كان مجال الفندقة ولا يزال، من بين أهم المجالات التي حققت فيها تونس تميزا ملحوظا، أجبر العالم على احترام قدراتها ومهارتها الإدارية والفنية، ومن الشخصيات البارزة في هذا المجال، مراد مهني، الخبير والمتمرس في مجال الفندقة وصاحب مجموعة فنادق »الميرامار« العريقة والتي ساهمت في ترسيخ علم السياحة الفندقية لتجعل منها صناعة شكلت سنداً قويا للسياحة في تونس، في هذا الحوار الذي خص به صوت الأحرار يؤكد السيد مهني أنّ الإرادة التونسية واضحة وقوية لتذليل كل الصعوبات التي قد تعترض قطاعا طالما سيظل المصدر الأول والأساس للدخل القومي لتونس. مهني يستعيد ذكريات أكثر من نصف قرن عن علاقاته بالجزائر من خلال زيارات لم تنقطع، معرباً عن إعجابه ودهشته الكبيرة للتطور العمراني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي بلغته اليوم بلادنا، كاشفاً عن بعض الفروق في قطاع السياحة الفندقية بين تونس التي تدعم تلك السياحة مادياً وتشريعياً وثقافياً كصناعة قائمة بذاتها ورديف هام للدخل القومي وبين الجزائر التي مازالت لا توليها الاهتمام الذي تستحقه، معرباً عن تفاؤله الكبير بإمكانية تغيير نظرة المجتمع الجزائري للسياحة الفندقية. حاورته: ياسمين ناب في البداية من هو السيد مراد مهني؟ ** أولا، مراد مهني رجل بسيط، فهو أب لابنتين وجد لعدة أحفاد، دخولي لعالم السياحة الفندقية كان مع والدي، رحمه الله، الذي امتهنت وإياه عمل المقاولة وبناء المشاريع المختلفة، وكانت إحداها بناء الفنادق التي جاءت نزولا عند طلب من الرئيس الراحل لحبيب بورقيبة، الذي أمر بعد استقلال تونس باستغلال السياحة الفندقية أحسن استغلال، بعد وفاة والدي واصلت مسيرته في التسيير الفندقي مع استقلالي بمجموعتي الفندقية التي أطلق عليها تسمية »الميرامار« ، حيث تضم المجموعة ما يقارب عشر فنادق، متفرقة عبر كامل تراب تونس الساحلي، وتقوم هذه المنتجعات على خدمة ضيوفها الذين يقصدونها من كل بقاع العالم، وتحافظ فنادق »الميرامار« على المعايير العالمية الفندقية بالإضافة إلى تميزها بالفخامة والعراقة في اختيار تصميم المباني الفندقية وتقديم الخدمات لعملائها الكرام، كما جندت الإدارة فرق عمل تم تدريبها وفق معايير علمية عالمية، تقوم على خدمة الضيف منذ قدومه للفندق وإقامته حتى تاريخ مغادرته . » فنادق الميرامار«.. ما سر هذه التسمية؟ »م يرامار« تسمية اسبانية وتعني »بقرب البحر« ونظرا لقرب مجموعة الفنادق والمنتجعات الشديد لشاطئ البحر، كانت تسمية الميرامار هي الأنسب بعد أن حملت في وقت سابق إسم مجموعة الهنا. أول زيارة لك للجزائر كانت قبل ربع قرن أو أكثر وتوالت بعدها الزيارات، فإلى أي مدى اختلفت عليك؟ ** لا غرابة أن يتعلق قلبي بهذه البلاد أرضا وشعباً، حتى أنني وفي كل مرة أزورها أجدني وكأني غادرت مدينة من مدن تونس إلى مدينة أخرى داخل تونس، لاسيما مع وجود العديد من القواسم المشتركة التي تجمع بين الجزائروتونس، سواء في تعرضهما لأخطار دول الجوار أو على مستوى ثقافتيهما، وأناقة شعبيهما، وحبهما للحياة والسفر والاستمتاع بما حباهما الله به من جمال الطبيعة، وقد أدهشتني القفزات المتلاحقة والنوعية التي ما فتئت الجزائر تحققها في شتى المجالات، عززها في ذلك المناخ الاجتماعي المنفتح للشعب الجزائري، وموقعها الاستراتيجي في المنطقة وتنوع وتعدد ثقافة المجتمع الجزائري وسياساته، وهي توليفة متنوعة تجمع ما بين كل الأضواء في تناغم وانسجام، إلى غير ذلك من المزايا التي تحظى بها هذه البلاد، لتجعل من الجزائر محط أنظار العالم، ومقصد جميع السواح والمستثمرين ورجال الأعمال والمثقفين والفنانين وطلاب العلم، وغيرهم. بالعودة إلى تونس، الآن وبعد مُضي أكثر من سنة على الثورة، وما تلاها من انتكاسة أو تراجع للسياحة، كيف ترى المشهد السياحي في تونس؟ ** القطاع السياحي التونسي تأثر كثيرا بما لحقه بعد الثورة التونسية من تراجع كبير في عدد السياح والعائدات، حيث كان يغطي 50% من العملة الصعبة والآن ما يزال يعاني من الصعوبات، لأنه ليس من السهل أن يسترجع عافيته بسهولة وما حصل سيكون له تداعيات كبرى، لكنني أعتقد أن القطاع السياحي بتونس سيكون من أحسن القطاعات في العالم بفضل الثورة المباركة التي غيرت سمعة تونس نحو الأحسن وسيمكننا الوضع الجديد من استقطاب أضعاف ما كنا نستقبله قبل الثورة. لمعرفة مدى تأثير ثورة الياسمين على قطاع السياحة، هل لك أن توضح لنا مدى مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد الوطني التونسي؟ **السياحة في تونس قطاع إنتاجي يلعب دوراً مهماً في زيادة الدخل القومي وتحسين ميزان المدفوعات ومصدراً للعملات الصعبة ولتشغيل الأيدي العاملة، وهدفا لتحقيق برامج التنمية، فهي تدر على تونس أكثر من 20 بالمائة من قيمة العملة الصعبة، كما يوفر القطاع السياحي أكثر من 450 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر، ما يجعله مصدر عيش لنحو 2 مليون تونسي، أي خمس سكان البلاد. في الوقت الذي تهتم فيه الجهات التونسية بترويج السياحة لبلدها، هناك بعض المخاوف لدى السواح، خاصة منهم الجزائريون من الظروف الأمنية التي مرت بها معظم المدن التونسية، هل تتوقعون استرجاع قطاع السياحة، الذي يعد رئة الاقتصاد الوطني التونسي، لانتعاشه المعهود؟ ** من غير المعقول أن يعود الوضع السياحي إلى ما كان عليه سابقا بهذه السرعة، إلا أنه سيكون بنسق تصاعدي إلى غاية 2013 و2014، وأعتقد أن السنة المقبلة ستكون سنة سياحية جيدة بالنسبة إلى تونس، خاصة أن جميع المؤشرات تؤكد أن قطاع السياحة سينتعش مجددا، وفي بداية العام الجاري بدأ قطاع السياحة في تونس ينتعش بمعدلات مقبولة، إلا أنني أعترف أنه يصعب الرجوع إلى ما كان عليه سنة 2010 باعتبارها سنة ذهبية لتونس. إذن، ترون أن الوضع في تونس حاليا يسمح بعودة السياحة إلي ما كانت عليه في الأعوام الماضية؟ **الحديث عن الوضع الأمني في تونس مبالغ فيه جدا وما هو إلا فبركة إعلامية في كثير من الأحيان، فلقد جندت جميع الوحدات الأمنية والعسكرية لتأمين المسالك الرابطة بين المدن الحدودية والساحلية بتكثيف عدد الحواجز الأمنية وإعلامها بجميع الرحلات والتنقلات السياحية، قصد اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة سواء المعلنة أو غير العلنية، بهدف عدم إزعاج السائح بالمراقبة الأمنية المكثفة، كما أن مرحلة الاضطرابات الأمنية التي تتبع أي ثورة تجاوزتها تونس وأن نسبة الجريمة تراجعت بأكثر من 10 بالمائة، كما سبق وأن عاينت وكالات سياحية جزائرية جميع المسارات التي تسلكها العائلات الجزائرية لبلوغ المناطق الساحلية التي جرت العادة أن تقضي بها عطلتها الصيفية، وذلك من خلال جولتين برا نُظمتا في شهري مارس وماي على التوالي، حيث تم إحصاء أكثر من 6 حواجز أمنية بين المركز الحدودي ومدينة باجة. هل نفهم من ذلك أن اللوم يوجه إلى الإعلام الذي يكون قد ضخم بعض الأحداث، مما أثر سلبا على قدوم السياح إلى تونس؟ ** صحيح هناك تحسن في أداء وسائل الإعلام الوطنية في الآونة الأخيرة، لكن مازلنا نلمس نوعا من عدم التوازن، وهذا ليس من قبيل التدخل في الشأن الإعلامي، لكن يجب أن لا ننسى أن الثورة قامت أيضا من أجل تحرير الإعلام ويتعين أن يعكس الإعلام حقيقة الأوضاع دون مبالغة ولا تحريف، وشخصيا أشعر أن بعض ما ينقله الإعلام الوطني ليس له أثر بالحجم ذاته عندما نطلع عن كثب على حقيقة الوضع الأمني في تونس. في اعتقادكم ألا يؤثر التوجه الأيديولوجي لحركة النهضة سلباً على تنمية السياحة في تونس؟ ** أنأ لن أتحدث عن الحكومة الشرعية التي تم انتخابها والتي لم تعمل إلى غاية حد الساعة ما يؤثر سلبا على تنمية السياحة، الحكومة تعرف مصلحة الدولة وتعي أن احترام رغبات السائح أمر لا بد منه، لذا فهي تولي منذ توليها مقاليد الحكم أهمية أكبر للقطاع السياحي، وذلك من خلال تطوير مشروع عمل يقوم أساسا على البرامج الإشهارية، كما أنه من الضروري تغيير أسلوب التوجه إلى السائح الأجنبي، فلا بد من البحث عن منتجات سياحية جديدة وتنوعها لاستقطاب عدد سياح أكبر واسترجاع السياح الذين فقدتهم تونس في الآونة الأخيرة مباشرة بعد الثورة. للتوضيح أكثر هل تشعرون أن بروز تيار السلفيين، قد يخيف المتعاملين السياحيين الأجانب من الوجهة التونسية أم لا؟ ** أستبعد ذلك، لأن معظم التصريحات التي أدلى بها المسؤولون تنفي في مجملها الأقاويل التي تشكك في احترام السائح الأجنبي، وتحدثت بكل شفافية وصراحة عن الوضع في تونس وتوجهات الحكومة ورؤية الأحزاب، وسيلمس السائح الأجنبي ذلك بمجرد دخوله إلى التراب التونسي، كما يحاول القائمون على القطاع تدارك الوضع ببعث رسائل طمأنة، وبتحسن الوضع الأمني أكثر. والمؤكد أن تقديم الإعلام الوطني صورة حقيقية للأحداث وتكثيف اتصالات المهنيين بشركائهم، كل ذلك من شأنه أن يمكن عمليا استرجاع الثقة في الوجهة التونسية. بحكم الخبرة التي تتوفرون عليها في مجال السياحة، كيف تتوقع مستقبل الجزائر السياحي في ظل المؤهلات الطبيعية والبشرية الهائلة التي تتوفر عليها، يقابلها نقص في المنشآت القاعدية والفاعلين الحقيقيين لتطوير القطاع؟ ** كما سبق وان أخبرتك، فإنني في كل زيارة أقوم بها إلى الجزائر أرى الكثير من التطورات الإيجابية في عديد المجالات، إلا أن ما يعب عليه هو الجانب السياحي في الجزائر، بالرغم من المؤهلات الطبيعية التي لا مثيل لها، والكفاءات البشرية المؤهلة، إلا أن الجانب السياحي في شقه التنظيمي ما يزال تقليديا جدا، تنقصه روح العصرنة المواكبة للتطورالحاصل اليوم، وقد علمت أن هناك إستراتيجية متكاملة لتعزيز دور القطاع السياحي في البلاد بما يجعل منها صناعة وموردا اقتصاديا رديفا للنفط، لاسيما أن في الجزائر الكثير من المقومات التي قد تؤسس لقطاع سياحي واعد، ومن أهمها تغيير ثقافة ونظرة الشباب الجزائري إلى العمل الفندقي والسياحة الفندقية في أرض الجزائر الخلابة.