كشف أمس الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد أدائه اليمين الدستورية عن أولويات البرنامج الذي سيجسده خلال العهدة الثالثة، متعهدا بتعميق مسعى المصالحة الوطنية والدفع باتجاه اللامركزية مع الحرص على محاربة الرشوة والمحاباة والمحسوبية، كما شدد بوتفليقة على ضرورة تحضير الاقتصاد الوطني لمرحلة ما بعد البترول. اعترف أمس الرئيس بوتفليقة في أول خطاب ألقاه بعد تأديته اليمين الدستورية بثقل الحمل والمسؤولية التي على عاتقه، لأن الأمر يتعلق بتطلعات وآمال الشعب الجزائري الذي اختاره بأغلبية مطلقة تجاوزت 90 بالمائة من الأصوات في انتخابات 9 أفريل الجاري، وحدد بوتفليقة في خطابه الذي استغرق 20 دقيقة أهم المحاور التي سيركز عليها في برنامجه للعهدة الحالية، وكانت البداية من ملف المصالحة الوطنية الذي يحظى بأهمية خاصة لدى رئيس الجمهورية، وجدد بوتفليقة عزمه والتزامه بتعميق المسعى الذي سانده الشعب بقوة في العهدتين المنقضيتين، مبرزا دور المصالحة في إرساء السلم المدني، وقال إن من شأن المصالحة الوطنية تعزيز التلاحم الاجتماعي مستقبلا وضمان ديمومة الوحدة الوطنية. وفي تطرقه إلى الملف الاجتماعي اعترف رئيس الجمهورية بالصعوبات التي ما تزال تواجه فئات عريضة من المواطنين رغم الجهود المبذولة طيلة العهدتين المنقضيتين في سبيل تحسين المستوى المعيشي للمواطن، مؤكدا أن السكن وتوفير المياه وشبكات الصرف الصحي والطاقة والهياكل الصحية في مقدمة البرامج الاستثمارية التي ستكون لها الأولوية في العهدة الحالية، كما اعتبر بوتفليقة أن تعجيل تحديث المرافق العمومية وترشيد تنظيمها و تسييرها على الوجه الأنسب هي الأهداف التي ستسهر الدولة على تحقيقها، مشيرا إلى أنه من حق الشعب الجزائري أن يرجو جني ثمار الجهود الجبارة التي بذلت من أجل إقامة المنشآت القاعدية على اختلافها وتوفير الوسائل اللازمة لتسييرها. وشدد بوتفليقة على ضرورة الإسراع في إصلاح هياكل الدولة والعمل على إرساء اللامركزية الفعلية بتحقيق التنسيق بين المهام المحددة والوسائل المتوفرة، مبرزا أهمية أن يكون بإمكان اللامركزية التي يسعى لإرسائها صمام أمان من الانزلاق من خلال إرفاقها بأدوات رقابة ناجعة لكن دون أن تتحول هذه الأدوات إلى عائق يشل المبادرة ويجهضها، كما ألح رئيس الجمهورية على ضرورة أن تكون مبادرة اللامركزية متماشية مع انخراط واسع ومسؤول للمواطنين في المسعى بما يعطي لمفهوم الرقابة الشعبية مدلولها، وقال إن الدولة تلتزم في المقابل بتعزيز مساعيها الرامية إلى ترقية وتنمية الحس الوطني وثقافة المواطنة في أوساط الشباب بشكل خاص من خلال المقررات التربوية. وفي سياق ذي صلة بالتزامات الرئيس بوتفليقة للعهدة الحالية أثار المتحدث ملف المحاباة والمحسوبية، مجددا عزمه مواصلة الحرب على هذه الممارسات التي تعد من وجهة نظره أهم مصدر للإحباط ولتثبيط العزائم، ودعا إلى ضرورة تطويق الرشوة والفساد الذي يجعل الناس يعزفون عن الجد والكد، مثلما يذهب إليه رئيس الجمهورية، ومعلوم أن بوتفليقة أثار في أكثر من مناسبة خلال عهدتيه المنقضيتين قضية الفساد والرشوة وتفشي المحاباة والجهوية في الإدارة الجزائرية. وفي الشق الاقتصادي فقد ذهب رئيس الجمهورية إلى أن الظروف أصبحت مواتية لمباشرة حركة واسعة لتنويع النسيج الاقتصادي للبلاد وتكثيفه، وقال إن الدولة ستسعى بكل طاقاتها إلى حفزه و دعمه بإنعاش الاستثمار في فروع الاقتصاد العمومي و بالسعي إلى كسر بقايا العراقيل التي قد تكبح المبادرة الخاصة وبالتشجيع الجبائي للنشاطات التي تدر قيمة مضافة كبيرة و تلك التي ترتكز على الإبداع و التجديد، تحضيرا لمرحلة ما بعد البترول، مذكرا بأن الجزائر نجحت في تفادي انعكاسات الأزمة المالية العالمية على اقتصادها بفضل قرار التسديد المسبق للمديونية الخارجية وتشكيل احتياطات مخصصة لمواجهة تقلبات أسواق النفط. على صعيد آخر التزم بوتفليقة بمواصلة إصلاح المنظومة التربوية وتطوير الوسائل البيداغوجية للتكفل بالأعداد المتزايدة من الطلبة في مرحلة التعليم العالي، والعمل على ترقية البحث العلمي وضرورة أن ينفتح على المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، ولدى تطرقه لموضوع الإدماج الاجتماعي للشباب، ذكر رئيس الجمهورية بارتفاع عدد المتربصين في التكوين المهني خلال العقد الفارط بثلاثة أضعاف، مشيرا إلى أن هذا المسعى سيتواصل بالتركيز على توسيع الإمكانات مجددا و على مزيد من التنويع وعلى مرونة أكبر في البرامج بما يجعلها تستجيب لحاجات الاقتصاد الوطني، وفي مجال التشغيل جدد بوتفليقة عزمه وتصميمه على إنشاء ثلاثة ملايين منصب شغل خلال السنوات الخمس المقبلة. كما اعتبر بوتفليقة في حديثه عن دور وسائل الإعلام أن حرية الصحافة هي جزء أساسي من المشروع الديمقراطي الذي يحرص على تجسيده، مجددا التزامه بالعمل على توفير الشروط اللازمة لعدالة أكثر احترافية وأكثر حيادا و أكثر استقلالية في أحكامها. وعلى الصعيد الدولي أكد الرئيس بوتفليقة أن الجزائر ستواصل السعي على الساحة الدولية من أجل ترقية عالم أكثر عدلا وأكثر تضامنا، مع العمل على دمقرطة المؤسسات الدولية، مجددا بالمناسبة مواقف الجزائر في العالم العربي وفي إفريقيا وفي العالم الثالث ومساندتها لكافة القضايا العادلة لاسيما قضايا الشعوب المكافحة من أجل التحرر مثل الشعب الفلسطيني والشعب الصحراوي.