بقلم: مرزاق بقطاش جريمة هنا، جريمة هناك! ذلكم هو الحكم الذي أصدرته بيني وبين نفسي وأنا أتفرج على آخر فيلم روائي عن أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهو فيلم مأخوذ عن شهادات بعض الذين عاشوا الحدث وعايشوه تحت أنقاض برجي التجارة اللذين عصفت بهما طائرات مدنية وأحالتهما رمادا تذروه الرياح. لا حاجة بي إلى القول إن الإخراج رائع والتمثيل أروع، فالسينما الأمريكية هي صاحبة السيادة والريادة في هذا النوع من الأفلام. وهي تعرف العزف على الوتر الحساس من أجل استدرار عطف الأمريكيين وغير الأمريكيين. شرطيان من نيويورك يلقيان بنفسيهما وسط النار والدمار والغبار والرماد والحديد المتطاير والأشلاء المتناثرة من أجل إنقاذ أرواح بشرية أخرى عند أصل البرجين، ويقعان تحت طائلة تلك العاصفة الجهنمية من بقايا البرجين، ويجدان نفسيهما محصورين، لا يقويان فكاكا من العوارض الإسمنتية والحديدية والخشبية والغبار إلى أن يجيء فريق من رفاقهما ليمضي الساعات الطوال في سبيل إنقاذهما. وتكون النتيجة سعيدة بطبيعة الحال كشأن الأفلام الأخرى منذ أن وقفت السينما الأمريكية على قدميها. لكن الجريمة التي لم يتحدث عنها العرب ولا الأمريكيون ولا غيرهم من بني الإنسانية هي جريمة ملجإ العامرية التي ارتكبت في حق الأطفال البغداديين عام 1991. لقد أشيع يومها أن الرئيس صدام حسين يوجد في نفس الملجإ مع الأطفال، ولذلك راحت المقنبلات الأمريكية تلقي بقنابلها العنقودية التي فتتت المخبأ الأرضي تفتيتا ظنا منها أنها تقضي على الرئيس صدام حسين. مرت هذه الجريمة في صمت على الرغم من أن أصداءها بلغت مسامع العالم أجمع. ولم ينبر سينمائي عربي واحد لكي يخرج لنا فيلما روائيا عن الجريمة. وسكتت الصحافة العربية كلها، وسكت أهل الأدب جميعا. ولما كانت السينما جزءا من الأسلحة التي ينبغي توظيفها من أجل نيل حقوقنا في هذه الدنيا، فإننا كنا نتمنى أن نتفرج على فيلم شبيه بذلك الذي أخرج أخيرا عن حادثة 11 سبتمبر 2001، لا خدمة للإنسان العراقي وحده، بل خدمة للإنسانية كلها. الجرائم التي يكشف عنها هنا وهناك إنما تؤدي خدمة جليلة للإنسانية، تماما مثلما هو الشأن مع الأفلام التي صورت عن هتلر وعن الحرب العالمية الثانية وعن بعض الحروب ضد الوجود الاستعماري مشرقا ومغربا. وبطبيعة الحال، فهذا الفيلم الأمريكي سيسوق إلى كامل أنحاء المعمورة، وستلبس الولاياتالمتحدة لبوس البرىء، وذلك من واجبها طالما أن هناك جريمة ارتكبت في حقها. لكن ملجأ العامرية سيغمره النسيان، مثلما غمر النسيان هجمة هولاجو على بغداد عام 1258، ذلك الذي دحرج الحضارة العربية الإسلامية من عليائها. وفي هذه الأثناء، سيظل السينمائيون العرب عاكفين على تصوير بعض الأفلام الخليعة الماجنة التي تزيد ملجأ العامرية إغراقا في الحمأة.