التقيت مع زميل لم أتلقيه منذ مدة طويلة، كان منتخبا ، في مجلس ولائي، ومنذ أن جمّد نشاطه الحزبي ضمن أحد الأحزاب التي تعرض لعدة انشقاقات ، وبعد تبادل التحية ، سألته عن المآل الذي آله، وفي أي حزب هو ، وأي خط سياسي ينتهج ، وغيرها من الأسئلة. استمع إلي أسئلتي باهتمام ثم قال لي : هل هناك حزب سياسي ؟ بل هل توجد السياسة أصلا حتى تسألني في أي حزب سياسي أنشط ؟ ثم أردف قائلا : بالله عليك إذا عثرت عن السياسة في طريقك أخبرني .. تذكرت هذه الحادثة ، عندما استمعت بعض الناس الذين لا صلة لهم بالسياسة، يتساءلون عن الحكومة القادمة، عن شكلها ولونها ورجالها ونسائها ومتى يتم الإعلان عنها ومن سيكون الوزير الأول فيها وغيرها من الأسئلة .. وفعلا عندما أصبحت السياسة محل حديث في مجتمع غير سياسي ضاعت السياسة. فما دخل عاملة في النظافة في أي مؤسسة كانت في الحكومة إن تشكلت أم لا ؟ وما دخل سائق سيارة أجرة في الموضوع .. نعم من حقهم أن يتساءلوا أن ينشغلوا أن يعبروا عن رأيهم فيمن هو أحق بالإستوزار وغيرها .. لكن أن يتعطل العمل لأن الحكومة لم تستقل وأن بوتفليقة لم يكوّن حكومة جديدة .. فهذا أمر غير مفهوم. أنا أتفهم أن الشعب الجزائري شعب سياسي، يدلي بدلوه في كل أمور السياسة، وكأنه فقيه في أمورها وملتوياتها ودواليبها .. وأنا أذكر أنه خلال الحزب الواحد ، عندما كان الحقل السياسي والإعلامي مغلق، كان المتفرجون يرددون شعارات سياسية ويذكرون حتى أسماء الوزراء ونسائهم في ملاعب كرة القدم .. لكن كون الشعب سياسي لا يعني أن يتوقف الشغل ويقل المردود ، ويصبح موضوع الحكومة مقلق للجميع. إن موضوع السياسة ، هو موضوع النخبة السياسية ، لكن المردود السياسي لهذه النخبة بات في تراجع ، فعدد الشخصيات السياسة المؤثرة قليل ، والآداء الحزبي انهار، والمعارضة الجادة أفلت، وبزغت نخبة سياسة ضعيفة، وموسمية ، ومتعجلة الوصول إلى " الكرسي " أو إلى النفع العام، وهذا ما يفسر في بعض جوانبه أن كل من هب ودب أصبح سياسيا. ولذلك قال لي صاحبي، أين هي السياسة ؟ إن وجدتها بالله عليك أخبرني. إنه الفراغ الذي يجب ملأه بشيء جاد ..