سجينات عنابة يأملن في تخفيض العقوبة زيارتنا لسجن إعادة التربية ببوزعرورة بعنابة سمحت لنا بالوقوف على المعرض الذي أبدعت فيه أنامل سجينات من خلال عرضهن لأشغال يدوية أنجزنها بداخله، وفيما تباينت قصصهن التي كانت وراء ولوجهن عالم الجريمة من أوسع أبوابها،كانت زيارتنا لهن فرصة للقلوب المنكسرة أن تخرج ما بداخلها محملة إيانا في الأخير أمانة إيصال أصواتهن إلى الخارج. ثلاث وثلاثون نزيلة تختلف تهمة كل واحدة منهن بين القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، النصب والاحتيال، السرقة الموصوفة، المشاركة في القتل والدعارة••• "صباح" أول سجينة ساقتنا الخطى نحوها بعد ما شدتنا ملامح وجهها الحزين، ذات 26 ربيع كانت ضحية العادات والتقاليد حيث أرغمتها عائلتها على الزواج في سن مبكرة 19 سنة، وما عساها تقول أمام عائلة محافظة وليس للفتاة رأي في الرفض أو القبول لتجد نفسها مع زوج تجهل طباعه، وطاغيا ومتجبرا حول حياتها إلى جحيم، فكانت مدة 5 أشهر من الزواج كافية لوضع حد لواقعها المر ولتجد نفسها متهمة في جناية القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد بقتل زوجها، والأدهى والأمر أنها أدينت بالإعدام. بعينين جميلتين تدرفان دما بدل الدموع وبصوت حزين ومنخفض كانت كلمة الإعدام ثقيلة على لسانها وكأنها تحاول تقصيرها، فالبرغم من أنها قضت 6 سنوات خلف القضبان إلا أن المشوار أمامها لا يزال طويلا. تقول صباح وهي تبكي إن الأيام كانت صعبة للغاية خاصة عندما تتذكر أن حياتها ستنتهي وراء هذه القضبان، وكان يزداد ألمها كلما رأت سجينات معها محكوم عليهن ب 15 سنة و 20 سنة ولم يستفدن من ظروف تخفيض المدة، الشيء الذي أثر على صباح نفسيا وكلما تذكرته انهارت أعصابها لكن بفضل الطبيبة النفسانية التي أخذت بيدها وزرعت الطمأنينة في نفسها، لتقف اليوم وبإرادة قوية وأنامل متحدية تتقن فن الطرز والخياطة بالدرجة الأولى لتبدع في تشكيل عدة أشياء، إلا أن أملها الوحيد أن تؤخذ حالتها بعين الاعتبار وأن يصل صوتها إلى الخارج مناشدة من خلاله رئيس الجمهورية والسلطات المعنية التخفيف في المدة وإعطائها فرصة الحياة من جديد، على غرار حكاية " هناء" أصغر السجينات، البنت القاصر التي تبلغ من العمر 15 سنة والتي توبعت بتهمة المشاركة في القتل العمدي أين أدينت ب 5 سنوات سجنا نافذا قضت منها مدة عام ونصف والتي بدورها عبرت عن مدى أسفها وندمها لسلوكها هذا الطريق إلا أن السجن جعلها تولد من جديد وبشخصية قوية. "مريم" 27 سنة أرادت التعبير عن ندمها بوضع كل طاقتها في الدراسة بالسجن لتواجه المجتمع عند خروجها بإرادة صلبة وتحدي أصعب بشهادة تجعلها تفرض وجودها، إلا أنها لا تستطيع حاليا الالتحاق بالجامعة إلا إذا قضت نصف المدة لأنه محكوم عليها ب 6 سنوات سجنا نافذا ولم تقض سوى عامين، بتهمة المشاركة في الاختطاف، ضد قاصر وطلب فدية بالتواطؤ مع خطيبها، حيث كان منزلها المخبأ الذي أوت فيه الضحية ليتم القبض عليها في الأخير مؤكدة أن الحياة فعلا تغري أي شخص ولا يدرك أنها تضحك عليه إلا إذا أسالت الدموع من عينيه ، حينها يدرك حقيقة الطريق الخاطئ الذي كان سلكه. ابتسام 28 سنة أم لطفلين كانت ضحية زوج منحرف أراد أن يكون غنيا في الدنيا عن طريق الكسب والربح السريع من خلال عمليات النصب والاحتيال إضافة إلى تزوير أوراق نقدية ووثائق مزورة للسيارات وكانت هي الشريك في الحياة وفي النصب، والنهاية أيضا واحدة السجن لمدة 10 سنوات للزوج و6 سنوات لابتسام تاركين وراءهما طفلين يفتقران لأدنى مشاعر الحنان والدفء العائلي. تقول ابتسام أن أملها اليوم أن تنقضي المدة بسرعة لتحاول أن تنقذ ما تبقى لتعود لتربية أطفالها والحفاظ على أن لا ينساقوا في الطريق الذي كانت السبب في الفراق، وتفكيك رباط الأسرة رافعة بذلك راية التحدي، أين تواصل حاليا دراستها بالسجن إضافة إلى الأشغال اليدوية كالخياطة والطرز بعدما تحصلت على شهادة الحلاقة في البداية. وبينما نحن نجول في المعرض وقعت أعيننا على ضيفة جديدة خرجت إلى الوجود،هي مولودة صغيرة ذات الثمانية أيام شاء القدر أن تولد بأيام قليلة قبل محاكمة والدتها،إضافة إلى برعم يبلغ من العمر عشرة أشهر مقيم بين السجينات. وبإرادة قوية وبالمساعدة الموفرة لهن استطاعت بعض السجينات التفوق في الدراسة حيث هناك ثلاثة منهن يحضرن لاجتياز امتحان شهادة البكالوريا، وإثنان مقبلات على اجتياز شهادة التعليم المتوسط، إضافة إلى سجينة تدرس في السنة الأولى ثانوي. مدير السجن من جهته صرح أن نزيلات السجن رغم حالتهن الصعبة في البداية إلا أنهن استطعن التحدي وتخطي الأزمة والفضل يرجع بالدرجة الأولى إلى الطبيبات النفسانيات اللواتي يبذلن ما في وسعهن لإخراج كل واحدة من قوقعتها ناهيك على تشجيعهن بمواصلة الدرب بعزيمة قوية وإرادة ثابتة خاصة بالدراسة وفرض وجودهن للتصدي للمجتمع بعد خروجهن كما أكد محدثنا على عزم الجميع لتوفير كل الراحة ومد يد العون لا أن نعاقبهن مرتين.