مرة أخرى يبدو أن مسألة نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة هي الهاجس الأول بالنسبة إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وبالنسبة إلى السلطة على العموم، بدليل إصرار رئيس الجمهورية على التأكيد أن ''نجاح الانتخابات يبقى مرهونا أولا وأخيرا بمدى إقبال الناخبات والناخبين على الاقتراع''، بل وأكثر من ذلك القول إن ''الانتخاب حق وواجب دستوري''· لقد رافق هاجس المقاطعة السلطة في كل المواعيد الانتخابية، منذ نتائج الدور الأول من تشريعيات 1991 التي أفرزت فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المحلة) والتي أبانت على أن متصدر قائمة التشريعيات كان الماقطعون، وجاء ''الفيس'' في المرتبة الثانية بثلاثة ملايين صوت· هذا الأمر أكد مسألة على قدر من الأهمية، وهي أن الأحزاب المسماة ''الوطنية'' و''الديمقراطية'' أحزاب غير قادرة على التجنيد، وهو ما أبانت عنه في كل المواعيد الانتخابية التي جاءت بعد تعطيل المسار الانتخابي· الأمر الذي جعلعا تواجه رهانين في رهان واحد، مواجهة الإسلاميين القادرين على التجنيد، وإقناع وعاء انتخابي على الرغم من أنه ليس ''إسلاميا''، لكنه في الوقت ذاته لا يثق في الوجوه ''الوطنية'' و''الديمقراطية'' المعروضة عليه، باعتبارها وجوها تنتمي بطريقة أو بأخرى إلى النظام· السؤال المطروح، في ظل انتخابات تعد السلطة بأنها ستكون على أكثر قدر من النزاهة والشفافية، حيث حمل الرئيس ''الإدارة مسؤولية توفير الإمكانات اللازمة والظروف الملائمة''، هو ما مدى حظوظ الأحزاب الوطنية والديمقراطية التي صرف بعضها النظر عن مسألة التجنيد واعتمد كلية على ما تجود له به السلطة من كوطة، وبعضها الآخر اكتفى بالبقاء في برجه العاجي بعيدا عن العمل السياسي المحسوس· في خطاب، أول أمس بوهران، أشار الرئيس بوتفليقة إلى ''المسؤولية الأكبر تعود للأحزاب في قدرتها على تجنيد شرائح واسعة من الشعب وعلى تعبئة الناخبين وكسب أصواتهم''، مشيرا إلى ضرورة أن تطرح هذه الأحزاب ''برامج عملية مفيدة وتقدم مترشحات ومترشحين ذوي كفاءة ومصداقية قادرين على جذب الناخبين وإقناعهم وكذا الإسهام في تطور المجتمع ودعم مؤسسات الدولة''· ولأن التنافس بين الأحزاب السياسية لم يكن يوما تنافسا على البرامج، خاصة منذ اتفاق أحزاب التحالف الرئاسي على أن ''برنامجها هو تطبيق برنامج الرئيس''، فإن تأكيد بوتفليقة على ضرورة تقديم مترشحين ذوي كفاءة ومصداقية باعتباره الوسيلة الأنجع لإقناع المواطن بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، يبدو أنه الرهان الذي ستعمل عليه هذه الأحزاب في جلب الأغلبية الصامتة إلى الاقتراع· تشير التحركات الأولية التي أعقبت استدعاء الهيئة الناخبة إلى أن هناك تحرك لدى الأحزاب السياسية، سواء المعتمدة أو التي تنتظر اعتمادها، باتجاه البحث عن وجوه معروفة لكنها جديدة عن الساحة الحزبية والسياسية أو أنها انسحبت من الساحة، بالقدر الذي يعطيها مصداقية أساسها أنها وجوه لا صلة لها بالأزمة· وفي هذا الإطار طفت إلى واجهة الإعلام أسماء يرجح أنها ستكون متصدرة أو ضمن قوائم انتخابية، مثلما هي الشأن بالنسبة إلى تصحيحية الأفلان، أو حزب عمارة بن يونس ''الحركة الشعبية الجزائرية''· ولا يستبعد الملاحظون أن يكون للقوائم الحرة، خلال التشريعيات المقبلة، شأن كبير، مقارنة بالانتخابات التشريعية السابقة، حيث صعبت الإدارة، من مهمة هذه القوائم· فهذه المرة وجود قوائم حرة وبالقدر الكبير من شأنه أن يتوافق وإرادة الإدارة في تكريس كل ما من شأنه أن يدفع إلى مشاركة قياسية في الانتخابات، ولكن من شأنه -أيضا- أن يفرز برلمانا فسيفسائيا لا يتيح أية أغلبية، لا حزبية ولا إيديولوجية بالشكل الذي يجعل البرلمان المقبل رهين التفاوض حول الموقف الإجماع·