لكم تمنيت دائما وأبدا أن أتفرج على فيلم أو على مسلسل تلفزيوني مأخوذ عن رواية (ابن الفقير) لمولود فرعون! لكن الذين يهتمون بالتصوير السينمائي عندنا أبعد ما يكونون عن الواقع الجزائري في معظم الأحيان. نراهم يدخلون في صراع مع أنفسهم لكي يكتبوا السيناريو، وينجزوا التقطيع الفني والحوار والتمثيل في وقت واحد على غرار ما يفعله عظماء المخرجين السينمائيين في العالم الغربي مع أنهم يعلمون أنهم في بداية البدايات. (فوغولو) بطل الرواية ليس في حقيقة الأمر إلا مولود فرعون، ذلك الذي خرج من قريته (تيزي هيبل) ذات يوم من مطالع الثلاثينات في القرن الماضي ليلتحق بمدرسة تخريج المعلمين بأعالي بوزريعة في الجزائر العاصمة، ويزامل الروائي إيمانويل روبلس، الفرنسي الجنسية، الإسباني الأصل، ويقف إلى جانبه في فن الرواية. هذا البطل الفقير يحقق أمانيه في هذه الحياة بأن يصير معلما، يلقن الحروف لأبناء دشرته، ثم لبعض أبناء الجزائر العاصمة بعد تخرّجه من المدرسة العليا ببوزريعة، ويلقي بنفسه في بحران الأدب، فيكتب عددا من الروايات الجميلة التي توجد على رأسها رواية (ابن الفقير). والبطل في كامل صورته تمثيل للإنسان الجزائري الذي عانى الويلات والجهل في العهد الاستعماري البغيض، ولذلك فإن تجسيده في فيلم أو في مسلسل تلفزيوني سيخدم أبناء الجيل الطالع ويعزز العلاقة بينهم وبين تاريخهم القريب. ما زلت أذكر وقفة مولود فرعون حين زارنا في مدرسة التهذيب العربية بحي العين الباردة في عام 1959، وكان يومها قد تحوّل إلى مفتش في القطاع الفلاحي، لكن صلته بمدير المدرسة، الأستاذ محمد الحسن فضلاء، حالت بينه وبين الابتعاد عن أجواء الدراسة والتعليم. وما زلت أذكر زيارتي للمكان الذي سقط فيه شهيدا برصاص منظمة الإرهاب الفرنسية في 15 مارس 1962، أي قبل الإعلان عن وقف إطلاق النار بأربعة أيام بين جبهة التحرير الوطني وممثلي الحكومة الفرنسية في إيفيان. بعض الزهور المتيبسة، وثقوب في الحائط، وصمت رهيب في المكان لكأن الموت ظل يصول ويجول فيه بعنجهيته المعهودة منذ أن وجدت الحياة. وبعد، ألا يستحق (فوغولو) أن نلقي نظرة عليه بين الحين والآخر؟ لقد نجح مسلسل (الدار الكبيرة) المأخوذ عن ثلاثية محمد ديب، فهل هناك من يبادر إلى اقتباس رواية (ابن الفقير)، ويعيد إلينا بعض الأجواء التي عاشتها الجزائر قبل الحرب العالمية الثانية وجهاد أبنائها من أجل إعادة البسمة إليها بعد طول عناء؟