أكد الأستاذ أمحند فراد نائب برلماني سابق أن الدولة الجزائرية حققت مكاسب لا يستهان بها في مجال التعريب لأنها استطاعت أن تخلق أجيالا تتقن اللغة العربية بعد أن سعى الاستعمار الفرنسي إلى القضاء عليها بكل الوسائل والطرق، وبالمقابل قال الأستاذ فراد إن سياسة التعريب بالجزائر لم تأتي بالنتائج المرجوة لكونها كانت وليدة قرارات إيديولوجية وعاطفية بدل أن تبنى على أسس علمية تجعل من العربية لغة للتدريس والتعامل الإداري بما يؤكد السيادة الوطنية ويحفظ الهوية والشخصية الجزائرية. لم يتردد الأستاذ فراد في حديثه عن واقع اللغة العربية بالجزائر في العودة إلى الوراء من خلال فتح نافذة على تاريخ الجزائر الاستعماري، حين سعت فرنسا كقوة استدمارية إلى طمس الهوية العربية بما خلف تداعيات خطيرة على اللغة نفسها لا تزال متواصلة إلى حد الساعة، حيث أن الجزائر وعلى عكس باقي الدول العربية عرفت استعمارا استيطاني جعل منها مقاطعة فرنسية وكانت المدارس الفرنسية آنذاك تدرس اللغة العربية على أساس أنها لغة أجنبية. ومن هذا المنطلق يقول الأستاذ فراد فقد سعت الجزائر مباشرة بعد الاستقلال سنة 1962 إلى استعادة مكانة اللغة العربية وبالرغم من كل العراقيل التي واجهت سياسة التعريب واليت حالت دون الوصول إلى النتائج المرجوة إلا أنه يجب أن نعترف بكل موضوعية أن الدولة الجزائرية حققت مكاسب لا يستهان بها في مجال التعريب. وفي هذا السياق أشار الأستاذ فراد إلى مربط الفرس الذي يرتكز في رأيه حول عدم نجاعة سياسة التعريب وقال إن التعريب لم يطرح طرحا سليما وإنما كان طرحا ايدولوجيا عاطفيا لم يأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي وعامل الزمن، حيث نجد أن القرار خرق كل المراحل واستبعد عنصر العقلانية وكان ارتجاليا والدليل هو أن اللغة الفرنسية لا تزال تنافس اللغة العربية في المجالات الرسمية والسيادية وهذا أمر غير مقبول خاصة عندما نرى أن المراسلات الإدارية وفي أعلى المستويات تتم باللغة الفرنسية. الأستاذ فراد عبر عن رفضه لهذه الرؤية الإيديولوجية التي تم تبنيها على حساب الطرح العقلاني في وقت كان من المفترض فيه أن يتم التعريب وفق سياسة مدروسة وبطريقة تدريجية عن طريق إعداد أقسام اختيارية، أما على مستوى الإدارات فكان ولابد من اتخاذ قرارات صارمة للحد من المراسلات باللغة الفرنسية، وهنا يؤكد المتحدث أن الإدارة لم تتماشى مع قرار التعريب وتهاونت في ذلك بسبب غياب الرقابة اللازمة. واستطرد الأستاذ فراد حديثه عن إشكالية التدريس بالغة العربية بالخوض في موضوع الترجمة التي تعد أساسا وعاملا رئيسيا لإنجاح التعريب، ليعبر عن أسفه للعدم اهتمام السياسات الفارطة بهذا الركن الذي يعد حجر الأساس في كل التجارب الإنسانية، حيث أكد أن العباسيين تمكنوا من إثراء اللغة العربية وترجمة كم هائل من العلوم المختلفة من الإغريقية إلى العربية، وضرب مثلا باللغة العبرية التي لم تعتمد كلغة قائمة بذاته إلا في سنة 1949 وإذا بها اليوم تستعمل في كافة العلوم. أما بالنسبة للجزائر فاستناد للطرح الذي قدمه الأستاذ فراد، يمكن القول بان المواطن راح ضحية سياسات مختلفة، مع العلم بان الجزائري لم يرفض أبدا سياسة التعريب وإنما رفض أدوات التعريب وأساليبه، كما أن غياب المراجع دفع بعديد من الطلبة والتلاميذ إلى تعلم للغات أجنبية لتحل محلل اللغة الأمة والاستعانة بها على تحصيل العلوم. وفي هذا الإطار أكد فراد أن سياسة الترجمة هي الشيء الملازم لإنجاح سياسة التعريب وللأسف يقول المتحدث فن ذلك لم يحدث فما يترجمه العالم العربي كله سنويا لا يكاد يمثل 50 بالمائة من نسبة الكتب التي تترجم باسبانيا لوحدها، لنجد أنفسنا أمام واقع تتداوله مقالات عربية هنا وهناك يؤكد بأن اللغة العربية في دول الخليج في خطر أمام زحف الانجليزية التي احتلت البيوت والمنازل، الشوارع والطرقات وأصبحت تنطق في كل مكان. التجربة اللبنانية تبقى حسب ما قاله الأستاذ فراد رائدة وفريدة من نوعها على مستوى الوطن العربي، لأن الكتب اللبنانية هي مراجع تربوية بكلل ما قد تعنيه الكلمة من معان، فالمدرسة اللبنانية كانت تدرس اللغة العربية بطريقة تجعل المتلقي يحترم اللغات الأخرى في حين نجد أن الطرح الإيديولوجي العاطفي يجعل الطالب يكره اللغات الأخرى وهذا شيئ خطير -يؤكد الأستاذ-. وعليه يرى المتحدث أن الحفاظ على اللغة الأم ضروري لكن دون إهمال اللغات الأجنبية الأخرى التي تساعد المرء على الاستفادة من العلوم وتحصيل أكبر قدر من المعرفة الإنسانية التي تبقى إرثا مشتركا للبشرية، خاصة وأن الدين الإسلامي الحنيف يحث على تعلم اللغات. وأكد الأستاذ أن اللغة العربية تعد العمود الفقري للهوية الجزائرية بالإضافة إلى الأمازيغية، وهنا حذر من خطورة الطرح الإيديولوجي الذي ينادي بها المتطرفون من خلال سعيهم إلى طرح العلاقة بين الأمازيغية والعربية طرحا تنافريا، فيما نجد أن الصواب يدور حول مبدأ التكامل بين اللغتين، وفي سياق متصل ردد أمحند فراد قائلا "العربية لنا والأمازيغية لنا والجزائر تجمعنا، وهذا ما ينسجم مع الطرح القرآني الذي يقر ويحترم في آن واحد تعدد الألسن، لذلك يجب أن ننقذ العربية والأمازيغية من المتطرفين". في مرافعته الطويلة قال فراد إن اللغة العربية لا يمكن أن تكون في خطر لأنها لغة القرآن والغة التي أنزل بها القرآن لا يمكن أن تندثر، ورغم تخلفها علميا وتكنولوجيا هذا لا يمنعنا من العمل لنهوض بها من جديد، لأن الركود هو في العقل العربي. وفي رأيي الأستاذ فإن السياسة الصحيحة يجب أن تقوم على أساس إثراء اللغة العربية ونقل مختلف العلوم والمعارف إليها على غرار ما يقوم به اللبنانيون أو حتى باقي الشعوب في العالم، في وقت نجد فيه أن هناك دول أوربية لا يتعدى عدد سكانها خمسة أو ستة ملايين وتراها تدرس كل العلوم بلغتها الأصلية، وعليه فإن الإشكال راجع إلى فشل السياسات العربية في مجال التعريب والناجمة بدورها عن غياب الديمقراطية والتداول على السلطة في العالم العربي في ظل غياب البديل السياسي. وفي رده عن بعض الجهات التي تسعى إلى ترويج أفكار خاطئة حول الواقع الجزائري وزرع بذور التهويل، أكد الأستاذ فراد أن الجزائر لم تعرف أبدا أزمة هوية ولم تظهر ملامح هذه الأزمة الوهمية إلا عندما تم إقصاء البعد الأمازيغي والعربي في آن واحد من المجتمع لعدم إحلال اللغة العربية محل الريادة، كما أن السياسات الفاشلة والخرقاء للحكومات المتتالية هي التي أوحت بوجود أزمة هوية. وأضاف فراد موضحا أنه في جزائر اليوم من الصعب أن نفرق بين الفرنسية كإيديولوجية والفرنسية كلغة أجنبية، كما أشار إلى عقدة الشعور بالنقص اتجاه المستعمر الفرنسي الذي لا يزال يتحكم في عقول البعض وفي تفكيرهم من خلال عقدة التكلم باللغة الفرنسية، حيث نجد أباء وأولياء يكلمون أبنائهم بالفرنسية في محاولة منهم للاستعلاء والوصول إلى مكانة اجتماعية راقية. وعلى هذا الأساس خلص الأستاذ فراد إلى القول بان المتشكل يبقى في الذهنيات التي يجب أن تتغير فحتى المعربون متخلفون ولا يحسنون الدفاع عن اللغة العربية، كما أن عزوف المعرب في رأيه عن تناول القضية الأمازيغية سمح للآخرين بتغريبها وزرع بذور الشقاق في المجتمع.