منذ ذاك المشهد الذي صدم الحضور بين الرئيس زروال آنذاك والراحل عبد الحق بن حمودة في مقر الاتحاد العام للعمال.. منذ ذاك التاريخ قررت السلطة أن تستردّ هذه المنظمة الجماهيرية وبنفس صيغة عهد الأحادية، فجعلت من المركزية النقابية حليفا طيّعا للحكومة وجهازا مساندا لما سيتقرّر مهما كانت طبيعة التحولات والكلفة الاجتماعية لها. طبعا لم تكن المركزية النقابية وحدها بل ذاك ما وقع لجميع المنظمات والجمعيات الكبيرة بما فيها التي تحتكر التاريخ أو "تناضل به".. ربما وجد الرئيس بوتفليقة أن النظام السياسي في هذا البلد لا يزال يحتاج إلى "الشرعية التاريخية" التي قال هو نفسه بأن أوانها انتهى، ولكنه يعلم تماما أن تحديث الدولة وبلوغ العدالة الاجتماعية ومجتمع الرفاه رهين بشرعية جديدة هي شرعية الكفاءة والعمل، وأن تدعيم الحريات النقابية وحرية الصحافة والرأي واستقلال القضاء من الأدوات الضرورية لبلوغ تلك الغايات. حتى وإن صارت المركزية النقابية حليفا دائما باسم الحوار الاجتماعي والتهدئة إلاّ أن القاضي الأول في البلد لن يخطئ التقدير مادامت نقابات مستقلة في قطاعات معينة تحشد العمال والموظفين في احتجاجات نزلت إلى الشارع للمطالبة بالحقوق وتحسين الأجور ونظام التعويضات وما إلى ذلك.. سواء تعلّق الأمر بالتعليم العالي أو الصحة أو التربية أو الإدارات..فإن هذه النقابات المستقلة رغم الصدّ الذي تلاقيه من الجهات الوصية إلاّ أنها تمكنت من الاستمرار في التصعيد والاحتجاج، وثبت مع الوقت أن المركزية النقابية لا تفعل شيئا أمام هذه المشكلات والمطالب، بل إن تمثيلها في هذه القطاعات تدهور وتدنّى في السنوات الأخيرة. لم يكن في يوم من الأيام الفاتح ماي عيدا للبرجوازيين أو الأثرياء أو المضاربين أو الفارين من الضرائب أو المتلاعبين بالمال العام أو الخائنين لطبقة الأجراء والخدّامين.. ظل الفاتح ماي عيدا للعمال..للكادحين..للغلابى الذين يشتغلون لتأمين لقمة العيش لأبنائهم عند أرباب العمل الذين لا همّ لهم إلاّ الاستغلال والربح.. من الواجب اليوم أن تصحو الدولة من غفوتها وتطهّر قطاع الشغل من كافة أشكال الاستغلال والتحايل على القانون وأكل حقوق الخدّامين، ومحاربة التهرب الضريبي والحماية الاجتماعية والأجور المفقرة وتشغيل الأطفال والمساومات وما إلى ذلك.. لقد طال أمد غياب الرقابة وحضور الدولة لحماية أبنائها وتأمين حق المجتمع في الرفاه والعدالة. لا مستقبل للعمل النقابي والحراك الاجتماعي دون استقلالية.