يمكن أن تصير نجما ليس فقط في مجالات الشهرة التي يقصد بها التقرّب إلى مصلحة دنيوية كأن تصير نجما في الكرة أو السياسة أو الأدب والفن، بل امتدت صناعة النجوم إلى المجالات التي يُفترض أن يقصد بها وجه الله تعالى والزهد في مباهج الدنيا ومتاعها مثل الدعوة والوعظ والإرشاد والفتوى. الحضارة والماركتينغ حوّلتا كل شيء إلى صناعة بما في ذلك الدين، وأتاحت العولمة وتكنولوجيا الاتصال لهذه البرامج والمؤسسات العملاقة أن تحقق أرباحا طائلا وانتشارا ذائع الصيت، وليست الفضائيات إلاّ إحدى صور ذاك التسويق الذي طال كل شيء، القيم البديلة والأفكار الجديدة والأذواق وأنماط الاستهلاك وما إلى ذلك. صرنا نرى دعاة من خمسة نجوم يقدّمون برامجهم وفتاواهم وصاروا مادة إعلامية وإعلانية على الصفحات الأولى للصحف والمجلات والإذاعات والشاشات، بينما قلّ أولائك الذين يخشون الأضواء والبلاطوهات والذين يتقرّبون إلى الله بفيض الدمع والخلوات.. تبهّج كل شيء يا صاحبي..! وفي الجهة المقابلة يقف دعاة وفقهاء لا يورّعون عن الفتوى ولا يتأخرون عن التحريم والتجريم ولا يتوانون عن إطلاق الأحكام بالابتداع والفجور بل وبالقتل حتى ولو شوّه ذلك صورة الإسلام وأضرّ بالصراع بين أهل الحق وأهل الباطل أو قدّم الذريعة للغلاة والجماعات المتطرفة.. أي إسلام هذا الذي أصيب بجهل أبنائه وعجز علمائه ولا يزال يعيد إنتاج نفس السجال الفقهي والفكري منذ ستينيات القرن الماضي كما لو أن الشهيد عبد القادر عودة لا يزال حيّا..؟ دين يجسر على الإفتاء فيه من هبّ ودبّ بفقه متخلّف وزاد بائس في علوم الدنيا والصراع الفكري بين الأمم والشعوب والثقافات.. فمن جواز إرضاع الكبير قصد الخلوة إلى إباحة تبادل القبلات بين الفتيان والفتيات، إلى الزلابية البدعة وصولا إلى وجوب قتل ملاّك الفضائيات التي تروّج للسحر والغناء والرقص وحتى الضحك.. اللافت أن أغلب هؤلاء الدعاة والفقهاء ينتمون إلى مدرسة واحدة ولكن لا تسمع منهم من ينتقد الأمراء ومعظمهم ملاّك هذه الفضائيات التي تبثّ الفيديو كليب وبرامج الرقص والعري والسحر.. في كل مرّة يزداد يقيني بأن دوائر الاستكبار العالمي تجيد إدارة الصراع بين الشرق والغرب وتستطيع توجيه أطرافه إلى القضايا الهامشية وإلى نبذ الاعتدال والوسطية في كل شيء، وميدان ذلك كله هو الفضائيات والصحافة والإعلام بالدرجة الأولى. بالمحصّلة، تخدم مثل هذه الفتاوى المتطرفين من الطرفين سواء كانوا أنصار الإسلام "المودرن" أو أنصار الإسلام "الجهادي" رغم أن الإسلام واحد، ورحم الله الشيخ عبد اللطيف سلطاني الذي كان يصيح في الناس من منبر المسجد بالعاصمة محذّرا: "إذا اتخلطت عليك الأديان أحرز دينك".. اللهم آمين. [email protected]