قررت ما يسمى ب "الجمعية المغربية لضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر" اللجوء إلى المحاكم الدولية لمقاضاة الحكومة الجزائرية بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" ، وزعمت من جهة أخرى أنها راسلت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة دون جدوى، ويبدو تحرك هذه الجمعية في الظرف الحالي غير بريء، له علاقة مباشرة بالحملة الرسمية التي يقوم بها النظام المغربي ضد الجزائر خاصة في مسألة الحدود وبالاستعدادات لبدء جولة جديدة من المفاوضات بين الرباط وجبهة البوليساريو. عقدت ما يسمى "الجمعية المغربية لضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر" مؤتمرها الاستثنائي تحت شعار"حتى لا ننسى التاريخ"، وحضر المؤتمر، حسب ما أورده موقع الجريدة الاليكترونية المغربية "هسبريس"، رؤساء مكاتب الفروع المنضوية تحت لواء الجمعية من داخل المغرب وخارجه، "قصد التعارف بين أعضاء الجمعية والتطرق لنقاش بعض المستجدات حول ملف المطرودين من الجزائر عام 75 ". ويبدو أن الجمعية المذكورة لا تريد ان تختصر لقاءاتها في سرد ما تسميه بمأساة المغاربة الذين تدعي أن الدولة الجزائرية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين طردتهم بشكل تعسفي من الجزائر بعد مسيرة "العار" التي يسميها المغاربة المسيرة الخضراء التي انتهت باحتلال الصحراء الغربية سنة 75، بل تطور الأمر، حسب ممثل الجمعية في فرنسا محمد الشرفاوي، إلى رفع دعوى قضائية في محاكم دولية ضد النظام الجزائري، وبعد التساؤل : هل للجمعية القدرة على مواجهة دولة، أضاف بأن "الجمعية تستطيع أن ترفع دعوى قضائية في محاكم دولية ، وهذا ممكن كما حصل في يوغسلافيا لما تقدم أناس بدعوى ضد نظام الحكم هناك، وهذا يتطلب الصبر واعتبار عامل الوقت شيئا مهما.. ولو بقينا عشر سنوات أو أكثر"، داعيا فروع الجمعية المنتشرة في المغرب إلى جمع الوثائق اللازمة لتحريك الدعوى. ويبدو أن جيراننا قد فقدوا أعصابهم وأصبحوا يتوهمون أي شيء خدمة لسيناريوهات نظام المخزن، وربما أيضا طمعا في الحصول على مزايا وتعويضات، وبعدما كانوا يتحدثون عن 45 ألف مغربي شملهم قرار الطرد المزعوم، وهو رقم مبالغ فيه ولا أساس له بحسب شواهد موضوعية كثيرة، أضحى المغاربة يتحدثون، حسب آخر التصريحات لمحمد الهرواشي رئيس ما يسمى ب "جمعية ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر"، عن 350 ألف مطرود بشكل تعسفي، وربما تحدث هؤلاء في المستقبل عن الملايين. المغاربة يصفون ما يسمونه "الترحيل التعسفي" ب "المسيرة الكحلاء" أي السوداء، اعتقادا منهم أن مسيرة العار التي جر بموجبها الملك الراحل الحسن الثاني المغاربة رغم أنوفهم لاحتلال الصحراء الغربية كانت "مسيرة خضراء"، فهم يتباكون على ما يسمونه إجحافا في حقهم وقد طردوا من بلد غيرهم ورحلوا إلى بلدهم، لكنهم لا يذرفون ولو دمعة عن الشعب الصحراوي الذي احتلت أرضه وشرد ولا يزال إلى حد الآن يعاني الويلات ويعذب في السجن "لكحل" وفي باقي مراكز التعذيب والاعتقال المغربية. لقد زعم المغاربة أن الكثير من سكان الريف، بعد حرب الريف انتقلوا إلى الجزائر ومعهم تجربة الزعيم عبد الكريم الخطابي، وأن 90 بالمائة من رجال الثورة الجزائرية في غرب وشمال الجزائر كانوا مغاربة، وذلك الادعاء هو بلا شك نكتة لم نسمع مثيلا لها قط من قبل، فأولا كان على أصحاب هذا الادعاء أن لا يسرحوا بأوهامهم بعيدا، لأن الشعب الجزائري الذي قدم للعالم الدروس في الجهاد والتحرر ومقاومة المحتل، هو الذي علم القلة القليلة من المغاربة الذين ثاروا ضد الاستعمار في الريف قيم الجهاد والذود عن الأوطان، وإذا كان عبد الكريم الخطابي هو رمز يفتخر به المغاربة، وهو من دون شك مجاهد كبير وقائد فذ يقدره كل الأحرار في العالم، إلا أن في الجزائر العشرات بل المئات من أمثال ذلك المجاهد الذي نعتز به أيضا، وتاريخ المقاومات الشعبية المسلحة لا يحتاج إلى دليل لمن له حد أدنى من الثقافة التاريخية، والسؤال المطروح إذا كان 90 بالمائة من المجاهدين في غرب ووسط الجزائر هم من المغاربة، فما الذي جعل هؤلاء "الأبطال" يشاركون في تحرير الجزائر ويتركوا أراضي بلدهم المغرب محتلة من الاسبان ويتخلوا عن سبتة ومليلية، بل على الصخور حتى لا نقول الجزر التي لا تبعد إلا بضعة أمتار عن مملكة جلالته على غرار "جزيرة ليلى"؟ أصبحت اجتماعات الجمعية المذكورة وبعض الجمعيات الأخرى التي يوظفها نظام المخزن للضغط على الجزائر ومحاولة تشويه صورتها، إلى منابر للتهجم على الجزائر ووصف مؤسساتها خاصة المؤسسة العسكرية بأشنع الأوصاف، وهكذا تحول انتقاد الجزائر إلى متنفس لأشقائنا المغاربة لينسوا القهر الذي يعانون منه على يد "أمير المؤمنين" وحاشيته ونظام المخزن ككل. فالجمعيات ووسائل الإعلام المغربية التي تسبح بحمد جلالته تحولت إلى مجرد أدوات يستعملها النظام المغربي لخدمة سيناريوهات سياسية مفضوحة، ولن نحتاج إلى الكثير من الذكاء لإيجاد الربط بين التحركات التي تقوم بها هذه الجمعية التي تدعي تمثيل "ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر" والحملة الأخيرة لرموز النظام بشأن الحدود البرية المغلقة مع الجزائر، وبخصوص المحاولات الجارية لتحميل الجزائر مسؤولية تعثر المفاوضات الثنائية مع جبهة البوليساريو.