعدة، فالرجل زور التاريخ، واختلس النصر، في حرب أكتوبر، من صاحبه الفريق سعد الدين الشاذلي الذي كان القائد الفعلي لهذه الحرب، وبلغ به احتقار المواطن المصري حد العمل على توريث منصب الرئاسة لولده جمال. على المستوى العربي، حول حسني مبارك مصر إلى دولة عميلة للولايات المتحدةالأمريكية ولإسرائيل، وكان أسوأ ما قام به النظام المصري في مجال علاقاته مع الدول العربية هي مواقفه تجاه احتلال العراق وأثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان والحرب الإسرائيلية على غزة والحرب الدعائية ضد الجزائر. قي عام 1991 ، شارك مبارك في العدوان الأمريكي على العراق، ففي القمة العربية التي عقدت بمصر، قبل الحرب، عمل على تجميد أية وساطة عربية تجاه العراق ليباشر بعدها حملة تجاه الدول العربية لحثها على المشاركة في العدوان على هذا البلد العربي، وهو ما تم بالفعل، حيث شاركت ثماني دول عربية )السعودية، الأمارات، البحرين، قطر، عمان، مصر، سوريا، المغرب( بجيوشها في هذه الحرب المدمرة، وكان من بين ما قدمته مصر من "مجهود" في هذه الحرب، حسب ما جاء وقتها في الكثير من الصحف الغربية، إنها أرسلت مئات المومسات للترفيه على العساكر الأمريكان المشاركين في تلك الحرب. في الحرب الثانية على العراق (2003)، قام حسني مبارك بمجهود كبير لإقناع الأمريكيين وغيرهم من الغربيين بضرورة القيام بهذه الحرب. في كتابه المعنون »جندي في العراق«، يقول الجنرال تومي فرانكس، قائد القوات الأميركية بالعراق، واصفا ما كان بينه وبين حسني مبارك في إحدى زياراته إلى مصر قبل الحرب الثانية على العراق: "كان حسني مبارك ودوداً مثلما هو دائماً . ولكن من الواضح انه كان مهتماً ببنائنا العسكري وبالتوتر في العراق. ومال مقترباً مني وتكلم بلغة انجليزية مفهومة فوراً ولكن بلهجته، وقال وهو يختار كلماته بعناية )ياجنرال فرانكس، يجب عليك أن تكون حذراً جداً جداً، لقد تحدثنا مع صدام حسين، وهو يملك أسلحة تدمير شامل، أسلحة حيوية بالفعل وسوف يستخدمها على جندكم( . بعد ساعة، وفي غرفة الاتصالات في السفارة، مررت هذه الرسالة إلى دون رامسفيلد«. لم يكتف حسني مبارك بإقناع الأمريكيين بأن صدام حسين يملك أسلحة التدمير الشامل فقط بل سافر أيضا إلى ألمانيا، التي كانت تعارض هذه الحرب، لإقناع قادتها بأهمية دعم الولاياتالمتحدةالأمريكية في حربها على العراق. في الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006، بذل حسني مبارك، بدعم من المملكة السعودية، مجهودا كبيرا من أجل تأليب الرأي العام العربي ضد المقاومة اللبنانية التي بينت، لأول مرة منذ بداية الصراع العربي-الإسرائيلي، إمكانية تحقيق الانتصار على الجيش الإسرائيلي عندما تتوفر إرادة القتال. الحرب على غزة 2008، كانت الفرصة التي أظهرت حاكم مصر على حقيقته الكاملة، فأثناء هذه الحرب الغير متكافئة التي خاضها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وقف، بكل ثقله، إلى جانب العدوان وبلغ به الأمر حد غلق الحدود مع غزة وحرم حتى الأطفال من الحليب والدواء كما استولى على المساعدات الإنسانية التي كانت ترسل من الجمعيات الخيرية لمساعدة الفلسطينيين. في 2009، وعلى إثر انتصار الفريق الوطني الجزائري لكرة القدم على مثيله المصري في مقابلة التأهل لكأس العالم 2010، خاضت وسائل الإعلام المصرية، بإيعاز من ولدي الرئيس حسني مبارك، حربا دعائية حقيقية ضد الجزائر بشعبها ورموزها وتاريخها. في ظل انحصار الاتصال التلفزيوني الجزائري في قناة واحدة هزيلة ومهجورة، تولت الصحافة المكتوبة مهمة مواجهة الدعاية المصرية فكانت فرصة لفضح النظام المصري وإبراز مساوئه. مواقف حسني مبارك من القضايا العربية السالفة الذكر، جعلت ملايين المصريين يتجرعونها بمرارة كبيرة، فالنخبة المصرية لم تسكت على ذلك، بل كثيرا ما كانت تخرج في مظاهرات كان النظام يقمعها بشدة، ولا شك أن ما كتب عن هذا النظام في الصحافة الجزائرية خلال المرحلة التي أعقبت مقابلة أم درمان قد ساهم في توعية الشباب المصري الذي قرأ، وتفاعل، مع هذه الكتابات عبر مواقع الجرائد الجزائرية على شبكة الانترنيت، توعيته بطبيعة ومساوئ نظام حسني مبارك وبمؤامرة التوريث التي كان يحضر لها وبالسعر الحقيقي للغاز المصري الذي يباع لإسرائيل، ولعل دراسة جدية حول أسباب انتفاضة الشباب المصري ستبرز دور الإعلام الجزائري في تحريك هؤلاء الشباب.