بناء على دعوة كريمة من مجلس الأعيان المزابيين الإباضية لبلدة غرداية قام الدكتور تواتي بن مبارك بن التواتي بزيارة مدينة غرداية، مؤخرا. وقد نشط الدكتور ندوة علمية في المساء رفقة الدكتور مصطفى بن صالح باجو والأستاذ موسى بن إبراهيم كبش بمكتبة الغفران بحضور جمع من الأئمة والأساتذة والأعيان، ثم ندوة ثانية بين المغرب والعشاء في مسجد الغفران حضرها إضافة إلى الأئمة والأعيان بعض النواب والمسؤولين المحليين وكذلك جمع غفير من أهل المنطقة من الإباضية والمالكية من بلدية غرداية والبلديات المجاورة. عرض فضيلة الدكتور الكتاب الذي ألفه وصدر مؤخرا وهو كتاب قيم في الفقه المقارن، أجرى فيه دراسة تقابلية بين المذهب الإباضي والمالكي في الأصول والفروع، استخلص فيه أن المذهبين المتجاورين في الجزائر ينهلان من أصل واحد وهو الكتاب والسنة، أما الاختلافات الموجودة بين المذهبين فهي اختلافات في الفروع توجد حتى بين أتباع المذهب الواحد، وأثبت أنّ نقاط الاختلاف قليلة جدًّا، وأنّ نقاط الوفاق كثيرة وكثيرة جدًّا. وقال إن الدّافع الأوّل الذي دفعه إلى تأليف الكاتب هو أنه يريد أن يؤدّي رسالة، رسالة جمع هذه الأمّة، جمعها على التّقوى، وعلى المحبّة والمودّة، وأنّ الاختلاف قد وقع حتّى في وقت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم). ويمكن أن ترسم معالم هذا الكتاب في ان هدف الكتاب ليس التأريخ للفرق الإسلامية، بل خدمة الفقه الإسلامي عمومًا، وفقه المذهبين خصوصًا. كما اتسم الكتاب بوضوح الرّؤية وهي تقريب وجهات النّظر الفقهي، وبثّ روح التّسامح والمودّة بين الفريقين، وكذا السعى إلى إبراز هذه الرّوح التّوحيدية في جهد يقرّب ولا يُبعّد، ويبني على كلّيات الجمع، وعلى المبادئ المشتركة بين المذهبين، وهي الأصل الرّاسخ، والجانب الغالب. وأعرض عن مسائل الجدل المتعلّقة بعالم الغيب ممّا لا أثر له على سلوك الفرد، بل قد يكون له أثر سلبيّ على علاقة المسلم بأخيه. ونبّه إلى أنّ الخطأ في ضبابية الرّؤية لدى الطّرفين سببه أخذ الإخوة الإباضية الفقه المالكيّ من عوامّ المالكية، وأخذ الإخوة المالكية الفقه الإباضي من عوام الإباضية ''وما هكذا يا سعد تورد الإبل'' كما نعى على أهل العلم ترك ميدان الفقه للعوامّ يُسيمون فيه، ويبذرون شوك الفرقة بين أبناء الأمّة الواحدة. وبادر بتدارك الأمر، ودخل الميدان فوضع النّقاط على الحروف فيما يُدّعى من الخلاف الكبير بين المذهبين. وقد ذكر افتراق المسلمين ونشأة الخوارج، وبراءة الإباضية من تهمة الخوارج وأنّهم ينتسبون إلى الإمام جابر بن زيد، وأورد ما قاله العلماء فيه ثناء وبيانًا لمقامه، ورسوخ قدمه في علم الشّريعة؛ تفسيرًا وفقهًا وحديثًا. حيث ردّ افتراءات بعض المؤلّفين على الإباضية، مثل تفسير ابن أبي حاتم في بعض الآيات القرآنية، مفنذا بذلك ما يشاع عن الإباضية من التّكفير، وبيّن أنّه نوعان: كفر دون كفر كما هو مبيّن في مسند الإمام البخاري، ويسمّيه الإباضية كفر نعمة، وهذا الّذي استغلّه البعض لاتهام الإباضية بأنّهم يكفّرون المسلمين. واشاد صاحب الكتاب باهتمام الإباضية بالعلم، وبتشجيعهم العلماء قديمًا وحديثًا، منذ عهد الرّستميين، وأورد قصصًا واقعية من تاريخ نفوسة وأئمّة الإباضية في هذا المجال. وفند الدكتور ما ورد في جريدة الشروق وأكد أن هذه الندوة العلمية ليست مناظرة فكرية بين طرفين يريد كل منهما أن يقنع الآخر، بل هي ندوة فقهية يراد منها إظهار نقاط الاتفاق الكثيرة الموجودة بين المذاهب الإسلامية وأن الاختلاف الفقهي موجود بين كل المذاهب. كما كانت للدكتور زيارة إلى مسجد الإصلاح بالتوزوز ودار القرءان ببلغنم. وقد تم تكريم الدكتور بهذه المناسبة وقدمت له هدايا وكتب تقديرا له على مجهوداته في التقريب بين المذهبين الإباضي والمالكي، وعلى سعيه الدؤوب لنشر فكر التسامح والأخوة في الله بين أفراد المجتمع الجزائري. ق. ث