عاتبني أحد أصدقائي الذين جمعوا بين الشعر والصحافة على قسيمة الاعتراف التي ذيّلتُ بها صفحة "مكاشفة" بأسبوعية "المسلمون" التي أصدرتها "صوت الأحرار" وأتشرّف بالإشراف عليها. قال صديقي بروعة وحكمة تجلّت في لحظة وهو ينفث دخان سيجارته: "لا جدوى من الاعتراف في مجتمع يدّعي"..! أشهدُ أن صديقي هذا بهرني بتشخيصه للتوّ وكأنه يقرأ خطوط أيدينا جميعا أو يتعقّب آثار أقدارنا الدامية.. تأملتُ ما قاله بسرعة ولاحت أمام ناظري صورة الجزائري الذي لا يكتب والكتابة اعتراف..وصورة الجزائري الذي يتكلّم كثيرا حتى إنه لا يتأمّل..وصورته وهو الذي يتمتّع بنكران الذات في أدوار البطولة والإنجاز إلى درجة أن يُبخس حقه حتى إن ثقافة الجميل والعرفان آخر المشاهد التي يمكن أن تراها في البلد.. تأملتُ كيف يخطئ الجزائري مثله كمثل البشر جميعا لكنه يخصّص لشيء خبيث فينا اسمه "التاغنانت" أو أدوار "الزلط والتفرعين".. وتأملته وهو الشحيح في مجتمع يرفض الجهر بالتوبة ويمقت فضيلة الاعتراف بالخطإ ويلتبس عليها ويعتبرها ضعفا.. تأملتُ الجزائري المنهك بأعباء تاريخية وبرزمة من العيوب السلوكية والذهنية، كغيره من الناس، في بلد مغلق على أشكال المكاشفة ومصارحة الذات وصدق الوجه.. تأملتُ هذا وأكثر وعرفتُ لماذا لا يفكر التلفزيون ومختلف الوسائط الإعلامية الثقيلة في الانفتاح على المجتمع والأفراد ببرامج تفاعلية ونقاشات مفتوحة دون طابوهات ولا محرّمات.. نظرتُ فيما سبق من مراحل وما نحن فيه اليوم وكيف أن الادعاء صار سياسة معيشة، وكيف أن الأنبياء الجدد كُثر ولا رادّ لهم.. أجل..في مجتمع يدّعي البطولة في كل شيء لا مكان للاعتراف وثقافة التطهّر..! نعيب الزمان والعيب فينا وما للزمان من عيب سوانا.