أهم ما كشف عنه الدور الأول من انتخابات الرئاسة في فرنسا هو الصعود المتواصل لليمين المتطرف، فقد حصلت مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان على المرتبة الثالثة بما يقارب 18 بالمائة من الأصوات المعبر عنها في اقتراع عرف نسبة مشاركة كبيرة. الذين صوتوا ضد ساركوزي في معظمهم عبروا عن رفض سياساته الاقتصادية والاجتماعية، وهؤلاء يحملون الرئيس المنتهية ولايته مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تعصف ببلادهم، في حين أن الذين صوتوا لمارين لوبان عبروا عن ولائهم لمشروع إيديولوجي يقوم على العنصرية والتطرف، وعندما تحصل مرشحة اليمين المتطرف على تلك النسبة التي تضعها في المرتبة الثالثة مباشرة بعد ساركوزي فإنها تكون قد انتزعت اعتراف المجتمع الفرنسي بها كقوة أساسية على الساحة السياسية خاصة مع مشاركة عدد كبير من المرشحين. لا يملك اليمين المتطرف الفرنسي مشروعا اقتصاديا أو اجتماعيا واضح المعالم، فكل ما يجري التركيز عليه في خطاب هذا التيار هو المهاجرون الذين يسرقون فرص العمل من الفرنسيين ويهددون انسجامهم الثقافي، وعندما يزكي قرابة خمس الفرنسيين مشروعا سياسيا مبنيا على الكراهية فهذا يعني أن المجتمع الذي طالما رفع قيم الحرية وحقوق الإنسان أصبح يسير على طريق اعتناق الأفكار الفاشية التي لا تجد فرنسا من قبولها كمشروع سياسي ينافس على الحكم بطريقة شرعية في حين تتم مطاردة من يسميهم ساركوزي الفرنسيون من أصول أجنبية في معتقداتهم وهندامهم وطريقة عيشهم. بالنسبة لنا لا توجد فوارق كبيرة بين ساركوزي وهولاند، فمعركة الرئاسة تدور حول قضايا داخلية لا تعنينا، غير أن الصعود المستمر لليمين المتطرف يمثل مؤشرا على التوجهات المستقبلية لأوروبا ومن ضمنها فرنسا، فهذه القوى السياسية المتطرفة تمجد الماضي الاستعماري وتحن إليه، وهي تحلم بإعادة بناء تلك الامبراطوريات التي سرقت عقودا طويلة من تاريخنا، واستغلت ثرواتنا وأبادت الملايين من شعبنا، وعلينا أن نتذكر أيضا أن الذين يتشبثون بساركوزي يكبرون فيه ميوله القومية المتطرفة أكثر مما تعجبهم سياساته الاقتصادية.