يخطأ من يعتقد أن الحرب العدوانية على قطاع غزة قد انتهت، صحيح أن موجات القتل والتدمير الواسع قد توقفت، وأستعيض عنها بوضع القطاع من شماله إلى جنوبه هدفا ثابتا للآلة العسكرية الصهيونية ومطوقا بها من كافة الاتجاهات..إنه السيف المسلط على رقبة الجسم الفلسطيني بوظيفة الضغط، والابتزاز السياسي..لكن الصحيح أيضا أن هذه الجولة من الحرب الدموية الموجهة أساسا ضد المواطن الفلسطيني...هي جزء من مسلسل الحروب العدوانية، والمجازر التي مارستها دولة الاحتلال بمنهجية ضد الشعب الفلسطيني والعربي على مدار العقود الستة من هذا الاشتباك المفتوح بين المشروعين التحرري الوطني من جانب والصهيوني الاستعماري من جانب أخر، لكن هذه الموجة قد كانت الأشد فتكا ودموية مما قبلها..وهي ثانيا لم تنتهي لأن المعركة السياسية والدبلوماسية قد حلت مكانها، التي أدارها الثنائي الأمريكي والإسرائيلي بالتناغم مع المفوضية الأوروبية، قبل وبعد وقف النار، بوجهة محاولة الإجهاض السياسي لنتائج الصمود الشعبي والوطني وتطويق تداعياته، بالتالي تحقيق أهداف العدوان من خلال هذه البوابة بل جرى توسيع دائرة العدوان بشكله الجديد عبر الاتفاقية الأمنية الموقعة بين وزيرتي الخارجية ليفني-رايس، وإشراك عدد من البلدان الأوروبية ولم يقتصر الأمر على إحكام القبضة على الشريط الحدودي مع جمهورية مصر العربية لخنق القطاع بل وصلت الحرب الأمنية البحار الثلاث ومناطق عمل قوات الحلف الأطلسي لتطال سيادة العديد من بلداننا دون أن يعلو صوت أي منها، هكذا سعت البلدان الاستعمارية لاستثمار نتائج الحرب الدموية من زاوية مصالحها كما تظن وحماية أمن إسرائيل لدرجة التنافس والمزايدة بين بعضها البعض وإلا كيف نفسر السرعة التي أرسل بها الرئيس الفرنسي ساركوزي البارجة حاملة الحوامات لترابط أمام سواحل غزة لمراقبة أنفاس سكانه قبل أن تجف دماء أبنائه. هذا الإسناد المبالغ به لدولة الاحتلال والمعادي لتطلعات شعبنا في التحرر الوطني واستعادة حقوقه قد ساهم في التصعيد من أهداف العدوان لذا وجدنا حكومة أولمرت تطالب بتهدئة بشروط المنتصر المتعاكسة مع نتائج الصمود الفلسطيني، مثل رغبتها في فرض منطقة "حرام" عرضها 500 متر على طول الحدود مع قطاع غزة وداخل أراضيه، وهو الشريط الحاضن للزراعة الفلسطينية بشكل رئيسي..وصولا إلى ربط فتح المعابر بقضية الجندي شاليط.. إن أولى دلالات ودروس تجربة غزة من حيث صمود شعبها ومقاومتها أمام العدوان يتصل بطبيعة دولة الاحتلال، بحكومتها، وأحزابها، ومكوناتها من النشأة، التكوين، والوظيفة الاستعمارية... لأن مستوى وحشية ودموية هذه الحرب التي استهدفت بالدرجة الأولى ترويع المواطنين وقتل أكبر عدد ممكن وتدمير كل شيء له علاقة بحياتهم من منازل ومزارع وكهرباء...الخ باستخدام كثافة نارية وأنواع متعددة من الصواريخ والذخائر المحرمة دوليا وبعضها يصار لاستعماله أول مرة بحيث تمكنت من مسح مناطق بأكملها في شمال وشرق مدينة غزة وصولا إلى أقصى جنوب القطاع بتدمير السكنات المحاذية للشريط الحدودي مع رفح المصرية...إلى أخر التفاصيل المفزعة التي لا تنتهي بممارسات الجيش الصهيوني ضد المواطنين، ومع الجرحى، والأسرى... كيف يمكن قراءة أو تفسير هذا المستوى من الحقد اتجاه الفلسطيني سوى القول إنهم لازالوا أسيري أفكار الحركة الصهيونية التي بررت انتزاع الجزء الرئيسي من فلسطين ومن ثم تكوين دولة إسرائيل كتجسيد للمشروع الاستعماري في المنطقة بإجلاء الأخر بالقوة عن أرضه، ومحاولة نفي وجوده أو شطبه كهوية وكيان وطني وفقا لمقولة "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض". والأمر الأخر في مسلك حكومة أولمرت وشركائه وهو لن يكون مفصولا عن الأهداف غير المعلنة لهذه الحرب...والذي يمكن تلخيصه: -بتلك الخطوات التي يجري فرضها كوقائع بالضفة الغربية من جانب السلطات الإسرائيلية، والتي تضاعفت وتيرتها بعد التوقيع على عقد أنابوليس في أواخر عام 2007، بقضم الأراضي والتوسع الاستيطاني، والتهويد المتواصل للقدس الشرقية وشطب طابعها التاريخي ذو الصلة الوثيقة بأصحاب الأرض الأصليين..الخ، لنصبح عمليا أمام معطيات على الأرض تحول دون تحقيق الدولة الفلسطينية على كامل أراضي الضفة التي احتلت عام 1967، إضافة إلى قطاع غزة، تبعا للمفهوم الفلسطيني كما نص عليه البرنامج الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية والمتوافق عليه من قبل غالبية الروافع السياسية والكفاحية في الحقل الوطني والإسلامي...وهو ما يتم وصفه بالحد الأدنى من الحقوق الوطنية، لأن دولة الاحتلال الإجلائي العنصري تريد فرض الشكل أو الصيغة التي تلبي أهدافها وفي المقدمة منها: -الوظيفة الأمنية لكيان فاقد مقومات وشروط الدولة، وملحق بشكل تبعي وخدماتي للاحتلال...أي لا يتجاوز مواصفات الحكم الذاتي المعدل للسكان دون الأرض، بالتالي استكمال للخطوات الممنهجة على طريق التخلص من السكان، ومن أية مسؤولية أو التزامات اتجاههم... بالترويع والمجازر أو محاولة كسر إرادتهم وترويض مقاومتهم، مما يفترض على الوضع الفلسطيني الوقفة أمام الموضوعات التالية: - أولا: دولة بهذا المستوى من الاندفاع لاستباحة دم الفلسطينيين دون مراعاة للعوامل الإنسانية، الأخلاقية أو السياسية...لن تكون مؤهلة للقبول بتسوية عادلة نتصف هذا الشعب بالحد الأدنى من حقوقه، بالتالي ما فائدة التفاوض معها بهدف " التوصل إلى تسوية سياسية بعد أن قتلت مقوماتها...هناك خوف جاد بأن تصبح هذه المفاوضات المفرغة من أية مضامين ممرا للثنائي الأمريكي الإسرائيلي لإنهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين تحت عنوان استدراجي متمثلا بالرؤية الأمريكية للحل الذي رحل صاحبها عن البيت الأبيض لكن أفكارها قيد التوارث من إدارة إلى أخرى بحكم طبيعة العلاقة مع إسرائيل وآلية أخذ القرار في المؤسسات الأمريكية...لقد استثمرت تلك المفاوضات العبثية لصالح كل شيء إسرائيلي ما عدا المصلحة الفلسطينية..مما يتطلب وقفها والخروج من مسارها الذي تستخدمه إسرائيل كمظلة لخطواتها ضد شعبنا...لا يعقل أن يستمر الحديث عن مفاوضات يقتصر رأس مالها على تبادل القبلات والعلاقات العامة.. وتنتهي بتصاريح إعلامية متبادلة لا تتحدث إلا عن اللقاء التفاوضي القادم، لم يعد الوضع الفلسطيني بعد مجازر غزة يتحمل تلك المشاهد.. كفانا البحث عن مبررات قد تتغير حسب المتحدث عنها من حيث موقعه الوظيفي ومكانه بالداخل أو بالخارج، لأنه قد جرى استنزاف جميع تك المبررات.. بالتالي لابد من الاستعاضة عنها بركوب قاطرة البديل الوطني وتوحيده على قاعدة برنامج يجمع بين خيار المقاومة ضد المحتلين وبين العمل السياسي بعد نقل ملف قضيتنا إلى الأممالمتحدة لمطالبتها بتنفيذ قراراتها ذات الصلة بحقوق شعب الكفاح والتضحيات. ثانيا: إن الحقائق التي أمامنا تفترض إعادة التقييم لمسارنا السياسي، لبرامجنا وشعاراتنا..بهدف مواجهة مخططات الحكومة الصهيونية، لنحدد كإجماع وطني أين أصبنا وأين أخطأنا، ومن يتحمل المسؤولية الرئيسية، وفي مطلع تلك الموضوعات هو:- إعادة التعبئة على أساس الأهداف الاتسراتيجية لنضالنا التحرري وهنا يحتل شعار وهدف دولة فلسطين الديمقراطية على كامل فلسطين التاريخية بكل ما تحمله من مضامين النقطة المحورية المرتبطة بشكل رئيسي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي رحلوا منها بالقوة، وذلك بتطبيق القرار الأممي رقم 194، إن حق العودة هو الجسر الإجباري والوحيد الذي يوصلنا إلى الدولة الديمقراطية..وأية نضالات متكئة على برامج مرحلية يتوجب ربطها بهذا الأفق الاستراتيجي للحل، ليصبح المقياس الرئيسي لأية انجازات وطنية أو عربية أو دولية هو مدى خدمتها لحق عودة اللاجئين دون نقصان، وعلى الطرف الفلسطيني أن يضبط حركته السياسية ويعيد صياغة ركائزها بقدر اقترابها من هذه الحلقة، وأن يتخلص من كل الشوائب التي أساءت أو بهتت أو أضعفت بشكل أو بآخر بهذا الحق. لن تقتصر انعكاسات هذه الحرب العدوانية على تلك الجوانب فقط بل سوف تهز الحياة الفلسطينية دافعة إياها باتجاه الارتقاء بثقافة الوحدة الوطنية كقاعدة للمقاومة بشكل رئيسي ولكافة أساليب النضال التي يتطلبها العمل الوطني..الخ. كما أن العلاقات الفلسطينية مع المحيط العربي بكل مستوياته ومع القوى والتيارات على الصعيد الدولي المناصرة لحقوق شعبنا وللقضايا العادلة أينما كانت..باحتياج لمواقف وأساليب عمل تتفاعل وتتعاون معها أكثر لتعزيز تلك العلاقات دعما لمصالح شعوبنا.