الأداء المتميز للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبر عدد من وسائل الإعلام الوطنية، لا يمر دون أن يترك آثارا إيجابية في الرأي العام الوطني والنخب السياسية الثقافية، التي كثيرا ما تجد مادة خصبة في أحاديثه ومواقفه، لمراجعة أحكام مسبقة وتعديل قناعات لا تنبني على أسس عقلانية موضوعية• الخرجة الأخيرة لعبد العزيز بلخادم على صفحات إحدى الصحف الوطنية الكبيرة، كانت بالمقاييس الإعلامية السياسية، واحدة من الخرجات التي تركت انطباعا حسنا لدى أغلب المثقفين المنشغلين بالشأن العام، حيث انبرى الأمين العام للحزب، بكل صدقية، للإجابة عن الأسئلة والانشغالات التي طرحها الصحفيون ويطرحها الرأي العام الوطني، بما في ذلك تلك التي تبدو للبعض حساسة ومحرجة• فقد بدا الأمين العام مطمئنا، هادئا، مرتاحا، حتى عندما بادر البعض إلى ما يشبه نشر غسيل الجبهة على الطاولة، فيما بات يعرف بالجماعة التقويمية أو مسألة المواعيد الانتخابية والرئاسية المقبلة• ولو أن الأمين العام، لم يخرج عن الخط العام لحزب جبهة التحرير الوطني وعن أدبياته السياسية الثابتة، إلا أنه بحنكته المعهودة ووضوح الرؤيا لديه، استطاع أن يرتقي بالحوار إلى مستوى سياسي، نادرا ما نقرأه أو نسمعه في وسائلنا الإعلامية، وما ذلك إلا لأن الرجل مؤمن بما يقول وبما يفعل، انطلاقا من تشبعه بمبادئ الحزب ورسوخ القناعة لديه، بأن ما يقوم به حزب جبهة التحرير الوطني هو »الصّح«، ليس للحزب ومناضليه فحسب، ولكن للجزائر كلها وطنا ودولة وشعبا• فإذا كان غيره من الأحزاب، وأحزاب الائتلاف خاصة، يفعل ما يفعل، ويصرح بما يصرح، انطلاقا من حسابات تكتيكية ظرفية، تنبني على حسابات الربح والخسارة في الآني العاجل، فإن حزب جبهة التحرير الوطني باعتبار تاريخه ورصيده، لا يملك إلا أن يكون منسجما ووفيا لنفسه ولمناضليه بتسجيل وإدراج رؤاه ومواقفه ونضالاته، في النسق العام والصيرورة الشاملة لتطور الجزائر ومستقبلها وأهدافها الإستراتيجية الكبرى في الآفاق المنظورة وغير المنظورة• فالائتلاف القائم الحاكم، بالنسبة لحزب جبهة التحرير الوطني، هو اختيار أملته أوضاع الجزائر حقيقة، ولكنه أيضا اختيار نابع من رصيد وتاريخ وقناعات نضالية تشكلت عبر العقود بين الرجال والمؤسسات، لا يمكن إدارة الظهر والتنكر لها عند أول منعطف حاسم في مسيرة إعادة بناء الدولة وفق معايير تبدو جديدة، لكنها بالحقيقة تدخل في صميم البرنامج النوفمبري المتجدد على الدوام ••• إن الخرجات الإعلامية الأخيرة لعبد العزيز بلخادم، قد نزعت كثيرا من الغشاوة والشكوك حول صحة الحزب، وقدرته على احتواء وامتصاص كثير من الضربات، بما فيها تلك التي يتلقاها من جنباته، وبذات القدر أيضا، كشفت عن مدى الثقة والتصميم في المضي بالحزب والجزائر قدما، نحو آفاق أرحب، بالاعتماد على إصلاحات جذرية عميقة وشاملة، غايتها بناء حياة سياسية شفافة ناجعة، تحترم حقائق الواقع، وتفرق بين المصلحة العليا للوطن والمصالح الحزبية الضيقة، والمؤقتة بالضرورة•