غدا تنطلق أشغال المؤتمر التاسع لحزب جبهة التحرير الوطني، في جو ملؤه الترقب والانتظار، وشئ غير قليل من التوتر، فالحزب العتيد منذ خرج من صحراء التسعينات حيث تاه بين أوهام مهري في تحويله إلى حزب معارض، وحسابات من أرادوا استبداله بالأرندي، يعمل جاهدا لاسترجاع مواقعه في واحة السلطة· وهو اليوم إن لم يعد حزبه حاكما، يبقى حزب الأغلبية، ورئيسه ولو شرفيا هو رئيس الجمهورية· ويبدو أنه يوشك أن يستعيد الأيام الخوالي، يوم كان حزبا واحدا وحيدا، ملأ الدنيا وشغل الناس·وهو في كل الأحوال محط الأنظار هذه الأيام، ينتظر الجميع ما سيتمخض عنه المؤتمر من نتائج، وبعد ذلك كيف ستنعكس النتائج على جموع المنتظرين! وسط زحمة الانتظارات والترقبات، تبرز بعض القضايا منها ما هو داخلي متعلق بالحياة الداخلية للحزب، ودوره في المجتمع، ومنها ما يرتبط بالمؤسسات العليا للدولة وبالخريطة السياسية للجزائر في المرحلة القادمة· إن التجربة الخاصة التي عاشتها البلاد تسعينات القرن الماضي، لم تمنح لأحد فرصة للاهتمام بأمر سوى استعادة السلم والأمن، وبطبيعة الأشياء لم يكن الحزب العتيد خارجا عن القاعدة، فلم يتم التفكير أو العمل على بلورة ''المشروع السياسي'' للحزب، لكن المعطيات الحاضرة لم تعد تسمح بالاستمرار في التخفي تحت مظلة بيان أول نوفمبر· باعتباره المرجعية الأولى، ولا التعلل ''ببرنامج فخامة رئيس الجمهورية'' لغياب برنامج حقيقي، قائم على قراءة جادة وعميقة لتطلعات الجزائريين وانتظاراتهم ومشاكلهم مع بداية العشرية الثانية للقرن الحادي والعشرين· على مستوى آخر أصبح ظاهرا أن الأفلان اليوم، بات يعاني تضخما في ''الإطارات''، وتكاد هياكله تصبح حكرا على المنتخبين محليين ووطنيين، وعلى الوزراء والإطارات السامين في الدولة والمؤسسات العمومية!! عاملين وسابقين·· ولعلنا نجد في هذا التضخم تفسيرا للصراع والتناحر الذي عاشته هياكل الحزب وعطل بعضا منها خلال الفترة المنقضية· ولعل المشكلة الأهم هنا، هي اتجاه الحزب إلى أن يصبح ''حزب إطارات'' بعد أن ظل طوال تاريخه الحافل يحاول أن يظل حزبا طلائعيا / جماهيريا، مرتبطا بالقواعد الشعبية· وتضعنا هذه المشكلة في قلب التحدي الداخلي الثالث الذي يواجه الأفلان ومؤتمره، تحدي القدرة على تعبئة الجماهير وتجنيد القوى الحية في البلاد (باستخدام العبارات العزيزة على أدبيات الحزب!)· فهل سيوفق المؤتمر التاسع والقيادة المنبثقة عنه في إيجاد المعادلة المفقودة التي تعيد للجزائريين ثقتهم في ''السياسة'' وتخرجهم من نفق اليأس والقنوط!! وهذا سيطرح على الحزب سؤالا آخرا أو تحديا آخر متعلق بالمنظمات الجماهيرية وعلاقتها بالحزب، وهو موضوع شائك ومعقد قد لا تتسع أيام المؤتمر لفتحه والخوض فيه· إذا سيكون ''المشروع السياسي'' ''وطبيعة الحزب'' وقدرته على التعبئة ثلاث رهانات داخلية لمؤتمر الأفلان، تلتصق بها ثلاث رهانات أخرى، على رأسها رئاسيات .2014 فقد بدا واضحا الآن أن هذا المؤتمر سيكون حاسما في رسم مشاهد الاستحقاق الرئاسي القادم، خاصة مع استمرار الرئاسية الشرفية لبوتفليقة للأفلان، مع احتمال تحولها إلى رئاسة حقيقية، مع كل الاحتمالات القائمة وبكل المقاييس، سيكون الأفلان وقيادته مفتاحا أساسيا في تقرير من سيرأس الجزائريين بعد 4 سنوات· ثاني الرهانات مرتبط بموقع الأفلان في التشكيلة الحكومية، وهل سيظل شريكا في تحالف أم حزبا قائدا ضمن ائتلاف حاكم· يختص برسم التوجيهات الكبرى ويضبط إيقاع العمل الحكومي، بتعبير آخر هل ستتحول جبهة التحرير إلى حزب حاكم أو ستظل حزبا في الحكومة؟·الرهان الأخير، ينسحب بالضرورة من الذي سبقه ويدور حول طبيعة الخريطة السياسية التي ستطبع الحياة العامة في الجزائر لغاية رئاسيات .2010 هل ستظل صيغة المحاصصة الحزبية والجهوية أحيانا· مع استخدام الغلق العملي للفضاءات السياسية والنقابية والإعلامية؟ أم أن معطيات جديدة سوف تطفو وترسم خريطة مغايرة؟ وفي كل الحالات ما هو موقع الأفلان من كل هذا، وما هو دوره فيه؟! تحديات ورهانات وتساؤلات، ستطرح نفسها بالصوت أو بالصمت على المؤتمر ومندوبية وعلى القيادة التي سوف تنبثق عليه، وستظل الإجابة معلق بها مستقبل حزب كبير وعتيد، ومستقبل بلد ارتبط تاريخه بهذا الحزب· وسيظل مستقبله القريب على الأقل مرهونا بمستقبل هذا الحزب الحزب رفع لواء تعديل الدستور·· وبوتفليقة حفظ له الشرف استكمال لمّ الشمل ودعم الرئيس يقتضيان بقاء بلخادم· يوصف عبد العزيز بلخادم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بأنه رجل توافقي تعدى بعلامته المسجلة سياسيا حدود الحزب العتيد ليشكل شعرة ميزان في توازنات جزائرية، بما يحظى من القبول في المجتمع ابتداء والطبقة السياسية تباعا وفي حزبه أصالة وذلك حتى في أشد الفترات التي مرت على الحزب العتيد وبالأخص بعد الانفتاح السياسي حين اتخذ شماعة علقت عليه كل مشاكل الجزائر· وطابع الشخصية التوافقية التي أضحت لبوسا سياسيا لعبد العزيز بلخادم جعلت عودته إلى الحلبة السياسية بعد اعتلاء الرئيس بوتفليقة سدة الحكم في ,99 سلسة ناعمة رغم مرحلة عبور الصحراء المعروفة ليصل بعد ذلك بالحزب العتيد مجددا إلى رئاسة الحكومة متوليا بذلك رئاسة الحكومة وهو أمين عام خلافا لبن فليس الذي عين رئيسا للحكومة ثم بعد ذلك انتخب أمينا عاما للأفلان والفارق بين الوجهين معتبر سياسيا خاصة وأنه جاء ليؤسس لسابقة غير معهودة في النظام السياسي الجزائري بعد تعديل دستور ,96 فضلا عن إنقاذ الحزب العتيد من أزمة كادت أن تأتي على أسسه من القواعد من خلال مؤتمر ثامن جامع حول من خلاله عبد العزيز بلخادم والطاقم القيادي الذي التف حوله المحنة إلى منحة سمحت للحزب ليحافظ على الأغلبية في الغرفة التشريعية الأولى وفي المجالس المحلية رغم تراجع النتائج مقارنة بانتخابات ,2002 حيث تمكن الحزب بقيادة بلخادم من تأكيد تجاوز أزمته نهائيا بمناسبة انتخابات 2007 في ظرف كانت التوقعات السياسية بالنظر للأزمة الكبيرة التي عصفت بالحزب بمناسبة رئاسيات 2004 كانت ترشح الحزب بالتدحرج عن قيادة الأغلبية في المجالس المنتخبة غير أن النتائج جاءت مخالفة للتوقعات وهو ما أكدته انتخابات 2009 الرئاسية التي لم يسمع فيها للأفلان صوت ثان على غرار محطة ,2004 حيث اصطف الحزب وراء عبد العزيز بوتفليقة الذي فضل الترشح حرا رغم رئاسته الشرفية للحزب العتيد وذلك انسجاما مع عرف تكرس سياسيا في الجزائر رفض بوتفليقة خرقه بالترشح تحت مظلة حزب سياسي ولو كان الحزب العتيد· وعلى هذا الأساس، تبقى عهدة بلخادم على رأس حزب جبهة التحرير الوطني منذ جانفي 2005 إيجابية للغاية انتخابيا من جهة وسياسيا من جهة أخرى، إذ تمكن الحزب بقيادة أمينه العام من قيادة قاطرة تعديل الدستور ورافع على مطلبه ودافع عليه عندما كان هذا المطلب في الساحة السياسية أشبه ''بالنغمة الشاذة'' حتى أرغم خصوم المطلب من أقرب المقربين إليه من الالتحاق بمطلبه ولكن كان قد سبقهم بها بلخادم· وإلى جانب تعديل الدستور كان الحزب العتيد بقيادة عبد العزيز بلخادم من الأحزاب التي شدت أزر ميثاق السلم والمصالحة وذلك انسجاما مع قناعات الحزب بضرورة الخروج من الأزمة المتعددة الأبعاد التي عصفت بالبلاد ولو من خلال جرعات متتالية باتجاه تطبيع الحياة السياسية· جملة هذه المعطيات تأتي لتؤكد أن الفاعلين في حزب جبهة التحرير الوطني والذين سيصنعون وقائع المؤتمر التاسع من المندوبين لن يترددوا في التأكيد لبلخادم وبالشكل الذي يدفع للقول بأن المؤتمر التاسع لن يكون إلا إجراء تنظيميا شكليا في تجديد الثقة في الرجل التوافقي في الحزب وفي الجزائر الاجتماعية والسياسية خاصة وأن الجزائر قاب قوسين من موعد سياسي غاية في الأهمية ستكون فيه الحسابات السياسية هي الأخرى غاية في الدقة سواء فيما تعلق بالأحزاب التي ستنشط هذا الحدث أو فيما تعلق بالأشخاص الذين سيؤدون الأدوار الأولى في هذا الموعد السياسي الانتخابي الهام· والحزب العتيد لا محالة من الأحزاب التي ستكون لها كلمتها في هذا الموعد السياسي· وهو ما يدركه تمام الإدراك الفاعلون في هذا الحزب والذين لن يجدوا ولو بحثوا في مخزون الأفلان شخصية كعبد العزيز بلخادم ليقود الحزب في السنوات القادم، فضلا عن أن استبدال بلخادم بأمين عام جديد سيكون بمثابة نقضهم غزلا غزله بوتفليقة منذ 99 وأكمله الفاعلون في حزب جبهة التحرير الوطني منذ جانفي 2005 تاريخ تتويج بلخادم أمينا عاما للحزب تأكيدا لدور كان عبد القادر حجار قد دعا إلى ضرورة أدائه من قبل الحزب العتيد حين اضطر سنة 97 الاستعانة بالعلم في السياسة تصحيحا لأوضاع كان بوعلام بن حمودة قد ورثها·