المجلس الأعلى للشباب: رفع تقرير سنة 2024 المتضمن لمقترحات قوية إلى رئيس الجمهورية مارس المقبل    المغرب: الانشغال بالأجندات وإهمال الحقوق الأساسية وراء إخفاقات الحكومة في احتواء أزمة الصحة    نديل: التحول الطاقوي بات من أولويات الحكومة ومشاريع واعدة للرفع من القدرات الوطنية للمحروقات    افتتاح وكالة جديدة لبنك الجزائر الخارجي بتيميمون    سوناطراك تشارك في قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد    الشركة الجزائرية-القطرية للصلب/جيجل: تصدير نحو 700 ألف طن من منتجات الحديد خلال 2024    غزة: بدء دخول شاحنات المساعدات إلى القطاع عبر معبر رفح    المعهد الوطني للصحة العمومية: تنظيم دورات تكوينية حول الوقاية والتكفل بالأمراض المرتبطة بالتغذية    تكوين مهني: استلام منشآت جديدة ببومرداس خلال العام الجاري    بسكرة: المدير العام للحماية المدنية يدشن ثلاث وحدات ثانوية    الجلسات الوطنية للسينما: رئيس الجمهورية يبرز الاهتمام الذي توليه الدولة للثقافة والنشاط السمعي البصري    الجلسات الوطنية للسينما: وزير الثقافة والفنون يبرز دور الدولة في ترقية المشهد الثقافي    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا الى 46391 شهيدا و 110750 جريحا    رياضة مدرسية: تأسيس عشر رابطات ولائية بالجنوب    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل عدة فلسطينيين من الضفة الغربية    الطبعة ال3 للدورة الوطنية للكرات الحديدية: تتويج ثلاثي تلمسان بولاية الوادي    حزب العمال يسجل نقاطا إيجابية    صورة تنصيب ترامب تثير الجدل!    الجزائر تتحرّك من أجل أطفال غزّة    نشاط قوي للدبلوماسية الجزائرية    أين الإشكال يا سيال ؟    حماس: نقترب من التحرير    شايب: نهدف إلى تحسين خدمة المواطن    تجارة: عدم التساهل مع كل أشكال المضاربة والاحتكار للحفاظ على استقرار السوق    الأمم المتحدة تكثف جهودها الإنسانية في غزة مع بدء تنفيذ وقف إطلاق النار    جيدو/البطولة الوطنية فردي- أكابر: تتويج مولودية الجزائر باللقب الوطني    خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    تمديد أجل اكتتاب التصريح النهائي للضريبة الجزافية الوحيدة    فتح تحقيقات محايدة لمساءلة الاحتلال الصهيوني على جرائمه    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    الجزائر رائدة في الطاقة والفلاحة والأشغال العمومية    رحلة بحث عن أوانٍ جديدة لشهر رمضان    ربات البيوت ينعشن حرفة صناعة المربى    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    35 % نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني    مرموش في السيتي    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجاح تكتيكي ولكنه فشل استراتيجيّ
نشر في صوت الأحرار يوم 22 - 02 - 2010

تضافرت جهود الدّول الإوربيّة أمس ببروكسيل لمطالبة إسرائيل بتوضيحات وافية عن استعمال عناصر الموساد لجوازات سفر لدول منها لدى قيامهم باغتيال محمود المبحوح، أحد رجالات المقاومة الفلسطينيّة. وأجمعت الصحف البريطانيّة على خطورة العمليّة الإجراميّة بسبب استعمال جوازات سفر هي مِلْك للتّاج البريطانيّ ورمز من رموز الدّولة. ولكنّ موقف الحكومة البريطانيّة بدا "ليّنا" في نظر الصحافة، لأنّه يوحي لإسرائيل أن ليس هناك مانع أمام استعمالها للرّاية البريطانيّة لخوض حربها العدوانيّة على أبناء الشعب الفلسطينيّ.
في يوم الإثنين الماضي أعلنت سلطات إمارة دبي عن نتيجة تحرّياتها في عمليّة اغتيال القائد الفلسطينيّ المبحوح، والتي جرت في 19 جانفي الماضي، فكشفت صور 11 جواز سفرٍ تمّ استعمالها في العمليّة، وتبيّن أن ستة منها قد صدرت عن السلطات البريطانيّة لصالح مواطنين لها يحملون أيضا الجنسيّة الإسرائليّة، وهم الآن مستقرّين بها. وهناك أيضا ثلاثة جوازات أخرى إيرلندية وواحد فرنسي وآخر ألماني.
وفي اليوم التالي، وصف وزير الخارجيّة البريطانيّ الإستعمال غير الشرعيّ للجوازات البريطانيّة بأنّه عمل: "فضيع." وقال إنّه: " يريد منح إسرائيل كلّ الفرصة لتشاطر ما لديها من معلومات حول الحدث."
ثم تلاه غوردن براون في اليوم التالي ليَعِد بالقيام بتحقيق شامل حول الجوازات البريطانيّة المستعملة في عمليّة الإغتيال. غير أنّ السير مانزيس كامبل، زعيم حزب الليبرليين السابق والعضو بلجنة العلاقات الخارجيّة للبرلمان، ألحّ على أن تطلب الحكومة أجوبة من السفير الإسرائيليّ، لأنّ حكومته، إن كانت طرفا في العمليّة، فقد خرقت الثقة بين البلدين.
وتفاعلت الإحداث أكثر بعد أن أعلنت سلطات أمن دبي أنّها تتّهم الموساد بالذات بنسبة 99 في المئة، إن لم يكن 100 في المئة، ودعت لاعتقال رئيس الموساد وتقديمه للمحاكمة، فقامت السلطات البريطانيّة في 18 من الشهر الحالي بإرسال وكالة الجريمة المنظمة الخطيرة (صوكا) إلى دبي للتحقيق في استعمال جوازات بريطانيّة من طرف المشاركين في اغتيال الزعيم الفلسطيني.
كما تمّت دعوة السفير الإسرائيلي لوزارة الشؤون الخارجيّة البريطانيّة لتوضيح الإستعمال الإجرامي لجوازات سفر بريطانيّة لمقيمين في إسرائيل. إلا أنّه لم يقدّم جوابا شافيا.
وانتقدت صحيفة الغارديان، في افتتاحيّة لها، تأخّر ردّ فعل الحكومة البريطانيّة لأنّ من شأن ذلك أنّ يعطي انطباعا بأنّ إسرائيل على صواب عندما تعبّر عن اطمئنانها بأن لا شيء سيلحقها جرّاء هذه الفعلة.
وكانت الأنديباندنت قد كشفت بإنّ البعثة الدبلوماسيّة البريطانيّة قد اطّلعت على خبر استعمال الموساد لجوازات بريطانيّة ستّة أيّام كاملة قبل أن ينتشر الخبر عالميّا. و قد نفت ذلك الحكومة، كما أنكرت اطلاعها المسبق على مخطّط الموساد لاغتيال قياديّ من حماس.
ووصفت الحكومة البريطانيّة التقرير الذي أوردته الدايلي ميل يوم الجمعة بأنّه: "مجرّد هراء"، وهو التّقرير القائل بأنّ مصالح الإستخبارات الإسرائيليّة قد نبّهت مبكّرا السلطات البريطانيّة إلى تعقيدات محتملة بسبب استعمالها لجوازات سفر بريطانيّة.
وأكثر من ذلك، ذهبت الغارديان إلى أنّ دعوة السفير الإسرائليّ من طرف الحكومة البريطانيّة "لمشاطرة المعلومات" لا يُغيّر من طبيعة ذلك الموقف اللّين أصلا: "إذ لو أنّ بريطانيا لم تكن متخاذلة بذلك المستوى، لأدركت أنّه ليس من مصلحتها أن تسمح لإسرائيل أن تخوض حربها ضد حماس براية بريطانيّة."
بل وترى الغارديان أنّ غوردن براون كان مضطرّا للدّعوة إلى إجراء تحقيق شامل عن كيفيّة الإستعمال الإحتيالي لجوازات السفر البريطانيّة: "نحن جميعا نعرف، مع الإسف، أنّ الوزير الأوّل يحبّذ أن تتبخّر نتيجة التّحقيق." إذ أنّ النتائج التي ستتوصّل إليها وكالة صوكا: "سيتم، في أقصى الأحوال، إحالتها على إسرائيل مع توجيه طلب لها لتقديم توضيحات."
والى جانب ذلك الرد الرّسمي الواهن، يضيف الصحافي سماس ميلن، فإنّ أغلبيّة الصّحف البريطانيّة تعاملت مع الحدث وكأنّه مسرحيّة تجسّسية أكثر من كونه فضيحة دمويّة وضعت في خطر أمن مواطنين بريطانيين بربطهم بفصيل الإغتيال التابع للموساد. واشار في هذا الصدد لكلّ من الدايلي ميل والتايمز كنموذج بارز.
وبصفة عامّة يصوّر هذا الصحافي الموقف الغربيّ بكونه يتّسم بازدواجية المعايير، ولتوضيح فكرته، يتساءل عمّا سيكون ردّ فعل دُولِه لو أنّ نفس العمل قامت به إيران أو سوريا أو ليبيا ضد عنصر من منظّمة معادية لهذا النظام أو ذاك في بلد غربيّ، واستعمل في ذلك عملاؤها جواز سفر أوروبي لحامل جنسيّة مزدوجة. يردّ على ذلك: مِن المؤكّد أن ذلك سيتسبّب زوبعة عالميّة، وتصريحات نارية حول إرهاب الدّولة، وربّما أيضا فتح نقاش على مستوى مجلس الأمن للمطالبة بعقوبات صارمة ضد تلك الدّولة المارقة.
وترى الغارديان في استعمال الجوازات البريطانيّة المزوّرة: "مسّا في الثّقة التي تربط بين الأمتين الحليفتين بدون مواربة." كما أبرزت كل الصحف البريطانيّة حجم الهلع والخوف الذي أصاب أصحاب الجوازات لكونهم سيكونوا محلّ متابعات قانونيّة من طرف الأنتاربول. كما عبّروا عن قلقهم على أمنهم وأمن أسرهم. وترى الغارديان أنّ انتحال شخصيّة المواطنين البريطانيين لا يهدّد حياة حَمَلة تلك الجوازت الستّة وعائلاتهم فحسب، بل كلّ شخص يحمل جواز سفر بريطانيّ في العالم العربيّ".
وذهب السير ريتشارد دالتون، سفير بريطانيا السابق لدى إيران ما بين 2003 و 2006 إلى القول بأنّ: "كلّ هذا يبيّن مدى تفاهة وسخافة القول بأنّ إسرائيل شريك استراتيجيّ لبريطانيا".
وتنتقد الإنديباندنت موقف التقصير في إعلام المواطنين بخطر يهدّد حياتهم وهي التي تعوّدت أن تكون حريصة ألا تفوّت مثل هذه الفرص سابقا (كما فعلت في العديد من المرّات مع الجزائر دون مبرّر أمنيّ من الخبراء).
ومعروف انّ استعمال الموساد لجوزات مزوّرة غربيّة، ليس جديدا. وكانت كلّ مرّة يُلقى فيها القبض على عملاء الموساد متلبّسين تتقدّم إسرائيل باعتذارها وتعد بعدم تكرار فعلتها. وهذا ما حدث مع بريطانيا سنة 1970 وسنة 1987. ونفس الشيء حدث عشر سنوات بعد ذلك في كندا عندما قُبض على عملاء الموساد في الأردن بجوازات سفر كنديّة مزوّرة في محاولتهم لقتل خالد مشعل. كما تمّ سجن عميلين إسرائليين في نيو زيلندا لحصولهما على جوازات ذلك البلد بطريقة غير قانونيّة.
واسم الموساد الكامل، باعتبارها المقابل لوكالة الإستخبارات الأمريكيّة (CIA) أو آم أي 6 البريطانيّة، هو: معهد التجسّس والعمليّات الخاصّة. وكلمة الموساد في العبريّة معناها: "المعهد". ومعروف أن رئيسها، منذ ثمان سنوات، مايير داغان قد قال عنه أريال شارون لدى تنصيبه له بأنّه: "مختصّ في قطع رأس العربيّ عن جسده."
وهذا ما جعل نائب رئيس تحرير "مرصد الشرق الإوسط" يعلّق: "هذا هو الصّنف الذي يسعى ميليباند للترحيب به في بريطانيا ويدافع من أجله لتغيير القانون البريطانيّ للسماح له بدخولها دون أن يتعرّض للتوقيف."
وتملك الموساد خبرات بشريّة وتقنية هائلة لمارسة نشاطها الإجرامي، ولها شبكة واسعة من المتعاونين عبر العالم وفي كلّ الدول العربيّة.
وحسب القانون الإسرائيلي، فإنّ عمليات الإغتيال تتمّ بموافقة مسبقة من رئيس الوزراء. وتشاء الأقدار أن يكون الموقّع على عمليّة اغتيال خالد مشعل الفاشلة سنة 1997 هو بنيامين نتانياهو الذي عاد لسدّة الحكم وأصدر حكم الإعدام في حقّ المبحوح. وتذكر الصحف البريطانيّة أن مبرّر الموساد لاغتيال المبحوح يكون اعتقادها بأنّه مسؤول عن مقتل إسرائلين اثنين منذ عشرين سنة مضت، ولكونه يتولّى تزويد الجناح العسكريّ لحماس بالسلاح، وباعتباره قناة وصل بينها وبين إيران.
ومنذ وجودها مع تأسيس الدّولة الصهيونيّة، مارست الموساد الإغتيال باعتباره جزءا من سياسة الإحتلال والإستيطان وتصفية هويّة الوجود الفلسطينيّ وطمس حقوقه الشرعيّة. وأورد جوفري واتكروفت، الخبير في شؤون الشرق الآوسط، أن إيهود أولمرت كان قد صرّح أنّه لا يستبعد احتمال اغتيال رئيس السلطة الفلسطينيّة المنتخب. وكان الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحماس قد اغتيل سنة 2004، كما تمّ اغتيال خلفه عبد العزيز الرنتيسي بعد شهر من ذلك التاريخ.
ومن أشهر ضحايا الموساد، علماء من عديد الدول العربيّة، كما اغتالت عشرات المناضلين الفلسطينيين بتونس والمشرق العربي وبعدد من الدول الأوروبيّة. هذه الممارسات التي تعود لعدّة عقود مضت استهدفت أولا قادة منظّة التحرير الفلسطينيّة ثمّ قادة حماس.
وقد اجتهدت إسرائيل دون هوادة لإضعاف حماس منذ أن فازت بالإغلبيّة في البرلمان الفلسطينيّ منذ أربع سنوات خلت، وخاصّة بعد أن استفردت بالسلطة في قطاع غزّة. ومنذئذ اعتبرتها "كيانا معاديا" فرضت عليه الحصارا الإقتصاديّ. ثمّ خاضت إسرائيل تلك الحرب الضالمة والمدمّرة في حقّ قطاع غزّة والتي أودت بحياة 1400 فلسطينيّ. ومنذ فشلت الموساد في اغتيال مشعل، أصبح ميدان الإغتيالات مركّزا في قطاع غزّة سعيا منها لتصفية كلّ قادة حماس.
ويذكر مراسل التلغراف أنّ مارغريت تاتشر قد أمرت سنة 1986 عندما كانت الوزيرة الأولى بتجميد العلاقات مع إسرائيل لاختطافها موردخاي فانونو الذى كشف للصحافة البريطانيّة عن البرنامج النووي الإسرائلي. وفي نفس الفترة تم العثور على 8 جوازات سفر بريطانيّة مزوّرة في ظرف للسفارة الإسرائليّة في ألمانيا الغربيّة. وعلى الرّغم من عدم تأكيد أو نفي رسميّ لتورّط إسرائيل في عمليّة الإغتيال، إلا أنّ غالبيّة الصحف البريطانيّة قد أجمعت على ترجيح قيام الموساد بعمليّة الإغتيال، بالإضافة لتأكيدات سلطات أمن دبي. كما تُعتبر دعوة الحكومة البريطانيّة للسّفير الإسرائليّ، في حدّ ذاتها، إشارة لتورّط هذه الإخيرة شبه المؤكّد.
وكان وزير الخارجيّة الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قد صرّح سابقا أن ليس هناك ما يثبت تورّط إسرائيل مضيفا أن حكومته تتبّع "سياسة التستّر" فيما يتعلّق بالمسائل الأمنيّة.
وإن يكون دافيد ميليباند قد حصل أمس ببروكسبل على توضيحات من نظيره الإسرائيلي، كما ترتقب الصحف، إلاّ أنّ الردّ الرسميّ البريطاني سيكون مرتبطا بنتيجة التحقيق الذي ستتوصّل إليه وكالة صوكا التي بدأت اتصالاتها بمصالح الأمن في إمارة دبي.
وإذا تأكّد تورّط السلطات الإسرائيليّة في عمليّة الإغتيال، فمن الإحتمالات أن تتلقّى بريطانيا اعتذارا علنيا، وضمانات بعدم استعمال الجوازات البريطانيّة مرّة أخرى. وأقصى ما يمكن أن يحدث في مثل هذا الأحوال هو طرد دبلومسيين من السفارة الإسرائليّة بلندن. ولقناعتهم بولاء الحكومة البريطانيّة لصنيعتها مؤكّد، صرّح رسميون إسرائليون، كما ذكر أيان بلاك، بإنّ الإحتجاجات في بريطانيا، وغيرها من الدول، ليست سوى للإستهلاك المحليّ، وأنّ الأزمة الرّاهنة ستخبو سريعا.
وإذا كان هناك في إسرائيل من انتقد رئيس الموساد وطالب باستقالته بعد جريمة دبي، إلا أنّ آخرين أشادوا بالعمليّة وذهبوا إلى أنّ ما يجري من صخب ليس سوى مجرّد زوبعة في فنجان.
ولهذا يري نائب رئيس تحرير "مرصد الشرق الإوسط" أنّ: "الوقت قد حان لإعادة النظر في علاقتنا بإسرائيل – الحليف الإستراتيجي." ويردف على ذلك مواطن على شبكة الأنترانات: "سيحين الوقت لمواجهة الدّول المارقة. فدولة تختار التسلّح بالنوويّ، وتتجاهل عقوبات الأمم المتّحدة، ومُدانة بارتكاب جرائم حرب، وتُمارس سياسة تمييز عنصريّ، وتخطّط للإغتيال غير القانونيّ لمعارضيها السياسيين، هذه الدولة لا يمكن أن يُسمح لها بالوجود." ولا تنس الغارديان بأن تُذكّر بحقيقة أنّ إسرائيل ليست هي الدّولة الوحيدة التي تلجأ لاغتيال الشخصيات التي تصنّفها في خانة العداء وتعتبرها مصدر خطر ضدّها. وتعتبر الجريدة أنّه من باب النفاق أن تتمّ إدانة إسرائيل من طرف دول تمارس نفس السياسة.
ويرى الصحافي سماس ميلن أنّ واحدا من أسباب غياب ردّ رادع ضدّ إسرائيل يعود إلى أن كلا من بريطانيا والولايات المتّحدة تمارسان سياسة الإغتيال بانتهاكهما لقوانين الحرب في العراق وأفغانستان. وهنا يورد بأنّ عدد الإغتيالات للقوات البريطانيّة بلغت 350 في العراق، وأن قوات التحالف التي كان يرأسها الجنرال ستانلي ماك كريستال، قائد القوات الأمريكيّة الحالي في أفغانستان، قد بلغت 3000 قتيل.
وفيما يتعلّق بتقييم عمليّة الإغتيال، أوردت الصحف البريطانيّة ما قالته الصحف الإسرائليّة التي ذهبت إلى أنّها: "نجحت تكتيكيا، وخسرت استراتيجيا." إذ أنّها حقّقت هدفها الإجرامي مع نجاة الفاعلين.
أمّا الصحفي أيان بلاك المختص في الشؤون الأمنيّة فيرى أنّ أجهزة الإستخبارات تجلب لها الإضواء سواء في حالة الفشل أوعندما تريد أن توجّه تحذيرا للعدو لتقول له بأنّها قادرة على الوصول له في أيّ ماكان وزمان. وفي رأيه أن عمليّة دبي تتميّز بكونها تشمل الرسالتين.
ولكنّ ميلن يرى أنّ عمليّة دبي قد تمّ تنفيذها بصورة فاشلة، مستندا لصحف إسرائليّة، هو الآخر، إذ أنّه على الرّغم من أنّ المستهدَف لم يكن مسلّحا، وأنّ اغتياله تمّ في نزل فاخر، وفي بلد ليس معاد، فإنّ عناصر الموساد تمّ القاط صور وافرة لهم، كما ورّطوا إسرائيل في مسؤوليّة استعمال الجوازات المزوّرة.
وجاء في الإنديباندانت أنّ الفشل يعود إلى كون أنّ مصالح أمن دولة الإمارات واستخباراتها المتواضعة قد تمكّنت من تشكيل صورة وافية تثبت إتّهام إسرائيل. واهتم معلّقها روبرت فيسك بما أكّدته الصحافة الإسرائيليّة على كون العمليّة جاءت بعد الإنهيار الذي أصاب مصارف أبو ظبي، والذي تنظر له باعتباره انتقاما غربيا بقيادة أمريكا، كمؤشّر على سعيها لتحويل أبو ظبي إلى بيروت - الخليج، ودلّل على ذلك بما أوردته الصحافة الإسرائيليّة التي اعتبرت أنّ: "دبي أصبحت خطيرة بقدر فاجعتها الإقتصاديّة."
وترى الغارديان أنّ الطريقة الوحيدة التي من شأنها أن تردع الموساد عن التّفكير قبل الإقدام على القيام بعمليّة اغتيال هي جعل قادتها يحسّون بالتبعات السياسيّة لأفعالهم. ولبلوغ نفس الهدف، هناك جملة من الإجراءات بيد بريطانيا وأوروبا سواء على المستوى الدبلوماسيّ أو العسكريّ أو التجاريّ أو القانونيّ، إن رغبت. وتتساءل الجريدة: "اللّغز الدائم هو لماذا تتردّد بريطانيا في اللّجوء لاستعمال هذه الكوابح".
وتخلص الغارديان إلى أنّ الإغتيالات قلّ أن تُحقّق أغراضها المعلنَة: "فإذا كان الهدف من هذه العمليّة هو منع حماس من اقتناء أسلحة من إيران، فإنّ ذلك لن يمنع إيران من توفير الأسلحة عبر قنوات أخرى. كما أنّ هذا الزعيم ستعوّضه حماس في وقت وجيز. بالإضافة إلى أنّ مثل هذه الإغتيالات سوف تُعطي للدّول العربيّة مبرّرات إضافيّة لعدم تطبيع علاقتها مع إسرائيل.
ويتنبّا الصحافي سماس ميلن بأنّ حماس، التي لم تمارس المقاومة إلا ضمن حدود إسرائيل والأراضي المحتلّة، على خلاف منظّمة التحرير الفلسطينيّة، فإنّها قد تظطرّ لتغيير سياستها للردّ على هجومات إسرائيل بنقل المعركة إلى السّاحة الدوليّة. وحسب رأيه، فإنّ هذا ما تعنيه الصحافة الإسرائليّة عندما تكلّمت عن: "نجاح تكتيكي ميدانيّ وفشل استراتجيّ."
وعليه، يعتقد الصحافي أنّ التّهاون في عدم الردّ الصّارم على إسرائيل لن يؤدّى سوى إلى توسيع رقعة المخاطر.
ومن جهتها، تُؤكّد تجارب التاريخ الإستعماريّ أن عمليّات تصفية عناصر المقاومة الوطنيّة ليس له أيّ مردود سوى، ربّما، بعض الإضطراب أو التأثير المعنويّ المؤقتين لأنّ زعماء جددا سيبرزون بسرعة. وإسرائيل نفسها، مثلا، بمجرّد أن اغتالت زعيم حزب اللّه، عباس الموساوي، وأفراد أسرته في بداية التسعينات، ظهر لها حسن نصر اللّه كزعيم كارزمي ومحنّك وأكثر فعاليّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.