لا يختلف اثنان في أن شعبية عبد العزيز بوتفليقة في أوساط الجزائريين وانجازاته المحققة في العهدتين المنقضيتين ورصيده السياسي والنضالي جعلته يحظى بثقة الناخبين لعهدة ثالثة، كما لا اختلاف أيضا في أن فوز بوتفليقة أمس صنعه رجال منهم من كان في الصفوف الأولى لحشد الدعم والتأييد للرئيس المترشح على غرار عبد العزيز بلخادم ومنهم من اختار الظل لمتابعة ورسم إستراتيجية الفوز في السباق الرئاسي وفي مقدمتهم السعيد بوتفليقة شقيق المترشح. فوز الرئيس المترشح عبد العزيز بوتفليقة أمس بأغلبية ساحقة من أصوات الناخبين في رابع استحقاق رئاسي تعددي تحقق بدون شك بفضل الشعبية التي يتمتع بها بوتفليقة في أوساط الجزائريين، فالرجل أصبح يعرف بصانع السلم والمصالحة الوطنية لأنه أعاد الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد، تماما كما أعاد الأمل إلى نفوس الشباب الذين استعادوا أحلامهم وطموحاتهم بعد عشرية من العنف والدمار كادت تقضي على الأخضر واليابس. بيد أن شعبية بوتفليقة وانجازاته وبرنامجه الطموح لم تكن العامل الوحيد الذي صنع الفوز الكبير في انتخابات أمس من وجهة نظر المتتبعين لسير العملية الانتخابية، وإنما ساهم فيه من يصطلح على تسميتهم "رجال الميدان ورجال الظل"، ولعل في مقدمة هؤلاء الأمين العام للحزب العتيد عبد العزيز بلخادم الذي قاد ومنذ أزيد من سنتين حملة شرسة للدعوة إلى تعديل الدستور وترشح بوتفليقة لعهدة جديدة، وبادر بتعيين لجنة انتخابية حزبية لإعداد الإستراتيجية الانتخابية للحزب الذي كان وراء جمع ما يزيد عن المليون توقيع للمترشح، وخاض بلخادم حملة انتخابية واسعة جاب خلالها البلاد من أقصاها إلى أقصاها لحشد الدعم والتأييد للمترشح وتحسيس المواطنين بضرورة الذهاب إلى صناديق الاقتراع بقوة للتعبير عن خيارهم، كما وضع بلخادم هياكل الحزب ومقراته وإمكانياته تحت تصرف المترشح في الاستحقاق الرئاسي. وبصفته رئيسا للتحالف الرئاسي ساهم عبد العزيز بلخادم إلى جانب شريكيه أحمد أويحيى وأبو جرة سلطاني وقادة التنظيمات الثمانية الكبرى التي أعلنت مساندتها لترشح بوتفليقة في وضع إستراتيجية انتخابية بعد اجتماعات ماراطونية، وخاضوا معركة التحسيس للتسجيل في القوائم الانتخابية ثم الدعوة إلى التصويت لصالح بوتفليقة في حملة هي الأقوى من نوعها، ولم يختلف الدور الذي قام به أحمد أويحيى الأمين العام للأرندي كثيرا عن ذلك الذي قام به بلخادم، فقد طاف بالقرى والمداشر والبلديات والدوائر لتنشيط الحملة الانتخابية وحشد الدعم للمترشح. كما يعد الدور الذي قامت به مصالح وزارة الداخلية والجماعات المحلية بإشراف مباشر من نور الدين يزيد زرهوني حتى قبل استدعاء الهيئة الناخبة وراء نجاح الاستحقاق الرئاسي من خلال الحملة الواسعة التي قادتها الوزارة وجندت لها ما يقارب 40 ألف عون لتصحيح تسجيل أزيد من مليون ونصف مليون ناخب. وإلى جانب رجال بوتفليقة الذين كانوا في الميدان، هناك رجال آثروا الظل لكنهم ساهموا في صناعة الفوز الذي حققه بوتفليقة، وفي مقدمة هؤلاء شقيقه السعيد الذي كان إلى جانبه خطوة بخطوة ويشرف على كل صغيرة وكبيرة في الحملة الانتخابية بنفسه حتى أدق التفاصيل، وكثيرا ما كان يسبق المترشح إلى الولايات التي يتوجه إليها بوتفليقة لتنشيط تجمعاته الانتخابية، بدوره عبد المالك سلال الوزير الأسبق للموارد المائية الذي كان محل ثقة المترشح عبد العزيز بوتفليقة لمرتين متتاليتين ساهم في تحقيق فوز المترشح فقد كان مخطط الحملة الانتخابية لبوتفليقة في انتخابات 2004 و2009 ونجح في رسم حملة انتخابية عصرية للمترشح.