خلفت نتائج انتخابات العاشر من ماي الماضي جدلا واسعا في الساحة السياسية، طال المؤسسة العسكرية وأقحم أفراد الجيش الشعبي الوطني وباقي الأسلاك النظامية في قلب المعترك السياسي، حيث سارعت أطراف من المعارضة إلى تحميل الأسلاك النظامية مسؤولية ترجيح النتائج لكفة الآفلان والأرندي، فهل الأمر متعلق بإقحام الجيش في اللعبة السياسية أم هو تبرير لهزيمة كانت صاعقة؟ كثفت أحزاب المعارضة وفي مقدمتها حركة مجتمع السلم من حملتها السياسية والإعلامية ضد ما تسميه »توجيه الأسلاك النظامية« للتصويت في وعاء حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، فقد تساءل نائب رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري في كثير من المناسبات عن السر الذي دفع كل الأسلاك النظامية إلى التصويت لصالح الآفلان والأرندي، متحدثا عن الفرق الذي سجل بين مكاتب الاقتراع التي صوّت فيه أفراد الجيش والأخرى في نفس المنطقة التي لم يصوتوا فيها، وبحسب مقري فإن الأمر يتعلق بتوجيه أفراد الجيش والشرطة والدرك والحماية والجمارك والحرس البلدي وغيرها للتصويت في اتجاه واحد. كما تذهب لويزة حنون في نفس الاتجاه وتطرح إشكالية التصويت المزدوج حسبها. ومن هنا أصبحت المعارضة المنهزمة انتخابيا في تشريعيات قيل أنها مصيرية لم تجد ما تبرر به فشلها في إقناع المواطنين ولم تجتهد أصلا في البحث على أسباب فشلها بعدما اكتشفت النار من جديد، حيث سارعت إلى تحميل الأسلاك النظامية ولو ضمنيا مسؤولية ترجيح الكفة لصالح الحزب العتيد وغريمه الأرندي. والسؤال المطروح: هل تطالب هذه الأحزاب »بحصتها« من أصوات عناصر الجيش والأسلاك النظامية الأخرى؟ أليس من حق أفراد الهيئات النظامية التصويت لمن أرادوا وهم الذين ينتخبون كباقي المواطنين؟ أليس التشكيك في كيفية وحرية تصويت الفئات المذكورة محاولة للضغط على المؤسسة العسكرية؟ في الواقع، الجدل الذي أحيط مؤخرا بالهيئات النظامية، يدفع إلى التذكير بتلك بالنقاش الذي طبع الحياة السياسية قبل عقد من الزمن حول ما سمي انسحاب الجيش من الحقل السياسي وكثيرا ما تجلى ذلك بوضوح خلال الاستحقاقات الانتخابية الحاسمة، ففي الوقت الذي يذهب فيه قادة المؤسسة العسكرية إلى التأكيد في كل مناسبة إلى أن الجيش انسحب نهائيا من اللعبة السياسية وأن المؤسسة العسكرية تضطلع بدورها الطبيعي المحدد دستوريا والمتمثل في حماية الحدود والدفاع على البلاد والبقاء بحياد عن التجاذبات السياسية مهما كانت، سيما بعد انخراطها في مشروع الاحترافية من خلال تحديث وعصرنه وتكوين كوادر الجيش، يعاد فتح الموضوع من جديد، ولعل الجميع يتذكر تلك الحملة التي أثيرت خلال رئاسيات 2004 عن دور المؤسسة العسكرية في ترجيح الكفة نحو مرشح بعينه، وهو ما جعل قائد الأركان آنذاك الفريق محمد العماري يخرج عن صمته ويؤكد »أن المؤسسة العسكرية لن تدعم أي من المرشحين وترحب بمن اختاره الصندوق ولو كان عبد الله جاب الله«، وهي الرسالة التي فهمت على أن الجيش ليس له مرشح معيّن، ورغم ذلك بقيت المعارضة تشكك في مسألة انسحاب الجيش من الحقل السياسي بعد ظهور نتائج الاقتراع، كما أعيد فتح الموضوع في رئاسيات 2009 وقبلها في رئاسيات 1999. ليس هذا فحسب »فالمهوسون« بالجدل السياسي كثيرا ما تحدثوا عن صراعات بين الرئيس والجيش حول العديد من الملفات، وهي الأحاديث التي نفتها الوقائع الميدانية وأثبتت في الوقت نفسه أن مؤسسات الجمهورية منسجمة في إطار الصلاحيات الدستورية المحددة لكل مؤسسة. وبالعودة لموضوع نتائج الاقتراع الأخير فلابد من التذكير أن قانون الانتخابات الذي أسقط ما كان يسمى بالصناديق الخاصة من معادلة العملية الانتخابية، أقر بتصويت أفراد الهيئات النظامية كباقي المواطنين، لكن الأهم من هذا لابد من الاعتراف أن أفراد الهيئات النظامية مواطنون ولهم الحق في اختيار أي حزب بصفة فردية، وهذا يعني أن انقسام أصوات هذه الفئات ما بين الأفلان والأرندي أمر طبيعي من منظور الحرية الفردية وحق التصويت.