مع تكرار حوادث اقتحام مجموعات سلفية لمؤسسات عمومية في تونس، وطرد أو احتجاز مديريها بحجة تطبيق الشريعة تتعاظم مخاوف التونسيين من ازدياد نفوذ هذه الفئة التي وجدت لها بعد الثورة التونسية مناخا سياسيا واجتماعيا ملائما لتكثيف نشاطها الديني، وتغليف مطالب الحريات بخطاب ديني تكفيري. وقد شهدت أمس الأول كلية الآداب والفنون في منوبة بالعاصمة، اقتحام مجموعة سلفية متسلحة بشعارات وأعلام تطالب بتطبيق الشريعة، ومنح الطالبات المنقبات كافة حقوقهن، وتخصيص أماكن لممارسة نشاطهم السلفي. وقامت هذه المجموعات الملتحية، بحسب شهادات الطلبة والعاملين بالجامعة، باحتجاز عميد الكلية والاعتصام في بهو الجامعة إلى حين تلبية مطالبهم. وأكد عميد الكلية السيد الحبيب الكزدغلي لموقع الحوار التونسي، أن عشرات السلفيين لا ينتمون إلى الكلية قاموا بمنع طلبة من إجراء دروسهم وامتحاناتهم، وقاموا بعملية مساومة وابتزاز مقابل منح كافة الحريات للمنقبات. كما تم تهديده بشكل علني بأنه سيبقى قيد الاحتجاز إلى حين تلبية جميع مطالبهم. ولا تعد هذه الحادثة، التي وصفها الإعلام التونسي "بالخطيرة"، الأولى من نوعها، حيث شهدت إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم عملية اقتحام مماثلة من جماعة سلفية يقودها الشيخ عادل العليمي، الذي أعلن عن تأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تونس، وتم على إثرها طرد مديرة الإذاعة السيدة إقبال الغربي بحجة أنها غير مؤهلة لإدارة مؤسسة دينية، على حسب قولهم. ونشرت صحيفة المغرب التونسية في عددها الصادر يوم 25 نوفمبر الجاري، تقريراً عن نفس الموضوع جاء فيه: »علمت جريدة المغرب أن الجهة التي تقف وراء منع الدكتورة إقبال الغربي من الدخول إلى مكتبها بإذاعة الزيتونة وتمنعها من مزاولة عملها كمديرة على رأس هذه الإذاعة، هي هيئة في طور التأسيس، وتحمل اسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر«. وذكرت الصحيفة أنها تمكنت من الاتصال بالشخص المسؤول عن الهيئة، الشيخ عادل العليمي، الذي أفاد أن هذه الهيئة جاهزة منذ غداة الثورة وتنتظر فقط الأمور الإجرائية لتنظيم مؤتمر وطني تدعو له جميع الأطراف بما في ذلك الإعلام. والهيئة، بحسب تصريحات العليمي، ستكون مُفوضة مستقبلا للتدخل للإصلاح والهداية في كل المجالات الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الرياضية، وستكون عاملا فاعلا مستقلا يمكنه إصلاح الحكومة إن أخطأت أو حادت. وحذرت من جهتها الباحثة التونسية آمال القرامي في مقال لها بعنوان: »النساء والثورات والعنف« من أن الوضع في تونس ما بعد الثورة يشير إلى تزايد حالات العنف المُمَنهج ضدّ النساء في الشارع وأماكن العمل والجامعات والمدارس، ولجوء بعض العائلات إلى تحجيب الفتيات القصّر وحتّى الراشدات رُغما عنهن، وممارسة التضييق أو التحرّش بغير المحجّبات، فضلا عن لجوء بعض المسؤولين والموظفين أو الأساتذة إلى إلزامية الفصل بين الجنسين أو إجبار البنات المقيمات في المعاهد على لبس اللباس الشرعي. ولم تقف إهانة الجامعيات عند هذا الحد، بحسب قولها، إذ أجبرت أستاذتان في مدرسة الفنون الجميلة في"القيروان على إعلان الشهادة أمام الجميع، حتى يسمح لهن بالخروج من مكتب الأساتذة، وتم تهديدهن بطردهن إن لم يلتزمن بتغيير زيّهن.