الجزائر ستظل دائما وفية لمبادئ وقيم الاتحاد الإفريقي    شكلت نموذجا يحتذى به على المستويين الإقليمي والدولي    الدولة تواصل حشد الطاقات لتأمين المصالح العليا للبلاد    اتخاذ إجراءات ضد 53 مستورد للمورد    الجامعة منخرطة بقوة في الأهداف التنموية للبلاد 2024- 2029    19 مارس و19 سبتمبر أين الحقيقة ..!؟    فتح 2000 مطعم وطنيا لتقديم وجبات للمحتاجين وعابري السبيل    تفكيك شبكة دولية منظمة تتكون من 11 شخصا    استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة العشرات في القصف الصهيوني المتواصل على قطاع غزة    رفع العراقيل لتسليم المشاريع قبل نهاية السنة    هذه خصائص تطبيق "Retraite Dz"    إرساء صناعة وطنية حقيقية للسيارات    وزير الشؤون الخارجية يقيم مأدبة إفطار    السفير النيبالي يؤكد سعي بلاده الى تعزيز التعاون مع الجزائر    الجزائر تُدين انتهاك الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار بغزة    مجموعة "اكديم ازيك" تطالب بتدخل دولي لكشف انتهاكات المخزن    المخزن يسحق حقوق مواطنيه لخدمة المضاربين العقاريين    مجموعة فرنسية تنظم مسيرة يوم 30 مارس الجاري من أجل إطلاق سراح جميع المعتقلين الصحراويين    إنجاز هياكل تربوية تستجيب لمتطلّبات جودة التعليم    المصادقة على مشروع النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني    "مطلوع الطاجين" الوهراني زينة مائدة الإفطار    سواك "أتيل" عوض معجون الأسنان    دعوة لإنشاء مجلس أعلى للوقاية من الحوادث    هل حافظت "طيموشة 3" على التألّق نفسه؟    غيابات بالجملة في صفوف "الخضر" والخيارات تتقلص    حمل الألوان الوطنية حلم تحقق    عمورة ضمن أفضل الهدافين في "البوندسليغا" هذا الموسم    بهجة رحال ونوري الكوفي نجما النوبة    قرارات إبعاد رعايا جزائريين من التراب الفرنسي: 5 معطيات أساسية لدحض اتهامات روتايو    الشرطة تُحسّس..    18 ألف مخالفة تجارية خلال نصف رمضان    53 مُستورداً للموز يُمنعون من الاستيراد نهائياً    نظام داخلي جديد ل المجلس    الحويني في ذمة الله    بلمهدي يبرز دور الخطاب الديني في تعزيز الروح الوطنية    الذكرى ال63 لعيد النصر: تنظيم ندوة فكرية حول تجليات عيد النصر في المخيال الأدبي والفني الجزائري    جامعة "مصطفى اسطمبولي بمعسكر: 40 مشارك في الطبعة الأولى لمسابقة "قارئ الجامعة"    تصفيات كأس العالم 2026/بوتسوانا- الجزائر: "الخضر" يحلون بغابورون    كأس العالم 2026: المنتخب الوطني أجرى حصة تدريبية قبل تنقله إلى قابورون    وهران : مسرحية "باغي نشيع" لمحمد ميهوبي تسلط الضوء على ظاهرة السعي وراء الشهرة عبر الانترنت    بطولة إفريقيا للمحليين 2025: المنتخب الوطني يشرع في تربصه التحضيري بعنابة    هل الشعر ديوان العرب..؟!    إحباط عملية ترويج 4300 وحدة من مؤثرات عقلية    أول رحلة للحجاج في 10 ماي المقبل    نحو رفع مساحة المحيطات الفلاحية المسقية    آفاق جديدة لتصدير الكهرباء    الشيخ عبد القادر الجيلاني.. أحد أشهر الأئمة الأقطاب    الشباب والاتحاد يتعادلان    جاهد لسانك بهذا الدعاء في رمضان    وسام ذهبي للرئيس    هذا موعد أول رحلة حج    حماية الأجيال الناشئة من الوقوع في آفات تضر بالمجتمع    12 مطارا و150 رحلة لنقل 41 ألف حاج    الشروع في عملية حجز تذاكر السفر للحجاج : انطلاق أول رحلة نحو البقاع المقدسة يوم ال10 ماي المقبل    الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة    فضل الجلوس بعد صلاة الفجر    الجزائر تتجه لتوطين صناعة الدواء بمختلف الأصناف    الحقن وطب الأسنان لا يفسدان الصيام والمرضع مخيَّرة بين الفداء أو القضاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توظيف التاريخ في ترتيبات الحاضر؟
نشر في صوت الأحرار يوم 24 - 12 - 2008

جميل أن تكشف الأمم مختلف فصول تاريخها المجيد منها والمهين أيضا، لتستلهم من انتصاراتها المزيد من الأمجاد، ومن انكساراتها المزيد من العبر والدروس. لكنه من المسيء والمخزي ألا تلجا أمة من الأمم إلى تاريخها إلا لتصفية حسابات الحاضر والماضي السياسي منها، والتاريخي أيضا. حقيقة أن في التاريخ فصول ومعالم ضَعُفَ فيها الرجال، أو جبنوا، أو حتى خانوا، وحقيقة أن في صفحات التاريخ تفسير للوقائع والأحداث والتطورات، لكن يجب قراءتها في سياقها العام ولا يجب اقتطاعها لتوظيفها توظيفا سياسويا.
الجزائر من أكثر الدول معاناة من ظاهرة إهمال التاريخ سواء خوفا منه أو طمسا لمعالمه أو درء للنور الذي يشع منه. من هذا المنطلق عادة ما تصنف كل محاولة من هذا الشخص أو ذاك للكشف عما يختلجه من حقائق وأحداث عايشها من الداخل أو كان أحد أطرافها أو المؤثرين فيها، على أنها محاولة لتصفية الحسابات أو خلط للأوراق، رغم حاجة البلاد لشهادات كل الذين ساهموا في صنع بعض تفاصيل تاريخ الجزائر الحديث.
والأغرب من ذلك ألا يساهم البعض الآخر ممن شهدوا الأحداث أو عرفوها، إلا في الرد على هذا أو ذاك ممن تجرؤوا على الكتابة أو الجهر بشهادتهم، ويبخلوا فيما عدا ما رغبوا في الرد عليه، هكذا للتشكيك فقط وحتى تُدان كل شهادة، وتُحرف عن مسارها وتُقدم على أنها تصفية لحسابات لا غير. فلماذا هذا المنحى الشاذ في التعامل مع التاريخ، ولماذا الخوف أصلا من كتابة التاريخ وإن بروايات متناقضة يمكن تمحيصها من طرف المؤرخين الذين سيكونون حينها أمام مادة ثرية تمكنهم من كتابة التاريخ كتابة صحيحة وحقيقية. كل الناس يعلمون أن في التاريخ ما يسر وما يحزن، ويعرفون أن تاريخ الجزائر بمختلف مراحله بما فيه الثورة التحريرية المظفرة، فيه البطولات والانتكاسات، ولم يكن كله ناصع البياض وتلك طبيعة البشر، إذ لا تخلو أمة من الأمم من هذه الصور المتناقضة لأن الأمر يتعلق في آخر المطاف بعمل إنساني يتأثر بطبيعة البشر. ولنا في تاريخ السلف الصالح العبرة والقدوة فالبعض ممن شهدوا بدرا وأبلوا البلاء حسن جبنوا فيما بعد وتخلفوا عن رسول الله، والبعض الآخر شغلتهم أموالهم، والبعض الثالث قذفوا زوجة الرسول أم المؤمنين في شرفها، والبعض الرابع خالفوا أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم... خالد نزار وعقدة الماضي..
إن المحاضرة التي ألقاها الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد تخليدا لذكرى رئيسه ورفيق دربه في ما عرف بالقاعدة الشرقية عمار العسكري المدعو بوقلاز، كانت نموذجا صارخا لسوء التعامل مع التاريخ. فالرجل أدلى بشهادة تاريخية حرص على ألا تكون مدعاة للتلاعب أو التوظيف، وبدا عليه الإنصاف في ذكر ما له وما عليه ولم يقدم نفسه كبطل مغوار عنده يبدأ التاريخ وينتهي معه بل اعترف حتى بأخطائه، وما للرجال وما عليهم، ولم يجن على أحد. وكان يكفي أن ينقل عنه الإعلام شهادة محرفة لتقوم الدنيا عليه.
إن تسرع الجنرال خالد نزار للتهجم على ولي نعمته ورئيسه طيلة مشواره الثوري القصير جدا، والسياسي الطويل جدا، يعكس هذا التوجس الكبير من التاريخ والاستعداد الغريب للسب والشتم وتسفيه الآخر. لقد اعتقد خطأ أن الشاذلي ذكره بسوء فكال له من التهم والسباب ما يكون ذهل له الرئيس الأسبق، ليتضح في آخر المطاف بعد أن نشر الشاذلي مداخلته في جريدة الخبر ذلك لأنها كانت مقطع من مذكراته أنه لم يذكر الجنرال إلا بالخير بل بالعكس برأ ضباط فرنسا وعلى رأسهم الجنرال من تهم الخيانة والعمل لصالح فرنسا التي عادة ما توجه لهم، فقد أكد الشاذلي أنه قبل بنزار رغم رفض القيادة له، ورغم معرفته أنه كان يتجسس لصالح الحكومة المؤقتة ولم يقل لفرنسا، وأنه لم يكن يعتبر الانتساب للجيش الفرنسي معرة أو انتقاص للشرف.
حرب سياسية على خلفية تاريخية
ثم توالت الردود حول مختلف القضايا المثارة من طرف أناس لزموا الصمت، لتبدو القضية وكأنها حرب سياسية على خلفية تاريخية، وبالفعل تحولت وأصبحت كذلك، وبدأت الكثير من الجهات التي تخاف الحقيقة ويقلقها حديث الثورة، وتعقدها مآثر الرجال، وبطولاتهم ومساهماتهم وقيادتهم للأحداث، تحرك بيادقها لحصر الحديث في التهم والتهم المضادة على حساب الوقائع والأحداث، وتحريف شهادة الرجل عن سياقها والتركيز على بعض التفاصيل التي كانت عرضية في الشهادة لإفراغها من محتواها وتسفيه الرجل الذي تبين أنه كان من رجال الثورة المتواضعين جدا فلم يبن لنفسه مجدا طيلة رئاسته للجمهورية، ولم يدّع يوما أنه كان شيئا مذكورا، ولم يستغل ماضيه الثوري الحقيقي ليتمرجل على أترابه، حتى ظن الناس أن الرجل لا علاقة له بالثورة والجهاد، في حين لو كان شيء من ذلك لغيره لشغلوا به الدنيا..
وتنفيذا لذلك تحركت بعض الوسائط الإعلامية لتنصر لهذا على ذاك، ولتنبش في هذه القضية أو تلك ومن طرف واحد، وتفتح هذا الملف وتجري حديثا مع هذا، وتأخذ تصريحا من ذاك دون أن تقدم شيئا مفيدا يثري هذه الشهادة أو يقدم ما يدحضها لقد غرق الجميع إما في عموميات للإساءة والتشويه، أو في تفاصيل لا تسمن ولا تغني من جوع لا لشيء سوى لذر الرماد في العيون حتى يزهد الناس في أي شهادة أو مذكرات قد تشكل أرشيفا لكتابة التاريخ من مصادر مختلفة.
غرس الماضي والحاضر ..جني المستقبل
وسيبقى التاريخ رهينة هذه التلاعبات والتربصات والتوجسات كلما ظلت الرغبة في توظيف التاريخ لترتيب الحاضر وفق النزوات والأمزجة، بما يدين من يراد له أن يدان وإقصاء من يراد له أن يقصى، وتكمم أفواه من لا يراد لهم أن يتكلموا .. غير أن ذلك لن يضر التاريخ في شيء لأنه ومع مرور الزمن ستتحول هذه المظاهر إلى أحداث تاريخية تسجل كعوامل حاولت أن تؤثر في التاريخ أو تؤجل كتابته أو تحريره من التشوهات والتضييق والغلق، وهكذا هو التاريخ سجل الماضي والحاضر وغرسهما وجني المستقبل طال الأمد أو قصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.