مهما كانت الأهداف التي حرّكت جماعة مناصرة لإعلان الانشقاق والطلاق رسميا مع القيادة الحالية لحركة مجتمع السلم، فإن إعلانها عن تأسيس إطار أسمته "حركة الدعوة والتغيير" يعتبر تتويجا لتناقضات شهدتها حمس لأزيد من عشرية من الزمن، وإن كانت هذه النهاية لم تكن محسوبة فإنها تشكل في آخر المطاف ضربة قاصمة لحزب إسلامي انتهج سياسة "رجل في السلطة وأخرى في المعارضة". إلى وقت غير بعيد كان أبو جرة سلطاني، من موقعه رئيس حمس، يعتبر مسألة انسحابه من الحكومة أمرا غير وارد وغير قابل للنقاش على الإطلاق، بل إنه كان على قناعة بأن مجرد الخوض في هذا الموضوع من المحرّمات وقد قبل بحقيبة وزارية دون مهام واضحة وتحدى كل خصومه داخل الحركة التي يتولى تسيير شؤونها، ولكنه تراجع هذه المرة أمام الهزة العنيفة التي أحدثها خصومه السابقون باختيارهم شق طريق آخر غير حمس من أجل النشاط يتقدمهم عبد المجيد مناصرة وسليمان شنين والسيناتور هباز وعدد آخر من الإطارات والنواب والمؤسسين لحركة الشيخ الراحل محفوظ نحناح. والواضح من خلال تتبع مسار حركة مجتمع السلم أن الخلافات التي وصلت إليها كانت نتيجة طبيعية لما يمكن أن نعتبره "مسارا غير طبيعي" لأن الإجماع لم يكن حاصلا على الإطلاق على تبني سياسة شد العصا من الوسط مثل ما يحدث الآن وحدث قبل أكثر عشر سنوات، فالحقيبة الوزارية التي يشغلها سلطاني في الجهاز التنفيذي هي من يقف وراء هذه الفتنة وكانت أيضا بمثابة القطرة الذي أفاضت الكأس والمبرّر الذي تمسك به مناصرة وأنصاره لإبداء معارضتهم العلنية لرئيس حمس، والواقع أن ذلك لم يكن الأمر الوحيد الذي يقف وراء تحرك المعارضة الداخلية التي لم تتوان في توجيه اتهامات للقيادة الحالية ب "الانحراف عن الخط الذي رسمه الشيخ الراحل محفوظ نحناح". وفي اعتقادنا فإن التأثيرات السلبية على مستقبل حركة مجتمع السلم وعلى استقرارها الداخلي عموما لن تظهر في الحين، ومع ذلك هناك مؤشرات تؤكد صحة هذا الاعتقاد خاصة بعد تمسك سلطاني وجماعته ب "خيط" المصالحة التي من المستبعد أن تتجسد لأن الخلافات أكبر بكثير مما نتصوّره، وفي هذا مؤشر آخر على أن قيادة حمس تدرك أن ما يجري حاليا سوف لن تكون له عواقب محمودة على المدى المنظور على الأقل، وعليه فإن حركة "الدعوة والتغيير" التي من الممكن أن تتحوّل إلى حزب سياسي معتمد ستضع حمس على كفي عفريت بالمعطيات الحالية، كما أن جماعة مناصرة تلعب حاليا على وتر المناضلين أو القاعدة لكسب رهانات المرحلة المقبلة وهو الأمر التي بات يشكل تخوفات سلطاني إلى درجة دفعت به إلى التخلي طواعية، أو لنقل مكرها لأن ذلك هو الأقرب إلى الحقيقة، عن منصبه في الحكومة في خطوة وصفه خصومه ب "المناورة". لقد جنت حركة سلطاني ثمار سياسة طالما أفقدتها مصداقيتها وزحزحت بها إلى الوراء فلم يكن لديها من حل سوى الدخول في بيت الطاعة والانضمام إلى صف السلطة مع الاحتفاظ بنوع من التحفظات التي تبقيها شكلا تمارس المعارضة، فكانت الهزة من الداخل قبل أن تكون من الخارج، وهو دليل على أن انضمام حمس وبقاءها ضمن ائتلاف التحالف الرئاسي لم يحظ بالإجماع كما لم تحظ سياسة "رجل في المعارضة وأخرى في السلطة" باتفاق بين أبناء حمس، ولن نبالغ إذا جزمنا بأن القرارات التي خرج بها مجلس الشورى سوف لن تشفع في إعادة ترتيب البيت مثلما يراهن عليه الشيخ أبو جرة. ومهما تعدّدت القراءات واختلفت المواقف بشأن ما يجري في بيت حمس فإنها تتقاطع عندما قناعة مفادها أن حركة مجتمع السلم تمر بمرحلة حرجة جدا تعكس فعلا وضعية الأحزاب السياسية الإسلامية تحديدا في الجزائر، وما أقدم عليه عبد المجيد مناصرة مرفوقا بما لا يقل عن 40 إطارا من المؤسسين لحركة الشيخ نحناح يعتبر استكمالا لأولى خطوات الخروج عن بيت طاعة أبو جرة سلطاني التي ظهرت بجلاء خلال المؤتمر الرابع للحركة المنعقد في مثل هذا الوقت من العام الماضي، حيث لم تشفع "خطبة الجمعة" في الحفاظ على استقرار هذا الحزب الذي يصنف في خانة "أقوى حزب سياسي إسلامي في البلاد".