يكشف الروائي الكبير الطاهر وطار من خلال هذا الحوار على جديده الروائي "قصيد في التذلل" الذي سينشر في غضون سنة 2009 كما نرحل مع صاحب روائع "اللاز"، "رمانة"، "الحوات والقصر" مفاصل وقضايا الراهن الثقافي الجزائري غياب الإنتلجنسيا، تراجع دور الجامعة، كما يروي تفاصيل وُلوجه إلى عوالم المبدع الليبي الكبير "ابراهيم الكوني" الذي يرشحه لنيل جائزة نوبل وحديث عن السرقات الأدبية في الجزائر• - هل أنهيت روايتك الجديدة "قصيد في التذلل؟ - لم أنته من كتابة الرواية بعد وكتبت 15 ألف كلمة لكن تشعب موضوعها تطلب مني تمديدها إلى 15 كلمة أخرى، الرواية تعيش في ذهني باستمرار وعلى مدى سنوات لتختمر في مخيلتي ثم تخرج الرواية تلقاء نفسها، لكن منذ ما يزيد عن السنة أنا محاصر بمواضيع أخرى بالقصص القصيرة، والمذكرات التي بدأتها والتي ربما أستأنفها والعمل عليها في شكل مقالات منفصلة، غير مرتبطة بكرونولوجيا معينة بل بتحركاتي في الزمن الطويل خاصة خلال عملي كإطار سامي في جبهة التحرير الوطني، حيث جلت البلاد شمالا وجنوبا شرقا وغربا وتعرفت على معظم قيادات الجبهة منذ 1964 إلى 1984 بدءا من القسمة وأحيانا من الخلية إلى القيادة العليا•• ثمة مواضيع طريفة، استراتيجية توضح لماذا الجزائر اليوم تعرج في سيرها؟ أصول الانحراف والنقص في بناء الجزائر الحديثة•• لكن أنا متردد نوعا ما لأنني عشت مع أناس مازالوا على قيد الحياة عرفت أخطاءهم ومحرج كثيرا•• روايتي الجديدة تعالج السبب الحقيقي للأزمة في هذا البلد وهو أن المثقف وبالأصح المثقف المبدع الذي يرى في بلدنا لا يرى بل يغمض عينيه مستسلما للسلطات بمختلف أطيافه لتقوده وهو لا يحتج أو يناقش لا يواجه لا ينتقد، مستسلم بل كثيرا ما يتولى ويتقمص دور القامع والسلطة للأسف الشديد في هذا البلد هناك تغليب للسلطة على مفهوم المجتمع المدني وتغييب الإنتلجنسيا• - هل تمنحنا فرصة الولوج إلى عوالم روايتك الجديدة أجواءها؟ - روايتي تتحدث عن تبعية الشاعر الذي هو رمز للمبدع، الناقد للسلطة ويقع في الحرج الناتج عن التناقض في حياته، بين مبدع يتجاوز الأشياء وبين مدير لا يرى سوى الاستقرار في منصبه، ويتعامل مع السلطة وهمّها الوحيد هو الاستقرار ولو كان بالكذب، فهو يعيش دوّامة من الصراع بين ضميره الذي يوبخه وبين حتميات وضروريات المعيشة التي تتغير وتتحسن بحكم المنصب، وأعتقد أن الجزائر كانت ذكية في تعاملها مع الكثير من المثقفين والمبدعين فتسكتهم بالاستيلاء عليهم، روايتي تدور في أجواء منتصف ال 60 من القرن الماضي وإلى "حركة منظمة المقاومة الشعبية" التي ظهرت بعد انقلاب جوان 1965 وكيف تميعت هذه المنظمة بتخطيط من السلطات واستيلاءها على الكثير من قياداتها وتحويلهم إلى عناصر غير فاعلة•• هي رحلة بحث في جذور التحليل والتفسخ للقيم الثورية في بلادنا• - هل ستعرض روايتك في الصالون الدولي للكتاب في أكتوبر القادم؟ - لا أطمح إلى ذلك، أنا لست مستعجلا في نشر روايتي، فأنا موجود أدبيا على الساحة الجزائرية والعربية بحكم القصص القصيرة التي أكتبها والتي تنشر في الجزائر، لندن، فلسطينالمحتلة، مصر، وأسعى لتقدير جديد جاد والنشر آخر ما أفكر فيه، رغم أن الكاتب لا يستريح إلا بعد نشر عمله لكن هذه المرة قررت تأجيل نشر روايتي حتى وإن أنهيتها إلى العام القادم 2009 لأعيد قراءة عملي بتأني وتأمل• - نشرت مؤخرا العديد من القصص القصيرة الحديث، هل يفهم من ذلك عودتك إلى هذا الجنس الإبداعي على حساب الرواية؟ - لم أنقطع عن القصة القصيرة أبدا فكتب "رمانة" وأنا بصدد كتابة رواية "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، وغيرها من الأعمال فالقصة هي المتنفس الذي يفرج عما يطبق أنفاسي ويطلق الضغط الذي يسبق الرواية فمن حين لآخر أكتب قصص أخبأها في ذهني منذ 40 سنة تحاصرني وأنا أمهلها ولا أهمل مواضيعها• - لكن العصر الحالي هو عصر الرواية؟ - أنا لا أبحث عن الرواج لدي مشاعر أفرج عنها إن اتخذت شكل قصة قصيرة أو رواية، مقالة•• ليس لدي مخطط للوصول فالحمد لله وصلت إلى أكثر مما يجب ولا يهمني إطلاقا الرواج يهمني التسجيل، أنا كاتب سياسي، أزعم أنني مؤرخ لحركة التحرير الوطني في الجزائر، الوطن العربي والعالمو كما يهمني أن لا تفوتني اللحظة بكل تحلياتها وأن أقبض على كل تفاصيل العصر الذي أعيش فيه وأسجل هذه التفاصيل من منظور ثوري، نقدي واعي والباقي لا يهمني "تجربة في العشق" يقول عنها صنع الله ابراهيم أنها رواية الجزائر وأنا جد راض عنها لكنها غير رائجة في الجزائر فيما راجت في المغرب ومصر• وربما ذلك راجع لصعوبة تقنياتها وربما لأنها طويلة إلا على الباحثين المختصين وأوضح أنا أكتب لأخرج عما يضايقني كمناضل ثوري لم أتخل عن واجب للحظة في حياتي• - يتهمك رشيد بوجدرة والعديد من الكتاب بالأبوية على الأدب الجزائري وهو ما أشعل صراعا داخل كواليس الأجيال الأدبية؟ - لقد أنهيت وأغلقت ملف رشيد بوجدرة منذ نشرت رسالة مفتوحة في يومية "الخبر" وكل ما نسب إلي بعد ذلك حول القضية هو كذب وأنفيه بشدة سواء تعلق الأمر برشيد بوجدرة أوغيره هو ابتزاز من طرف صحفيين غير متخلفين وما أتعرض له أمر عادي جدا بالنسبة لكاتب مشهور، بعضهم يريد أن يركب على إسمي كما فعل بعض النكرات في الفترة الأخيرة بدون ذكر أسماء• وذلك وارد في العالم العربي وكل العالم، هناك من يفتعلون معارك مع كبار الكتاب ويستدرجونهم إلى معارك وهنية ليقتاتوا بعض الشهرة، بالمقابل هناك من أستفزهم بحكم أنني في الساحة أمارس الفعل الثقافي•• إن وجدت سرقة أدبية تعرّض لها كاتب ما لا أتردد في الإعلان عنها•• أحاسب المثقف والسلطة ولا أتوانى في محاسبة نص من لصوص الأدب وهو ما يجلب لي علاوات وخصومات وأعني كذلك الشعراء والمبدعين الساكتين عن الوضع الفاسد، تصوري أن رئيس الجمهورية اضطر أن يقوم مقام الإنتلجنسيا فيوجه النقد إلى سلوكه وسلوك طاقم حكومته على مدى 10 سنوات والشعراء مدراء في مؤسساته ساكتون وأنا وحدي أواجه وأصرخ وحتى يخيل لي أحيانا أنني أصرخ عندما كتبت قصة "الضجر" عن الواقع الفاسد قصة "الذين" وقصصي المنثورة مؤخرا•• كان إحساسي صادق ولم أخطأ وقد أيد مقولاتي رئيس الجمهورية في خطابه الأخير لكن أين هم الراؤون والمبدعون الذين كان يجب أن يكتبوا شعرا عن البطالة والحرافة والمواطنين الذين يأكلوا الحشيش في الغابات، والذي لم يتم تعويضهم حتى اليوم عن زلزال الأصنام في مساكنهم وأشياء أخرى نحن لا نساهم في نهظة هذه الأمة وإسهام المبدع هو نقد الواقع والكشف عن النقائص• - هل يعني ذلك تنصب المثقف؟ - بل غياب تام للمثقف - كشفت في مقدمة افتتاحي مجلة "التبيين" في عددها الأخير عن هموم الجامعة الجزائرية••• ما هو تقييمك لراهن الجامعة الجزائرية؟ - علينا أن ننطلق من مقولة أن الأمور مرتبطة ببعضها ومقولة "كما تكونون يولى عليكم"••• الجامعة جزء من المؤسسات الجزائرية فلا يمكن أن تكون مؤسسة صالحة وسط مؤسسات ينخرها الفساد فذلك أمر غير طبيعي، الجامع ككل المؤسسات فيها نقص كبير من حيث قيمة وكفاءة الأساتذة، قيمة الطالب الذي يدخل الجامعة كباحث، بالإضافة إلى اعتداءات على أعراض الطالبات هذا وغير غريب لا يمكن أن يستقيم الذيل و العود أعوج! - هل استوحى لك مئات الضحايا من "الحرافة" كتاب رواية؟ - الحرفة بالنسبة لي عنصر لظاهرة عامة فالحرفة لا تقتصر على الجزائر فهي منتشرة في كل دول الجنوب والدول النامية، حيث تم الهجرة إلى بلاد الخضرة والمياه المتدفقة من الحنفيات طيلة السنة وأعتقد أن الحرفة ظاهرة إنسانية كونية تذكرنا بالهجرات التاريخية الكبرى من آسيا إلى أوروبا، فمثلما جاء الوندال إنما تغير الشكل ولا ينبغي أن ننظر للظاهرة من وجهة نظر سياسية أو اقتصادية ضيقة وبالنسبة لي الحرافة أو الذي يحزم نفس بالدينامين ويهجم على قافلة أو سوق أو المنتحر هي عناصر مترابطة بشكل الظاهرة في هذا العصر، كما ينبغي التأمل في أن لا نحصر ظاهرة "الحرفة" الجهوية كالجزائر أو مصر، لبنان، والظاهرة تجعل رؤيتي تتعمق وأرتفع عن اليومية وتلقيني في بوثقة تشكل مسار الإنسانية كلها ومستقبها وبالتالي ليس بالسهولة الكتابة عن الحرفة، فبإمكان الصحفي أن يكتب عنها يسجلها لكني أرى فيها ظاهرة كونية لا تختلف عن الوندال وهم يقطعون مضيق جبل طارق أوخروج الفينيقيين من وطنهم الأصلي، فالظاهرة ليست بهذه السطحية لأتناولها إبداعيا• - وماذا عن السرقات الأدبية في الجزائر؟ - ظاهرة عادية تعرفها كل المجتمعات الإبداعية في العالم إنما هناك غبار حينما يسرق أدباء كبار يثير ذلك ضجة أدبية من هذا النوع ولذلك بادرنا وفتحنا ملفا على موقع الجاحظية الإلكتروني يتضمن بعض الحقائق بالأرشيف تقدمه للقراء وكردع للصوص الإبداع• - تعكف منذ فترة على قراءة روايات المبدع الليبي الكبير ابراهيم الكوني• لماذا؟ - أجّلت قراءة الإنتاج الإبداعي لأمين معلوف وابراهيم الكوني و"نجمة" لأنني أخاف من هذه العامية التي تكتنزها نصوصهم وأخاف من سيطرتها علي دون وعي ولكن بعد فترة جاء دور هؤلاء لمبدعين وأعتبر الروائي الليبي ابراهيم الكوني ظهرة استثنائية في الأدب العربي كونه من أصل تارفي أن الإنسان الذي يستقر في مكان محدد يفقد قيمته وإذا ما تزوج التارفي وأنجب فهو ما يقول الكوني "ينجب وثدا يشد خيمته في الواحة" وبالتالي يفقد التارفي تارفيته، ضف إلى ذلك فإن ابراهيم الكوني مقتدر يكتب الرواية على أصول الملحمة الإغريقية بلغة عربية فصيحة جدا وشاعرية يختص في الكتابة عن التوارف وجعل من فضاء الصحراء ماسة كلما غيرنا اتجاهنا تلقي بضياءها الساحر بشكل خاص، كما أنه كاتب أمازيغي وهذا بالنسبة لي عودة إلى جذور الأجداد، وقد رشحته وأرشحه لنيل جائزة نوبل كأول كاتب عربي يستحق الجائزة إلى جانب الروائي أمين معلوف لأنه يكتب بجد ومقدرة ووعي قليلون المبدعون في الرواية المخلصون لعملهم بنزاهة•