احتضنت مدينة الغزوات بولاية تلمسان بحر الأسبوع الجاري مجموعة من الأطفال المصابين بمرض الهيموفليا المصنف ضمن قائمة "الأمراض اليتيمة" أو ما يسمى ب "النادرة" التي تشكل هاجسا حقيقيا في حياة هؤلاء المصابين خصوصا في ظل غياب برنامج وطني متخصص للتكفل بهذه الشريحة، وبالرغم من نقص الإمكانيات وعدم توفر الكميات اللازمة من الدواء المعالج إلا أن إرادة هؤلاء الأطفال تجاوزت حدود المعقول، عددهم حوالي 1500 مصاب موزعين عبر نقاط عديدة من الوطن، وبكل حزم وبراءة قرروا رفع شعار كله أمل من أجل الحياة. مبعوثنا إلى الغزوات: عزيز طواهر خلال الزيارة التي قادتنا إلى مدينة الغزوات وبالتحديد إلى فندق "الزيري" الذي احتضن قرابة 50 طفلا مصابا بمرض الهيموفليا، التقينا بهؤلاء الأطفال الذين جاؤوا من كل حدب وصوب، ليس إلا لأنهم مصابون بمرض مزمن مصنف ضمن قائمة الأمراض النادرة التي قليلا ما نجدها عبر العالم في وقت تحصي فيه الجزائر قرابة 1500 مصاب، فيما تؤكد المعدلات الصحية وجود أكثر من 3 آلاف غير معروفين استنادا للنسبة العالمية التي تحصي حالة واحد لكل 10 ولادات. وحسب التوضيحات التي قدمتها السيدة مصلي نعيمة رئيسة مصلحة أمراض الدم بمستشفى تلمسان، فإن هؤلاء الأطفال يعانون من نزيف داخلي وخارجي في حال تعرضهم لأي حادث، لأن الدم لا يتخثر مثل ما نجده عند باقي الأشخاص وذلك بسبب غياب العامل 8 أو العامل 9 الذي نجده متوفر في الحالات العادية. وأضافت المتحدثة أن المصاب بالهيموفليا في هذه الحالية يجد نفسه مضطرا لتعاطي هذين العاملين أي 8 أو 9 الذين يتم استخراجهما من الدم، وذلك حسب حالة المريض الذي قد يكون في وضع عادي، معتدل أو متأزم، وتظهر الأعراض مباشرة بعد تعرض المصاب إلى حادثة معينة، بما يتطلب حقنه بأحد هاذين العاملين في أقرب وقت حتى لا تحدث مضاعفات قد تؤدي إما إلى إعاقته أو حتى وفاته. 25 ألف دينار للعلبة الواحدة من الدواء هذا الدواء المتمثل في العاملين 8 أو 9 لا يتواجد إلا على مستوى الصيدليات المركزية بالمستشفيات وتكلف العلبة الواحدة من هذا الدواء حوالي 15 ألف دينار جزائري وقد تصل في حال أدوية أخرى أكثر فعالية إلى 25 ألف دينار للعلبة الواحدة، ويجب أن نعلم فيه أن كلفة العلية الواحدة من 500 وحدة تصل إلى 15 ألف دينار جزائري وتغطي احتياجات طفل يبلغ وزنه 30 كيلوغرام لمدة 8 ساعات وفي حال تعرضه لمشكل خطير يجب أن يتكرر الحق بالدواء كل 8 ساعات لمدة أيام حسب درجة خطورة الإصابة. وبرأي رئيسة مصلحة أمراض الدم، فإن نجاعة هذا الدواء لا تكون إلا بتوفره على جميع المستويات، حيث نجد أن المريض الذي يعاني من الهيموفليا بحاجة إلى الحصول إلى هذا الدواء بصفة دائمة وبالمنزل لأنه معرض للإصابة في أي وقت، مع العلم أن هذا الداء يستهدف العضلات وكل ما له علاقة بالمفاصل وفي حال حدوث أبسط حادث قد ينجم عن ذلك نزيف لا يتوقف غالبا ما يضطر الطبيب المعالج إلى اللجوء لعملية جراحية في وقت قياسي لإنقاذ حياة المريض. ومن هذا المنطلق أكدت الطبيبة المعالجة على أهمية العلاج الوقائي في المنزل للتقليل من خطر الإصابات، وقالت إن ولاية تلمسان وحدها تحصي 1500 مصاب بهذا المرض منهم 13 مصابا في مدينة الغزوات، الأمر الذي يستدعي دق ناقوس الخطر لضمان توفر الدواء عبر كامل التراب الوطني. حملة تحسيسية لتوعية أولياء المرضى وقد شملت الحملة التحسيسية التي شرعت فيها الجمعية الوطنية للهيموفليا التي تضم 13 فرعا عبر التراب الوطني عددا من النقاط التي تقوم أساسا على توعية أولياء وأهالي الأطفال المصابين بمرض الهيموفليا، وذلك بهدف تقبل المرض الذي يعد نادرا وبالتالي خلق نوع من التعايش في إطار التربية الصحية التي دعت إليها الجمعية. وانطلقت حملة التحسيس والتوعية في بلدية "لاسيتي" التابعة لولاية تلمسان في شكل مخيم صيفي يضم هؤلاء الأطفال المصابين بالهيموفليا وتم تنظيم أيام على مستوى إحدى الحدائق هناك وكانت الدعوة مفتوحة لجميع المواطنين، هؤلاء الأطفال المصابون جاؤوا من نقاط عديدة من الوطن: معسكر، عنابة، الشلف، تيزي وزو، بجاية، عين تيموشنت، العاصمة وغيرها من الولايات. من جهتها أكدت رئيسة الجمعية الوطنية للهيموفليا السيدة لطيفة لمهان بأن هذا المخيم الصيفي الذي نظم في شكل رحلة كشفية بالتنسيق مع كل فروع الجمعية عبر الوطن وعلى رأسها فرع الغزوات امتد من 25 جويلية الجاري إلى غاية 31 من نفس الشهر، وتم تمويله من طرف مخبرين عالميين وهما مخبر "نوف نورتسك" ومخبر "باير شيرنغ فارما" وهما المخبران المختصان في صناعة الأدوية بما فيها العاملين 8 و9. هذه الرحلة سمحت للأولياء بتقبل المرض وتعلم تقنيات حقن أبنائهم الذي لم يتجاوز 10 سنوات في تعرضهم لأي إصابة، فيما يتم تعليم باقي المصابين الذي بلغوا درجة معينة من الوعي طريقة الحق الذاتي لتمكينهم من تدارك أي خطأ والسرعة في التدخل وفي الوقت المناسب. بلحاج عبد القادر رئيس فرع ولاية معسكر ووالد أحد المصابين بالهيموفليا كان حاضرا وقام بحقن ابنه أمام الجميع، كما تم عرض تجارب أخرى قام بها عديد من الأطفال إما مصاب مع مصاب أو المريض نفسه. وقلد تميزت هذه الأيام التحسيسية بنوع من الترفيه الذي سمح لعديد من الأطفال الذين كانوا يعانون من العزلة بسبب المرض أن يندمجوا في إطار الفريق ويحتكوا بزملاء جدد، تحولوا فيما بعد إلى أصدقاء يتقاسمون معهم هموم هذا المرض الذي لا يمكن إلا أن يتعايش معه المريض من أجل تفادي أي مضاعفات. الأطفال المرضى ينتظرون دعم وزارة الصحة وفي هذا السياق وجهت رئيسة الجمعية الوطنية للهيموفليا نداء لوزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات بهدف ضمان توفير الدواء من نوع عامل 8 و9، لأن المشاكل الحقيقية التي يعاني منها هؤلاء المصابون - بالرغم من تمكينهم من الاستفادة من دفتر الدفع من قبل الغير على مستوى صناديق الضمان الاجتماعي- هي عدم توفر الدواء على مستوى كلل المستشفيات، مما ينعكس- في رأيها- سلبا على حياتهم الخاصة أو الدراسية ويعرقل عملية اندماجهم في المجتمع. السيدة لطيفة تحدثت مطولا عن مشكل نقص المراكز والمصالح المتخصصة في معالجة الهيموفليا على غرار ما هو موجود في الدول المتطورة، ناهيك عن غياب الأطباء المختصين في هذا المرض لأننا كما قالت غالبا ما نجد أطباء مختصين في الدم يتكفلون بهذه الحالات، وفي هذه الحالة قالت لمهان لطيفة إن "هناك أخصائيون على مستوى مصلحة الدم يرفضون التكفل بهذه الشريحة من المرضى المصابين بالهيموفليا بحجة عدم توفر الإمكانيات". وبالرغم من الميزانية التي وجهت لهؤلاء المرضى من قبل وزارة الصحة لسنة 2007، فإن الجزائر تبقى بعيدة عن المعايير التي حددتها المنظمة العالمية للصحة والفدرالية العالمية للصحة التي تنتمي لها الجمعية الوطنية للهيموفليا منذ تاريخ تأسيسها سنة 1989، لأن هذه المنظمات تحدد وحدة من الدواء لكل ساكن، بما يعني أننا بحاجة إلى 30 مليون وحدة بالجزائر في حين إننا لا نتوفر إلا على 12 مليون وحدة وهو ما يكشف أن الجزائر بعيدة كل البعد عن التغطية الصحية اللازمة لمرضى الهيموفليا. ولم تتوان رئيسة الجمعية في الإشارة إلى ما أسمته "الآثار السلبية" للتعليمة الوزارية التي أقرت لامركزية العلاج، الأمر الذي جعل بعض الأطباء يستغلونها لطرد مرضى الهيموفليا إعادتهم إلى مقر ولاياتهم التي لا تتوفر على المراكز المتخصصة وتفتقد الدواء اللازم مما يضطر بعض الأطباء لاستعمال "البلازما المجمد" الذي له آثار جد سلبية على صحة المريض. وبالرغم من وجود تعليمة وزارية صادرة في جانفي 2007 تقضي بتوفير المخزون الكافي من العامل 8 و9 على مستوى كل المستشفيات، إلا أنها تبقى غير مطبقة على أرض الواقع. 7 بالمائة من الوفيات أثناء الختان سببها الهيموفليا مرض الهيموفليا الذي يبقى مرضا وراثيا يصعب التحكم فيه، يطرح إشكالية التشخيص، حيث أن أغلب الأولياء نادرا ما يتعرفون على أعراض المرض وأن أغلب الحالات تموت في صمت دون أن يعلم بها أحد، وتؤكد الإحصائيات أن 7 بالمائة من حالات الوفيات في حال الختان راجعة إلى مرض الهيموفليا بسبب الأعراض التي يسببها والتي تجعل النزيف لا يتوقف، في وقت يكون فيه هؤلاء الأطفال ضحايا الختان الجماعي بدل القيام بعملية جراحية مراقبة للتحكم في أي طارئ، فالمصاب بهذا المرض وفي حال خضوعه للعلاج اللازم بإمكانه أن يعيش حياة طبيعية ويكون له معدل عمر عادي كباقي الأشخاص. ولم يكن من الممكن أن تضيع فرصة اللقاء بهؤلاء الأطفال المصابين بمرض الهيموفليا دون التقرب منهم والغوص في انشغالاتهم، وما أن يخوض أحدنا في الحديث معهم حتى ينسى نفسه ليقف وقفة واحترام أمام إرادة هاته الوجوه البريئة التي وجدت نفسها متميزة عن باقي الشرائح لأنها وبكل بساطة مصابة بمرض يعرض حياتها إلى خطر الإعاقة أو الموت في كلل للحظة. التقينا بالطفل "يوسف سعيد" البالغ من العمر 10 سنوات والقدم من عين تيموشنت وهو يدرس بقسم السنة الخامسة ابتدائي والذي لم يتردد في القول "أنا مريض بالهيموفليا وفي بعض الأحيان لا أجد الدواء، هو مرض يهدد العضلات والمفاصل بسبب النزيف وأنا مضطر لأخذ الدواء وعندما أكبر أريد أن أكون أستاذ رياضيات". الطفل "إسماعيل شينة" البالغ من العمر 13 سنة والقدم من ولاية بومرداس يعاني من نفس المرض رفقة أخيه حميد وبحكم أنه يسكن في مدينة بودواو، فهو يضطر إلى تغيير النقل ثلاثة أو أربع مرات للوصل إلى مستشفى بني مسوس بالعاصمة لتلقي العلاج وقال إن تعرض مؤخرا إلى حادث على مستوى ركبته اضطره إلى إجراء عملية جراحية بمستشفى بن عكنون وتطلبت العملية استهلاك 59 علبة من الدواء. وبدوره فإن "سمير شاعو" مراهق في الخامسة عشر من عمره أكد لنا أن حياته الدراسية تعطلت مثله مثل عديد من زملائه المصابين بهذا المرض بسبب الغيابات المتتالية جراء المرض، هو السنة الأولى متوسط ويقطن بتيزي وزو ويحلم أن يكون طبيبا في المستقبل إن لم يغير رأيه بطبيعة الحال حسب ما قاله لنا. ولم يتردد "غرابة أمين" البالغ من العمر 13 سنة والقاطن بالشراقة بالعاصمة في التأكيد وبكل حزم أنه يريد أن يصبح صحفيا في المستقبل وهذا بالرغم من صراعه الطويل مع المرض والذي عطله كثيرا عن الدراسة، أما الطفل "أسامة مكسر" ذو 10 أعوام والقاطن كذلك بالعاصمة، والذي يحلم بطبيعة الحال أن يكون طبيبا في المستقبل قال لنا إنه يتخوف من الوقوع لأن هذا المرض فتاك وفي حال إصابة على مستوى الرأس مثلا فإن المريض يفقد الرؤية ويفقد كذلك السيطرة. تلكم هي عبارات رددتها أفواه كلها براءة تحلم بغد أفضل من دون مرض، وبالرغم من كل الصعوبات والعراقيل التي لا يزالون يعانون منها بسبب نقص الدواء ومشاكل التمدرس بسبب المرض إلا أنهم يتميزون بوعي كبير جعلهم يؤمنون بسنة الحياة وحكمة الخالق ليرفعوا شعارا كله أمل من أجل حياة أفضل يتعايشون فيها مع هذا المرض.