هذا الأسبوع هو أسبوع كوريا الجنوبية. العالم الغربي كله منشغل بهذا البلد الأسيوي الصغير. الصحافة الغربية الصادرة هذه الأيام كلها تتساءل: ماذا تريد بيونع يونغ؟ ولماذا تخسر الملايين من الدولارات على تطوير السلاح النووي؟. للإجابة عن السؤال، تلجأ مختلف وسائل الإعلام الغربية إلى المحللين والمتابعين للشأن الكوري واللذين يتحدثون في كل شيء ويوردون مختلف الحجج والأسباب التي تجعل نظام الحكم بكوريا الشمالية يخصص مبالغ معتبرة من ميزانيته لتطوير دفاعاته ولحيازة السلاح النووي. من خلال متابعة ما ينشر حول هذا الموضوع بالذات نلاحظ مدى صحة ما يذهب إليه المعارض اليساري الأمريكي نعام شومسكي عندما يقول بأن الرأي العام الغربي غبي وبليد فهو يصدق كل شيء ويقبل بكل الآراء التي تقدمها له وسائل الإعلام المختلفة. ما يكتب حول الموضوع يصب كله في اتجاه واحد وهو أن النظام السياسي في كوريا الشمالية يريد من وراء "تحدي العالم" تجاوز مشاكل داخلية وضمان الانسجام الوطني بإذكاء الروح الوطنية. معظم التحاليل ذهبت في هذا المنحى متجنبة التعرض للأهم في الموضوع. الأهم يتعلق أساسا بأمن هذا البلد ومستقبله، فكوريا عموما، بشمالها وجنوبها لها وضعها الخاص، إذ أنها قسمت إلى دولتين واحدة في الجنوب وتسير في فلك الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لها بها حضور عسكري قوامه 28 ألف فرد، والأخرى في الشمال وتعتبر من آخر البلدان التي لازالت تتبع النهج الاشتراكي. المعروف أن الكوريين من الجانبين تواقون للوحدة الوطنية وقد خاض طلبة الجنوب العديد من المحاولات في هذا الاتجاه لكن الكل يعلم أن ذلك ليس بالأمر الهين خاصة وأن القوى العالمية المؤثرة في المنطقة كالولاياتالمتحدةالأمريكيةواليابان وإلى حد ما الصين الشعبية لا تنظر إلى هذه الوحدة بعين الرضا. كوريا الشمالية حساسة جدا لقضية الأمن الوطني، خاصة مع تفكك الاتحاد السوفييتي واندثار الاشتراكية بهذه القطعة من العالم، فهي عانت كثيرا من ويلات الاستعمار الياباني الذي أحتلها لمدة أربعين سنة (1905 – 1945)، ولم تستعد سيادتها إلا بفضل تضحيات بلغت المليون فرد من أهل الشمال، ولا زالت العلاقة بين البلدين متوترة لحد الآن حيث تطالب كوريا الشمالية بحقها في التعويض لما لحق شعبها من تقتيل ومهانة على يد الاستعماريين، وهو ما يرفضه اليابان الذي لا يعترف بهذه الدولة وليس له بها تمثيل دبلوماسي والذي يرى في اكتساب كوريا للسلاح النووي تهديدا لأمنه وسلامته. كوريا الشمالية لها أيضا مشاكل حدودية أمنية مع جارتها الشقيقة والتي بلغت حد توقيف القطار الذي يربط بين الكوريتين مع نهاية السنة الماضية، ومنذ أسبوعين فقط أغلقت كوريا الجنوبية شركاتها العاملة بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بكايسونغ والتي يعمل بها عدد معتبر من العمال الكوريين الشماليين. كما أن لبيونغ يونغ الكثير من القضايا العالقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض الدول الغربية كفرنسا والتي، على غرار اليابان، لا تعترف بها، كما تصنفها الولاياتالمتحدة، منذ وصول جورج بوش الابن إلى الحكم، ضمن ما يسميه بمحور الشر، وتمارس عليها حصارا اقتصاديا. هذا الوضع الأمني الصعب، خاصة منذ تفكك الكتلة الاشتراكية، فرض على كوريا الشمالية السعي لتطوير دفاعها بكل الوسائل. ولأنها تدرك جيدا أنه مهما بلغت قوة جيشها، البالغ تعداده حاليا حوالي 800 ألف فرد، فأنه لا يضمن، في ظل التطور التكنولوجي، الأمن التام ولا يشكل مظلة حقيقية تقي البلد من شر الطامعين إلى تغيير نظام حكمه وإضعافه للسيطرة عليه، فقد عملت القيادة السياسية لهذا البلد على اكتساب الرادع النووي الضامن وحده لأمن وسلامة البلد لأنه يشكل المظلة الأمنية الحقيقية. السؤال المطروح اليوم هو: ماذا تستطيع الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية فعله لمواجهة النووي الكوري؟ لا شك أن الكوريين الشماليين وهم يعلنون نجاح تفجيرهم النووي كانوا يدركون جيدا أن الدول الغربية مجتمعة لن تستطيع فعل أي شيء، فجيوش هذه الدول غارقة في المستنقعين العراقي والأفغاني ولا يمكن تصور أن تبادر إلى إشعال جبهة أخرى خاصة إن كانت هذه الجبهة قد تجاوزت الخط الأحمر وأصبحت العضو التاسع في النادي الضيق لمالكي السلاح النووي. عدم القدرة على المبادرة تظهر خاصة من خلال تصريح كاتب الدولة الأمريكي للدفاع، روبار غاتس، الذين اكتفى بالقول بأن "الولاياتالمتحدةالأمريكية جاهزة للرد إذا هددت بيونغ يونغ الولاياتالمتحدة أو حلفاءها في آسيا"، وهدد كوريا الشمالية بالعقاب الصارم إن هي عملت على "تصدير" السلاح النووي.. إنه منطق الولاياتالمتحدة التي لا تتجبر إلا على اللذين يخشون قوتها أو يركعون لجبروتها أما اللذين يتحدونها بالعقل وبالبحث العلمي والاعتماد على الكفاءات الوطنية فأنها تصبح أضعف من أن تواجههم.