إطلاق قناتين تلفزيونيتين، واحدة ناطقة بالأمازيغية وأخرى للقرآن الكريم، هو البديل الذي تم الأخذ به في مواجهة المطالب المتزايدة بتحرير الإعلام السمعي البصري من الاحتكار، وبدون شك فإن أي إضافة في التلفزيون بإطلاق قنوات متخصصة أو بالتوجه نحو مزيد من الاحترافية في العمل هو خطوة جيدة لكن التحديات تبدو وكأنها تجاوزت كثيرا هذه الخطوة. المشكلة لا تكمن في لغة التلفزيون بل في خطابه، فإذا كانت القناة الناطقة بالأمازيغية ستترجم البرامج الحالية وتنتج نفس الخطاب فإنها لن تجد من يتفرج عليها، ومن هنا يجب التعامل مع التلفزيون كأداة مشتركة يستفيد منها الجميع ويشارك فيها الجميع وليس مجرد بوق للدعاية الهدف منه إخضاع الجميع أو تجنيدهم، وبقدر اقتراب هذه القناة من واقع المواطنين وتمثلها لمطالبهم وهمومهم يكون نجاحها، وسيتعين على القائمين على هذه القناة أن يثبتوا أن الأمر يتعلق بتجربة جديدة وليس مجرد إضافة عددية للتلفزيون الذي فقد مصداقيته. قناة القرآن الكريم ستكون أمامها مهمة شاقة وهي التصدي لهذه الفوضى التي تسببت فيها هذه القنوات الدينية التي تتناسل بشكل مخيف، فقناة القرآن الكريم ينتظر منها أن تكون حصنا في مواجهة الاستغلال السياسي للإسلام والدعوات الطائفية القادمة عبر الفضاء وفوضى الفتاوى، وحتى هذه القناة تحتاج إلى هامش كبير من الحرية يسمح لها بالتحول إلى فضاء لحوار الأفكار دون تعصب أو إقصاء، وبقدر الحرية المتوفرة يمكن للقناة بناء مصداقيتها لدى ملايين الجزائريين الذين أصبحوا يستفسرون عن شؤون دينهم عبر القنوات الفضائية المختلفة. ربما استطاع بعض المجتهدين أن يجعلوا من هذه الخطوة ممرا للنضال من أجل دفع التلفزيون نحو الاحترافية والخدمة العمومية، غير أن هذا لا يمكن أن يكون بديلا عن الحرية الإعلامية التي بدونها لن يقدر المجتمع على مواجهة التحديات المفروضة عليه، ولا خلاف في أن الهواجس التي منعت تحرير الإعلام السمعي البصري قد أصبحت، بحكم التطور التكنولوجي، من أصداء الماضي.