انتفاضة العراق الشعبية تقترب من لحظة انطلاقها .. وخندق بغداد امتد واقعا جغرافيا انتهى الجيش الأمريكي من تنفيذ آخر مراحله وستعود به بغداد إلى زمن العصور الوسطى وتغادر كليا عصرها الحديث.. فقد أخذت جغرافيا المعازل مكانها المتسع في الفكر الحديث السائر في فلك الطريق الأمريكي للحياة المنتفضة على معناها الإنساني خلف جدران عازلة عن محيطها الطبيعي... وانتهى العمل من حفر خنادق حول بغداد يبلغ طول محيطها حوالي 100 كيلومتر تقريبا تحتضن مدينة كبرى يصل عدد سكانها إلى 6 ملايين نسمة أو يزيد..تطبيقا لمخططات عسكرية تكتيكية وضعها مهندسو "البنتاغون" لضمان" أمن" القيادة الأمريكية وواجهتها الممثلة في أعضاء "حكومة محلية أعجمية" .. ولم ينفع نفي جواد المالكي ما أكدته أمريكا حينها بلسان الرئيس المتقاعد جورج بوش في واشنطن حيث اعلن "ان لدى المسؤولين الأميركيين والعراقيين خطة لنصب المتاريس حول المدينة فأن العدو حسب قوله يغير من تكتيكاته التي تفرض على القوات العسكرية ان تتكيف معها" ... الإعلان الأمريكي الصريح فضح الأمر ويدفع حكومة "المالكي" الى الإعلان عنه رسميا.. ومهد لذلك ما يسمى ب" مستشار الأمن القومي" المدعو موفق الربيعي " شاهبوري" في مقابلة صحفية بعد التزام "حكومة الاحتلال" بالتزام الصمت عند الإعلان عن حفر خندق بغداد .. فهم يسمونه قناة أو حاجزا مائيا ويتحاشون فكرة الإعلان عن الخندق أو الجدار العازل.. فهي فكرة تعود لقرون طويلة وتعتمد إقامة الجدران الترابية حول المدينة أو حصرها داخل خندق محكم أيام العصور المظلمة.. وعبثا تسعى وزارة الداخلية إلى التخفيف من وطأة وقعه على البغداديين وهي تميل إلى وصفه بأنه مجرد "عائق مادي يستخدم فيه الماء والتراب مع إبقاء عدد محدد من المداخل المؤدية إلى بغداد".. والحقيقة يعلنها المسؤولون والأميركيون ويكشفون عن واقعها المكون حسب وصفهم من "تركيبة متداخلة من الخنادق المحفورة والعوائق الطبيعية و السواتر وأكوام من التربة تدفع في المكان بواسطة جرافات وتكون مرتفعة بما يكفي لمنع العربات من العبور".. وبغداد التي تحاصر خلف خندق عازل لن تحتفظ إلا - ب "28" مدخلا في شكل نقاط تفتيش للشرطة والجيش لتنظيم عملية الدخول والخروج منها واليها بإشراف قوات الاحتلال الأمريكي .. وهدف الخندق من وجهة النظر الأمريكية هو "المساعدة في وقف التدفق إلى المدينة ومنها ومن اجل مساعدة مراقبة تحرك الأسلحة غير القانونية و المواد المستخدمة في العبوات الناسفة، ونقل الأشخاص مثل ضحايا الاختطاف الذين قد يتم نقلهم إلى خارج المدينة"... وقبل الخندق الذي سيحاصر بغداد .. كانت الخنادق قد حفرت حول مدن وقرى صغيرة منذ بدء الاحتلال الأمريكي حيث تمت إحاطة عدة مناطق اصغر مساحة بالسواتر وحتى أحياء من بغداد طوقت بالحواجز الكونكريتية لإجبار الناس على المرور من خلال نقاط تفتيش محددة.. وبعد دخول مشاة البحرية الأميركية إلى الفلوجة أحيطت تلك المدينة الصغيرة بشبكة مكثفة من السواتر خاصة على الطرق الصغيرة .. ووضعت مدينة كركوك في ظل الحملة الأمريكية خلف عوازل وخنادق متنوعة.. خطط الاحتلال الأمريكي البغيض في مد الخنادق العازلة لمدن لم تغلق يوما أو يحاصر سكانها .. هي تمهيد لصد مد انتفاضة شعبية كبرى منتظرة لن تتوقف عند حاجز كونكريتي أو ساتر ترابي وستفتح أبواب المنطقة الخضراء وهي تطارد غلمان كسرى الفارين عبر "قصر شيرين".. الخنادق لا تحمى المحتل دائما فقدره شاء أو أبى الاندحار لا غير في انتفاضة العراق الشعبية، التي يقترب زمن انطلاقها.