لماذا تمارس السياسة؟ "السياسة هي طبيعتي الثانية واخترتها للدفاع عن حقوق الآخرين" "اختياري للسياسة نابع من تلك الروح الوطنية التي تشبع بها أبناء جيلي في السبعينات عندما كنا نفتخر بانتمائنا إلى الجزائر، الممارسة السياسة في اعتقادي تدخل ضمن التصور العام للوطنية، انطلقت منة الكشافة وتأثرت بكبار السياسيين أمثال الراحل هواري بومدين، شيقي فارا، فيدال كاسترو وغيرهم من الشخصيات، السياسة هي أداة لتنظيم شؤون الحياة ومساعدة الآخرين، لذلك لا يمكن فصلها عن مفهوم الإيثار، هي طبيعتي الثانية ولا يمكنني أن أتقاعد في يوم من الأيام عن أداء هذه المهمة النبيلة". ينتمي صديق شيهاب في الوقت الراهن إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي وهو نائب باسم هذه التشكيلة السياسة على مستوى المجلس الشعبي الوطني، خلال اللقاء الذي جمعنا به تحدث مطولا عن مشواره السياسي وكيف تحول من مهندس بالهندسة المدنية إلى رجل سياسي يخوض أعنف المعارك وأشرسها في نضال لا يبقي ولا يذر، إقصائي لا يكون البقاء فيه إلا للأقوى. صديق شيهاب وبكل تواضع أكد أنه ينتمي إلى جيل السبعينات الذي كان يرى أن السياسة تدخل ضمن التصور العام للوطنية، خاصة وأنه ترعرع في الكشافة الإسلامية وبعد ذلك انتقل إلى الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية. ومن هذا المنطلق لم يتردد الرجل في القول بأن الممارسة السياسة في تلك الفترة كانت مقترنة بحب الوطن والوطنية وليس بغرض الممارسة السياسة في حد ذاتها وفي هذا السياق يقول " تميزت تلك المرحلة بالثورة الزراعية وكانت الجزائر في أوج قوتها وأشد فرحتها باستقلالها والحماس الوطني والأمل قائم في بناء دولة قوية مزدهرة، كنا نفتخر بشهدائنا وثورتنا ومن ثم جئنا للسياسة في محيط مفعم بالحماس والوطنية وشاءت لنا الأقدار أن نتدرج ونتدحرج عبر مشوار سياسي طويل". "كنت نقابي بالاتحاد العام للعمال الجزائريين، انخرطت في الأفلان سنة 1979 بعد وفاة المرحوم هواري بومدين في إطار حملة التجنيد والتعبئة التي حملها قادة الحزب آنذاك ومن ثم كان ولا بد من أن نقتحم الميدان السياسي وأن لا نترك الفراغ للرجعية وكان انخراطنا وليد تأثرنا بوفاة الراحل هواري بومدين". عين صديق كمهندس في حاسي الرمل بسوناطراك وكان يعمل في مديرية ضعيفة نوعا ما الأمر الذي دفعه إلى خوض الحرب النقابية، وبالنظر إلى شخصيته وطبيعته المرحة تقرر اختياره على رأس هذه النقابة. شيهاب صديق يبلغ من العمر 52 سنة، مشوار سياسي حافل، وبغض النظر على المدارس الكبرى التي ترعرع فيها هذا الرجل السياسي استطاع أن يسجل حضورا قويا كمنتخب في المجلس الشعبي الولائي للجزائر العاصمة ابتداء من سنة 1984 باسم جبهة التحرير الوطني. لم ينكر صديق أنه تأثر بعدد من الشخصيات السياسية مثل بومدين الذي كان يجسد في رأيه الجزائر القوية وبغض النظر عن شخصيته وأفكاره كان يتلخص فيه الأمل في بناء جزائر قوية، ومجتمع مزدهر ومتماسك، فكنا دائما نحلم بهذه الأشياء خاصة وأننا كنا خارجين من ثورة مقدسة، لقد عرف كيف يجعل من الشعب الجزائري شعب موحد متضامن له أهداف وطموحات كبيرة، أما الشخصيات الأخرى، فكنا متأثرين بفيدال كاسترو شيقي فارا، كانت سنين ميكيافلية تعبر عن الحلم الكبير. واستطرد شيهاب صديق قائلا "لم نكن نفكر في ممارسة السياسة عندما أقدمنا على هذه المهمة كنا في منطق تقدمي وطموحاتنا كانت كبيرة وآمالنا أكبر، للأسف فإن تلك المعتقدات نراها اليوم قد تلاشت، كان بوسعنا أن نغادر الجزائر ولكننا لم نفعل، أقصد أنا وأبناء جيلي، خاصة وأني كنت مهندسا في الهندسة المدنية". وكان المشوار السياسي المتعلق بالنقابة أو بالحزب يمشي في طريق مواز مع مشواره المهني إلى أن أصبح مسؤولا وطنيا في دائرة عمال البترول والغاز والكيمياء، أما على مستوى الحزب فكان النشاط كلاسيكي. "قدت معارك كبيرة في إعادة هيكلة سوناطراك خاصة بعد أن تفرغت للعمل النقابي بداية من التسعينات، ووصلنا إلى درجة معينة تميزت بوجود خلافات بين قيادة النقابة الكبيرة وانفصلنا على الاتحاد النقابي وقمت بعملية إضراب آنذاك ما بين سنتي 1993 و1994، كان عندنا توجه مختلف في كيفية ممارسة العمل النقابي وقررت الانفصال عن المركزية النقابية". وفيما يتعلق بالحزب، فقد انتهت عهدة الرجل مع نهاية الثمانينات وفي ظل الصراعات التي كانت مطروحة في تلك الآونة قرر صديق الانسحاب، ليتم تعيينه "داك" في بلدية القبة سنة 1996 وبقي هناك حتى انتخابات 1997، حيث ترشح باسم الأرندي، ويرى صديق أن اختياره لهذا الحزب نابع من كونه تشكيلة سياسية جديدة منحت فرصة أكبر لأبناء جيله. " بقينا أوفياء لخياراتنا الأساسية التي تربينا عليها وبقيت على رأس البلدية حتى سنة 2001، ومن ثم انتخبت في مجلس الأمة لمدة 6 سنوات وتقلدت مسؤوليات عديدة وكنت أنشط على مستوى الحزب دائما وذلك حتى 2006 وفي 2007 ترشحت كنائب وفزت في الانتخابات التشريعية لأصبح نائبا بالمجلس الشعبي الوطني". يعترف صديق بالانجازات التي حققها في المشوار السياسي طيلة هذه الفترات وقال إنه ساهم بقدر الإمكان في إضفاء استقرار أكثر وحاول دائما إعطاء الوجه المشرف للعمل السياسي في وقت عندما نتحدث عن المير أو النائب لا نكاد نتصور إلا ما له علاقة بالفساد والرشوة. وفي رأيي لقد نجحنا على حد بعيد لأننا مازلنا ملتصقين بالقاعدة الشعبية، عملنا في البرلمان مختلف على البلدية أو الولاية لأن العمل في المجلس الشعبي الوطني مكثف أكثر، هناك تعديلات على عكس مجلس الأمة والعمل التشريعي عمل فعلي. وبعد كل هذه التجربة الطويلة لا يسعني إلا أن أقول بأن السياسة هي عمل نبيل وشريف ولا يمكن أن تمارس السياسة إلى إذا كنت صاحب إيثار لأنها تتطلب جهد ووقت وتضحية وليس من السهل أن تكون لك حياة خاصة في وسط هذا الزحام، مع العلم أني أب لستة أطفال، كثير من الناس يعيبون علي وقتي السياسة هي طبيعة ثانية، أنا لا أذهب إلى السينما ولا إلى مكان آخر، عندي الحزب المنزل، والبرلمان. وفي الأخير أظن أن المراحل الانتقالية تفتح الباب للمجازفين والانتهازيين لكنها مرحلة سنمر عليها ونتجاوزها وستعود الأشياء إلى مجاريها، ويبقى أن السياسة هي وسيلة من وسائل التغيير، لذلك لا يمكن لي أن التقاعد من السياسة، أنا لا أعرف سياسي تقاعد لحد. العمل السياسي ليس مسار مهني ولا ترقية وإنما نحن أولا نؤمن ببعض المبادئ التي نضالنا وتربينا عليها ونعمل على تكريسها، أملنا أن تخرج الجزائر من الركود الاقتصادي ومن هذه الدوامة ونحقق الازدهار، أنا وطني، حزبي وكنت في خدمة وطني وتكريس مبادئ حزبي بغض النظر عن المناصب، لأن المناصب لا تصنع الرجال، أنا لم أغير حتى الحي الذي أسكن فيه ولا أي شيء أخر.