إذا كان هنالك مصطلح يجوز اطلاقه على هذا العصر، فلا أرى أحسن من تسمية " عصر القراصنة ". فالأنترنيت تشهد عمليات قرصنة مستمرة، مست الحسابات البنكية ومواقع حساسة للمنظمات والوزارات ، واستهدفت الحياة الشخصية للأفراد وغيرها. ويقوم بهذه القرصنة الإلكترونية من يعرفون باسم " العابثون " وباللغة الإنجليزية " الهاكر " ، والهاكر هم في الحقيقة " عباقرة في الإعلام الآلي " ، هؤلاء الهاكر منهم من يهوى فقط القرصنة، ولا يلحق أضرارا بالمقرصنين، وهؤلاء عادة ما يسهمون في تطوير التقنيات الأمنية، لأنهم يكشفون عيوب أنظمة إلكترونية مثل بطاقات الإئتمان أو البطاقات البنكية وغيرها ويدفعون إلى تحسينها. ومنهم "المجرمون الإلكترونيون " الذين يهدفون من وراء القرصنة إلحاق الأضرار بالمواقع والأفراد والبنوك والمؤسسات وغيرها. إنها ظاهرة انتشرت بشكل مثير، فاستحق هذا العصر أن يوصف بها، عصر القرصنة. والحقيقة الأخرى أن القرصنة في الوقت الراهن لا تقتصر على المواقع الإلكترونية فقط، فكل تهريب للمال العام هو قرصنة ما في ذلك شك، تختلف فقط الوسيلة. وهي ظاهرة منتشرة في كل دول العالم خاصة الدول المخلفة، في شكل رشاوي وعمولات وتضخيم الصفقات وغيرها. وحتى في العمليات الإنتخابية في كثير من بلدان العالم ظهر مصطلح جديد يطلق على تزوير الإنتخابات ، وهو " قرصنة أصوات الناخبين " ، وتحويلها من صاحبها لمرشح آخر يحظى بالدعم من دوائر مختلفة. وفي الجزائر هناك قرصنة أخرى نمت وانتشرت، من قرصنة الأطفال بهدف المتاجرة بأعضائهم، أو ظاهرة الإختطاف من أجل المساومة مقابل مبلغ مادي ضخم. وإذا كانت القرصنة الإلكترونية مستحدثة بفعل التطور التكنولوجي، والقرصنة الإنتخابية بفعل انتشار الديمقراطية لدول شمولية متخلفة، فإن قرصنة المال العام قديمة وستظل ترافق الإنسان ما حيا على وجه الأديم. لكن الغريب في هذا الموضوع، هو عودة القرصنة البحرية، لكن أين عادت ؟ في سواحل الصومال، تلك الدولة التي احتلتها إثيوبيا، اشتهرت في وسائل الإعلام منذ 15 سبتمبر الماضي، بإفراز قراصنة صوماليين تمكنوا حتى من قرصنة باخرة أوكرانية مشحونة بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، واشترطوا مقابل إطلاقها مبلغ 20 مليون دولار. فكيف تمكن هؤلاء من قرصنة البواخر وهم من أبناء الشعب الرمز للتخلف والفقر والمجاعات ؟ بدون شك إنها قرصنة مجهولة الهوية تقف ورائها قوى أخرى ، هي التي مكنت منذ جانفي 2008 من مهاجمة 60 سفينة في خليج عدن والمحيط الهندي، طبقا لتقرير المكتب البحري الدولي. إن المنشآت التي تجري في البحر كالأعلام لم تعد آمنة، لقد امتدت إليها يد القرصنة، الخبيرة في البحر، كخبرة " قراصنة العمولات والمشاريع " وكخبرة قراصنة الإعلام الآلي. أليس هذا العصر هو عصر القرصنة.!