إن انتحار تلميذ يعني انتحار أمة.. 80 تلميذا ينتحرون سنويا في الجزائر حسب »فورام«. أكرر »ينتحر«.. لكن رجاء.. لا تتكلموا.. اشتغلوا بالانتخابات التشريعية وما تدره عليكم من امتيازات محلّلة ومحرمة ولا تفسدوا عليهم »انتحارهم«. في فرنسا حدث مقتل عدد من التلاميذ استنفرت الطبقة السياسية كلها، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية عادة ما تحدث عمليات قتل في المدارس من قبل بعض التلاميذ أنفسهم.. فتقوم القيامة في الوسط السياسي، يستدعي الأمر أحيانا تدخل الرئيس الأمريكي شخصيا، في الدول الغربية تدخلت البرلمانات، وقننت صناعة الألعاب البلاستيكية والإلكترونية على السواء حرصا على سلامة الطفل، وفرضت على الصناعيين وضع في غلاف اللعبة معلومات تتضمن طبيعة اللعبة ومضمونها والسن الموجهة إليه، أي سن المستهلك. نحن في الجزائر، حدث أن مات التلاميذ جوعا، بعضهم سقط مغمى عليه في قاعات الدرس بسبب نقص التغذية أو فقر الدم أو الإرهاق. مات التلاميذ من البرد، ماتوا من الثلج، دهستهم السيارات وهم يبيعون الرغيف على حافة الطرق السريعة، ولم يحدث أن أصبح الموضوع »قضية«.. لم تستنفر الطبقة السياسية، لم يتحرك البرلمان، لم يصرح الوزير الأول، لم تتم تعزية العائلات.. لم يبك أحد، لأننا فقدنا الشعور بالإنسانية.. فقدنا الحس بالحياة. اليوم.. يا ناس.. التلاميذ لا يموتون.. إنهم ينتحرون.. يصبون على أنفسهم البنزين ويحرقون أنفسهم في ساحة المدرسة، ينتحرون شنقا بأسلاك كهربائية، يرمون أنفسهم من الجسور، بعضهم يفر من بيت العائلة كشكل من أشكال الانتحار أيضا. أبنائنا يا ناس.. تقوست ظهورهم من ثقل المحافظ.. حرمتهم المنظومة التربوية التعيسة من الحق في اللعب والتسلية، حرمتهم حتى من الحق في النوم والاستمتاع بالحياة.. لا وقت فراغ لديهم.. ينهضون على الساعة السادسة صباحا، يدرسون حتى الرابعة مساء، يصلون البيوت على الساعة الخامسة، يشرعون في إنجاز أعمالهم المدرسية، تدق الساعة الحادية عشر ليلا.. وهم لم ينهوا أعمالهم بعد.. يذهبون غدا إلى المدرسة »حملى« بالخوف من المعلم والأستاذ لأن الوقت لم يسمح لهم بإنهاء واجباتهم. الحمد لله.. اليوم الثلاثاء مساء.. واليوم الجمعة، واليوم السبت.. التلاميذ لا يدرسون.. إنه يوم عطلة.. سيستريحون.. سيلعبون ويمرحون.. يحدث ذلك لو أخذت منظومتنا التربوية في حسابها أن »الطفل يجب أن يلعب ويمرح ويفرح«، لكنها لم تفعل. ماذا يفعل التلاميذ إذن؟ سنسوقهم نحن الأولياء كالخرفان البريئة إلى المدارس الخاصة، ليعوضوا نقائصهم في الرياضيات واللغات ومواد أخرى كثيرة. إن تلاميذ الجزائر هم الوحيدون في العالم الذين لا يلعبون.. ويدرسون تحت الضغط.. ضغط الوقت، وضغط »الخوف من الرسوب«، منذ السنة الأولى، والأولياء يضغطون على أبنائهم »سوف ترسبون.. سترسبون، ستيعيدون السنة«. إن الإدراك يتباين من إنسان لآخر.. بعضهم يستوعب بسرعة، والآخر ببطء. بعضهم يحتاج للتكرار والآخرون لا.. وكثيرون من المعلمين يضعون التلميذ في آخر اهتماماتهم، ولا يراعون مستواهم العقلي والعمري، ويضغطون عليهم ضغطا رهيبا. إن كثرة المواد أثرت على الاستيعاب لديهم، وكثرة العدد داخل الأقسام حال دون أن يتمكن المعلم والأستاذ من التعامل مع جميع التلاميذ.. والإمتحان في السنة الخامسة ابتدائي ضغط رهيب على تلميذ عمره 10 سنوات، وطريقة التصحيح القاسية والتشديد في العلامات أضاف ضغطا آخر، ويأتي التباهي والتفاضل بين التلاميذ فيما بينهم ليضيف ضغوطا جديدة على أصحاب العلامات الضعيفة. ويضيف إليها الدكتور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطور البحث »فورام« العناصر التالية: غياب التواصل بين المعلم والتلميذ، استعمال العنف من قبل بعض المعلمين، غياب الجانب السيكولوجي لدى الأساتذة والمعلمين، غياب ثقافة التعامل مع التلميذ، التلميذ لا يجد طرفا يخبره بمعاناته داخل المدرسة.. هذه هي بعض أسباب الانتحار. إن المتهم الأول هي المنظومة التربوية.. هي النخبة السياسية الحاكمة.. ثم الأسرة والمجتمع. إن التلاميذ ينتحرون.. لا تفسدوا عليهم »تصرفهم« .. إنهم صغار لا يفقهون.. تفرغوا للانتخابات التشريعية، وبعدها المحلية... ثم فكروا في الرئاسيات.. إن الانتخابات لا تنتهي.. إن انتحار تلميذ يعني انتحار أمة.. آه .. لو كانت الحكومة تدري.. آه لو كان المجتمع يدري.