كشف المترشح عبد العزيز بوتفليقة أمس في اختتام حملته الانتخابية عن عزمه الذهاب إلى استفتاء شعبي حول العفو الشامل لصالح عناصر الجماعات المسلحة، في حال تجديد الثقة فيه لعهدة أخرى، وقال إن العفو الشامل لن يكون على حساب إرادة الشعب وكرامته ولا على حساب مصلحة الوطن، مجددا تمسكه بضرورة استسلام بقايا الجماعات الإرهابية قبل التفكير في خطوة العفو الشامل. ارتأى المترشح عبد العزيز بوتفليقة أن يخاطب الشباب والطلبة في آخر نشاط انتخابي له قبل ساعات قليلة على إسدال الستار عن الحملة الانتخابية للاستحقاق الرئاسي المرتقب بعد غد الخميس، ومن خلال الشباب الذين غصت بهم القاعة البيضاوية وجه بوتفليقة إلى الشعب الجزائري جملة من الرسائل الانتخابية وعرج على مختلف القضايا المطروحة على الساحة الوطنية، مذكرا بحصيلة العهدتين المنقضيتين ومحاور ما يعتزم القيام به في حال تجديد الثقة فيه لعهدة جديدة. الخيارات الإستراتيجية الخاطئة كانت وراء الأزمة الأمنية التحق المترشح بالقاعة البيضاوية في حدود الساعة الثانية والربع بعد الزوال تحت هتافات وتصفيقات الشباب، وبعد التطرق إلى الظروف التي جرت فيها الحملة الانتخابية، استهل بوتفليقة خطابه بالحديث عن الأزمة التي عصفت بالبلاد لأزيد من عشرية كاملة، قائلا"لقد عادت بلادنا من بعيد وما كتب لها أن تموت"، وأرجع بوتفليقة أسباب الأزمة الأمنية إلى الأخطاء التي ارتكبت خاصة في مجال الخيارات الإستراتيجية وفي الحكامة وأخلاقيات الحكم والتوجهات الاقتصادية غير المحكمة التدبير وكذا ابتعاد الطبقة الحاكمة عن الحقل الاجتماعي، مبرزا أن المأساة الوطنية كادت تقود الاقتصاد الوطني إلى الإفلاس والنسيج الاجتماعي إلى التلاشي، كما كانت السبب في انتشار الممارسات اللاأخلاقية والانحرافات وخفوت الروح الوطنية والعزوف عن ترجيح المصلحة العامة. وشدد بوتفليقة في مخاطبة أنصاره ومؤيديه من الشباب على ضرورة التساؤل والبحث في الأسباب التي كانت وراء آفة العنف والإرهاب لتفادي الوقوع في نفس الأخطاء مجددا، معتبرا أن الثورة التحريرية ومهما كانت عظمتها، لم تعد صمام الأمان الذي يحمي البلاد وإلى الأبد من نوائب الدهر ودعا الشباب لأن يكونوا في مستوى عظمة الثورة التحريرية ، وخاطبهم قائلا "لا تناموا على انتصارات جيل الثورة الجزائر تنتظر منكم انتصارات وثورات أخرى لا تكون بالضرورة عن طريق العنف بل يمكن تحقيقها بالدراسة والعمل والتفوق" وهي الجملة التي اهتزت لها القاعة ورد عليها الشباب بمقطوعتهم المفضلة "وان تو ثري فيفا لا لجيري". لا عفو شامل قبل استسلام المسلحين ودون تأشيرة شعبية وفي عرض حصيلة منجزاته طيلة العشرية المنقضية انطلق بوتفليقة من الحديث عن مشروع الوئام الوطني وإرساء المصالحة الوطنية الذي كان في صلب اهتماماته عندما تولى شؤون البلاد سنة 1999 في إطار البحث عن حل شامل وتدريجي للأزمة واستعادة الثقة والمصداقية والشرعية لمؤسسات الدولة، قبل التفكير في إعادة البناء والتعمير وتطبيق المشروع الديمقراطي، وقال إن الأمر يتعلق بمشروع مجتمعي شامل يتطلب نفسا طويلا ومشاركة شعبية لتحقيقه، مشيرا في الوقت نفسه إلى صعوبة الظرف الذي تولى فيه المسؤولية وما بذله من جهود لتحسين صورة الجزائر في العالم. وبالنظر إلى الأهمية التي يوليها المترشح لملف المصالحة الوطنية الذي يعتبره الركيزة الأساسية لبرنامجه للعهدة المقبلة، فقد استغرق بوتفليقة ما يزيد عن 15 دقيقة في الحديث عن الموضوع، وفضل أكثر من مرة الخروج عن حدود النص المكتوب والارتجال في مخاطبة مستقبليه في القاعة البيضاوية، وقال إن الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري كانت مع مقترح فتح الباب على مصراعيه في وجه الذين قرروا العودة إلى جادة الصواب والرجوع إلى أحضان شعبهم في كنف الكرامة واحترام حقوقهم كمواطنين، مضيفا أن انتصار هذه الإرادة الوطنية المعبر عنها عن طريق الاستفتاء على مواقف التردد وسمحت له بتطبيق سياسة المصالحة الوطنية، وأكد بوتفليقة على دور الشعب في إنجاح المسعى وإعادة الوئام دون إقصاء للأسر المفجوعة جراء المأساة الوطنية بالقول " كل ما تحقق كان بفضلكم وبفضل صبركم ووعيكم وحماسكم"، مجددا تمسكه بالذهاب أبعد في مسعى المصالحة الوطنية واعتبارها أولوية وطنية إلى غاية القضاء على بؤر التوتر وأوكار الشر والدمار، وارتجل المترشح في مخاطبة مؤيديه مرة أخرى بالقول "كونوا على يقين أننا سنقضي على هذه الأوكار" وهي العبارة التي كررها أكثر من مرة، تأكيدا منه على إصراره على الطي النهائي لصفحة المأساة الوطنية وتجفيف منابع الإرهاب دون استسلام لمن يتمسكون بنهج الإرهاب والخراب، مشددا على أن شجاعة وتضحيات وتصميم قوات الأمن، وفي مقدمتها الجيش الوطني الشعبي، ستهزم الجماعات الإرهابية التي ترفض الفرصة المتاحة لها للعودة إلى أحضان الشعب. وفي سياق ذي صلة بالحديث عن معالم المبادرة التي يعتزم إطلاقها مستقبلا لتعزيز مسعى الوئام المدني والمصالحة الوطنية أوضح بوتفليقة قائلا"لقد تم ضبط حدود حلم الدولة ولئن ظهرت حاجة الذهاب إلى أبعد من ذلك فلا بد من التفكير، بروية وتبصُّر، في هذا المسعى الجديد و طرحه على الإجماع الوطني"، في إشارة واضحة منه إلى أن الخطوة الموالية تحتاج إلى دراسة معمقة وأن تحظى بإجماع وطني، مجددا تمسكه بشروط العفو الشامل التي سبق وأن أعلن عنها من ولاية تمنراست في الأسبوع الثاني للحملة الانتخابية والمتمثلة في الاستسلام الكامل لبقايا الجماعات الإرهابية كما اعتبر تأشيرة الشعب الجزائري على العفو الشامل ضرورية قبل الذهاب إلى هكذا قرار، مؤكدا بالقول"ومهما يكن من أمر فإنه لا يمكن أن تكتمل شروط إصدار عفو عام شامل لصالح أولئك المتعنتين في انتهاج العنف ما لم يذعن للاستسلام النهائي والكامل بقايا الجماعات الإرهابية التي ما زالت ممعنة في غيها؛ ولن يصدر أي عفو شامل على حساب إرادة الشعب وكرامته؛ كما لا يمكن تصور أي قرار من هذا القبيل على حساب مصلحة الوطن، وبهذا الشرط وحده،ستهدأ النفوس ويفسح المجال للرحمة ثم للعفو عند الاقتضاء"، وكرر بوتفليقة عبارة "لا عفو دون استفتاء شعبي" أكثر من مرة، كرد صريح وواضح على الأصوات المطالبة بالعفو الشامل، وجدير بالذكر أن المترشح وفي مخاطبته لقادة وإطارات الحزب المحظور من ولاية تلمسان سبق وأن ألمح إلى أن أية إجراءات جديدة على طريق المصالحة لن تكون دون استشارة شعبية. الوطنية لا تفرض بمراسيم رئاسية من وجهة نظر بوتفليقة فإن الأزمة الأمنية لم تكن وراء الأرواح التي أزهقت والخسائر المادية الفادحة التي تحملتها الدولة والشعب، وإنما كانت لها نتائج وخيمة زادت من الريبة في نفوس الشباب إزاء الدولة، وشجعت انتشار بعض الممارسات الضارة بين أوساط الفاعلين العموميين في مستويات عدة وجلب ونشر بعض المعتقدات الغريبة عن تقاليد الجزائر، مذكرا بأنه حذر في الماضي وفي أكثر من مناسبة من خطورة تلاشي بعض القيم الأساسية التي تشد وحدة الأمة، وذهب بوتفليقة في خطابه إلى أن الرهان الحقيقي لا يكمن في رفع تلك القيم إلى مرتبة الأسطورة بقدر ما يكمن في ترسيخ الاعتزاز بالوطن في قلوب الشباب و تعميق تعلُّقهم به، وشدد المتحدث على ضرورة اعتزاز الشباب بالوطن بتكرار العبارة لأكثر من مرة وخاطب الحضور بالقول "الحاضر لكم والمستقبل لكم". واعتبر بوتفليقة أن حماية القيم من كل أشكال المساس لا توفرها التعديلات الأخيرة للدستور، بقدر ما يفترض إشراك منظومة التعليم، بجميع أطوارها،في تنشئة الأجيال الصاعدة على احترام تلك القيم، ودعا إلى تلقين الطفولة والشبيبة القيم الصحيحة المستلهمة من الإسلام وقيم السلم والأخوة والتسامح ومن الحضارة العربية الإسلامية؛ و أن نغرس فيهم، منذ الصغر، الحس المدني ومعاني المواطنة وحب الوطن، مشددا على احترام الهوية الوطنية في أبعداها الثلاث:الإسلام والعربية والأمازيغية، وأوصى الشباب بالقول "الهوية الوطنية لا تنسوها أبدا"، معربا عن يقينها أن حب الوطن والتعلق به واحترام قيم الأمة لا يفرض بإصدار المراسيم، بل بتشجيع ذلك خلال القوانين وبرامج التعليم. وفي لحظة اندماج مع آلاف الشباب الذين حضروا إلى القاعة البيضاوية للاستماع إلى مرشحهم وحرصا منه على مخاطبتهم بشكل مباشر وصريح قرر بوتفليقة التخلص من أوراقه وتراجع عن إكمال قراءة الخطاب الذي أعده، ورد عليهم بالقول "سيكون لكم ما أردتم وما دمتم تريدون أن أحدثكم مباشرة دون أوراق سأفعل ذلك وسأترك الخطاب للصحافة المكتوبة وأفرغ قلبي لكم"، واختار بوتفليقة أن يفرغ قلبه للشباب بالعودة إلى الظروف التي تولى فيها شؤون الجزائر وأنه ما كان ليبقى لولا الأغلبية الشعبية التي كانت وراءه والتي دعمته في أربع استحقاقات قائلا"بعد 10 سنوات من العنف والدمار لا أحد كان يتمنى الجلوس على كرسي راشي"، في إشارة منه إلى الظرف الذي كانت تعيشه البلاد سنة 1999. منطقة القبائل خصتني باستقبال وطني وتاريخي أكد بوتفليقة أن البعض كان يتوجس خيفة من زيارته إلى منطقة القبائل، إلا أنه وعندما نزل على ولايتي بجاية وتيزي وزو وجد أن المنطقة خصته باستقبال وطني وتاريخي، والتزم المترشح بتسوية جميع القضايا الاقتصادية أو الثقافية المطروحة في بعض المناطق دون ذكر هذه المناطق بالاسم، وبما أنه بصدد مخاطبة الشباب الذي تفاعل معه بوتفليقة واندمج معه وراح في لحظة يقلد حركاتهم وكأنه لم يتجاوز العشرين ربيعا، عاد للحديث عن الاستثمار في الشباب لأنه الرأسمال الحقيقي للجزائر، كما عاد إلى فتح ملف الرياضة الجزائرية، وقال إن الجزائر بحاجة اليوم إلى ميداليات وفريق وطني لكرة القدم وإلى علم يرفرف في المحافل الدولية، الجزائر بحاجة إلى شباب يبكي الشعب الجزائر في التظاهرات الرياضية الدولية" مؤكدا على أن "أرباح الشباب وانتصاراتهم في الملاعب أكثر بكثير من القرارات السياسية"، كما دعا بوتفليقة الشباب إلى الاهتمام بخدمة الأرض والفلاحة والاستفادة من التحفيزات التي ستقدمها الدولة للقطاع في العهدة المقبلة من خلال الإستراتيجية الفلاحية التي خصصت لها الدولة 1000 مليار دينار، قائلا"أين أنتم يا شباب لا تجعلوا الشهادات الجامعية تبعدكم عن الأرض".