في اليومين الماضيين أطلقت تصريحات من مسؤولين " إسرائيليين" وأميركيين وأوربيين، يشكل تزامنها وتفاعلها حالة ذات دلالات خطرة، ويمكن النظر إليها بوصفها مؤشرات على حدث عدواني قادم لا يتوقف تأثيره عند بلد واحد مستهدَف هو إيران بل قد يتعداه إلى دول وقوى ومواقع أخرى. 1 فقد تكلم مسؤولون صهاينة عن تسلّح جديد لحزب الله على الرغم من صدور القرار 1701 ووجود القوات الدولية في جنوب لبنان، وعن بناء الحزب "مدينة" أمنية تحت الأرض في جنوب لبنان، وإنشائه محميات طبيعية هناك يخفي فيها أماكن إطلاق الصواريخ التي "تزوده بها سورية" بالتعاون مع إيران؟! مما جعل وضعه العسكري أفضل مما كان عليه قبل عدوان " الإسرائيلي" على لبنان في تموز/ آب 2006 وأطلقت تصريحات " إسرائيلية رسمية" متممة في هذا الاتجاه أو ذاك، منها ما جاء على لسان تسيبي ليفني التي قالت: " إن تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان يحتاج رداً فورياً. على سوريا أن تفهم أنه لا يمكن التسليم بذلك". وتم نقل قلق صهيوني متعاظم إلى الولاياتالمتحدة الأميركية عن "تزويد السلاح والصواريخ من سوريا إلى حزب الله". كما نُقل تحذير لسورية قبل ذلك عبر الاتحاد الأوربي في الموضوع ذاته.؟ 2 صعّدت الولاياتالمتحدة الأميركية لهجة التهديد ضد إيران وملفها النووي، ودعت دولاً أوربية منها فرنسا وبريطانيا وألمانيا على عجل لبحث فرض عقوبات جديدة عليها، بينما تبحث خططاً عسكرية بصورة جدية لضرب إيران مع "إسرائيل" وبضغط كبير منها منذ زمن، ويجري ضغط ليتم توجيه الضربة قبل أن يتوارى بوش في الظلام. 3 صممت إيران على متابعة تخصيب اليورانيوم، وأطلقت صواريخ بحر بحر جديدة تبلغ مسافتها المجدية300كم، وأعلنت أنها قادرة إغلاق مضيق هرمز بكفاءة تامة وتعطيل الملاحة فيه وإعاقة إمدادات النفط، إذا ما وقع عدوان عليها. ودوى تأثير ذلك في الدول الصناعية ومواقع صنع القرار. كل ذلك جرى بتزامن وتفاعل مكثف في فترة تحرك سياسي سريع ولافت للنظر، وربما تأثر بها وجاء ليغير دفة توجه الأحداث والإرادات والتوجهات: زيارة الرئيس الأسد لطهران وإعلانه من هناك أنه ليس وسيطاً ولا يحمل رسائل وليس مكلفاً من أحد في موضوع الملف النووي الإيراني، وفي ذلك توضيح موقف لمن ربط الزيارة أو أراد أن يرى تمحورها حول ما جرى بين الرئيس ساركوزي والرئيس الأسد في باريس على هامش " الاتحاد من أجل المتوسط أي من أجل إسرائيل"، وزيارته التالية مباشرة إلى " بدروم" في تركيا ولقائه هناك الرئيس التركي، وبحث موضوع المسار التفاوضي مع الكيان الصهيوني والرغبة التركية الإسرائيلية في نقل المفاوضات إلى المباشرة والعلن، الأمر الذي لم يصل إلى نتيجة إيجابية بعد نظراً لمواقف الكيان الصهيوني، واضمحلال أولمرت وتلاشي وجوده السياسي الفعال، ودخول " إسرائيل" في مرحلة انتخابات وتغيرات لا تُعرف نتائجها بعد، وعدم استعدادها للسلام وتكاليفه الحقيقية أصلاً، وعدم جديتها في هذا الموضوع، على الرغم من الكلام حول دفع الثمن وهو الانسحاب من الجولان حتى حدود الرابع من حزيران. إن تصعيد التهديد السياسي والأمني والاقتصادي ضد حزب الله وإيران، وتحميل سورية مسؤولية تزويد الحزب بصواريخ جديدة، وتوجيه " إنذار" وتهديد لها من مسؤولين في الكيان الصهيوني، يشير إلى: أن العلاقة الاستراتيجية السورية الإيرانية التي كانوا يريدون زعزعتها توطدت أكثر بعد الزيارة الأخيرة للرئيس السوري إلى طهران، الأمر الذي جعل حلفاء المعتدلين العرب وفرنسا ساركوزي التي كانت تتطلع إلى نتائج مغايرة أو إلى إحداث خلخلة ملحوظة في تلك العلاقات وزحزحة في الملف النووي الإيراني يطلبها الرئيس الأسد من أحمدي نجاد يصابون بخيبة أمل أو يقفون على حقيقة ما يقوله لهم العارفون بحقائق الأمور، فصعدت فرنسا موقفها ضد طهران، والتقت مع خيار الولاياتالمتحدة الأميركية وإسرائيل ولو بصورة غير معلنة، ولم تقل شيئاً بعد ضد سورية التي من المقرر أن يزورها الرئيس الفرنسي في السابع من أيلول 2008 أن موقف الدولتين " إيران وسورية" من المقاومة اللبنانية والفلسطينية على الخصوص ومن الكيان الصهيوني لم يتغير، وما زال مبدئياً ثابتاً على الرغم من المفاوضات غير المباشرة بين سورية والكيان الصهيوني. وأنه لم يتم التخلي عن دعم المقاومة ضد الاحتلال، أو التشكيك في أهميتها وشرعيتها وضرورتها ورفع خيارها خياراً عاماً عند اللزوم. أن الآمال الغربية الصهيونية التي كانت تعلَّق على تغيير جوهري في الموقف والتوجه اللبنانيين الرسميين، بعد انتخاب الرئيس مشيل سليمان وتشكيل الوزارة التي كلف السنيورة بتشكيلها، سواء من المقاومة اللبنانية أو نحو سورية لم تتحقق، وأن الموقف العام من المقاومة لم يتغير لا سيما بعد صفقة إطلاق سراح الأسرى على يد المقاومة والاستقبال الرسمي لهم مع رفع مكانة المقاومة وخيارها، وبعد أن أعلن الرئيس اللبناني مبدئية واضحة وقوية وإصراراً على استعادة مزارع شبعا وتلال كفار شوبا المحتلتين إما بالتفاوض وإما بالمقاومة، وعن علاقات جيدة بل متميزة مع سورية سوف تتقدم خطوة باتجاه الأفضل بعد الزيارة المقررة له إلى دمشق في الثالث عشر من شهر آب/ أغسطس الحالي. إن ما يجري في المنطقة يشير إلى مخاطر جدية ينبغي أن تؤخذ بالحسبان وتدرس انعكاساتها وكيفية التصدي لها بمسؤولية عالية، وإلى عمل خفي مقلق تلوح سطوحه وتغرق صلابة جذوره تحت الماء، وإلى مراحل عملية سياسية جديدة من أبرز معطياتها ووقائعها وملامحها وأسبابها ومحركاتها واحتمالاتها: 1 تراجع المشروع الأميركي في المنطقة ومحاولات إنقاذه واستعادة حضوره، الأمر الذي قد يدفع الرئيس الأميركي بوش إلى حماقة يدخل بها التاريخ من بابه الخلفي ملطخاً أكثر بالعار والدم، بعد أفغانستان والعراق.. ويدخل بلاده والمنطقة في دوامة جديدة من الموت والمقت تضر ببلده ضرراً لا يمكن تقديره وتدمر ما لا يستهان به في بلدان مستهدَفه بالحقد والحماقة المعهودين فيه. 2 بقاء المفاوضات على المسار الفلسطيني الإسرائيلي في التداول اللفظي، ودخول وعد بوش في أنابوليس مرحلة الموت السريري، واستمرار التوسع الاستيطاني والتهويد. ونمو الصراع بين حماس وفتح الذي يضعف المسار والقضية والشعب الفلسطيني وينعكس سلبياً على الأمة العربية كلها وعلى مكانة قضية فلسطين في وجدانها. 3 دخول مفاوضات السلام على المسار السوري الإسرائيلي مرحلة جمود أو عدم جدوى، يجعلها مستمرة شكلاً وغير جادة ولا مجدية مضموناً، وقد لا تستأنف في المدى المنظور إذا ما واقع العدوان الذي ينطوي عليه التهديد والوعيد. ودخول الكيان الصهيوني ذاته في تغيير سياسي قد يؤدي إلى إعادة النظر في هذا التوجه أصلاً. 4 دخول السياسة الأميركية الأوربية في ضبابية قراءة المشهد بدقة، بانتظار نتائج الانتخابات الأميركية من جهة، والقرار النهائي من استخدام الخيار العسكري ضد إيران والمقاومة الأمر الذي لن تتوقف مضاعفاته عند حدود متحكم بها. إن القادم يشير إلى أننا نقف على مشارف أحداث وتحولات، إلى أحداث ومخاطر محتَمَلَة بجدية كبيرة تحيق ببلدان في الوطن العربي والعالم الإسلامي وبقضايا جوهرية ومواقف مبدئية فيه، وإلى امتحان لعلاقات بين دول كبيرة يحكمها ما هو أبعد من المصالح وقد تقايض العدل بالنفط والمال ومنافع ومواقف أخرى ولا يعنيها العدل بمقدار ما تعنيها نتائج الفعل عادلاً كان أم ظالماً، وإلى محاور وتحالفات قد يعصف بها الحدث فتتغير مواقفها ومواقعها ونظرتها للأمور وصلاتها بصورة تؤثر سلبياً بصورة أكثر على ما تبقى من "الصراع العربي الصهيوني"، وتزيد السكون أو السبات العربي المحزن والمؤسف.. وإلى محنة قد يدخلها ما يسمى "محور المتطرفين" أو يجبَر على الدخول فيها، وإلى تحولات في مواقف قوى ودول في المنطقة، ترفض الانصياع للمطالب الأميركية الصهيونية وتصر على مواقف وقرارات مستقلة نسبياً أو تدخل في دائرة ما يعرف بالممانعة، أو تشدد في الموقف منها. وقانا الله الحمق والشر، إنه على كل شيء قدير.