يحي طلبة الجزائر كل سنة ذكرى تاريخية هامة من تاريخ ثورة نوفمبر العظيمة، ففي مثل هذا اليوم من تاريخ .19ماي 1956 عرفت الثورة التحريرية المباركة منعطفا نوعيا، فدخلت الشبيبة المتعلمة المتنورة آنذاك قلب الثورة ووهبت النفس فداء للوطن. تعود هذه المناسبة وكل ماتحمل من مثل ورمزية ، بعد أن حرر الشعب الجزائري أرضه وأرسى قواعد دولته الفتية التي زكاها بتضحيات جسام، دفع فيها مليونا ونصف مليون من خيرة أبناءه، وسجل بحروف من ذهب مجد وفخر الشعب الجزائري في سجل التاريخ العالمي للثورات التي عرفها الإنسان في التاريخ المعاصر، بل وكانت ثورة لكل أبناء الأمة العربية من مشرقها إلى مغربها، إذ وجد فيها كل عربي غيور رمز الكرامة والعزة التي سلبت من أمته منذ أمد طويل.. إن الاحتفال بمرور52 سنة على إضراب الطلبة الجزائريين، والتحاق بعضهم بصفوف جيش وجبهة التحرير الوطني، يعتبر حدثا متميزا، وبعدا آخر لمسيرة الثورة آنذاك. إن ترك مقاعد الدراسة على مستوى الجامعة، وعلى مستوى بعض الثانويان ، يعتبر ضربة قاضية لأحلام ورهانات الاستعمار الفرنسي الذي كان يأمل في احتواء النخبة المتعلمة تحت غطاء فكرة الإندماج التي كان يروج لها، ووجد من الجزائريين من تبناها وعمل لها .. ورغم قلة هؤلاء الطلبة، وانتمائهم إلى شريحة اجتماعية جزائرية محضوضة نسبيا مقارنة مع السواد الأعظم من الشعب المظلوم الكادح، المهجر، المسجون في المحتشدات، وفي مراكز التجمعات الإجبارية في أحسن الأحوال.. إن استقطاب الشباب والعنصر المتعلم منه على وجه الخصوص يعتبر فوزا عظيما لثورة نوفمبر الخالدة، بل وانتصارا للخطاب الثوري الواعي والمقنع بشرعية الكفاح المسلح كطريق حتمي وعادل لما أخذ بالقوة، وهكذا يكون الطالب الجزائري رمز البطولة والفداء قد برهن على استعداده للمشاركة في الكفاح المسلح عن طواعية مثل باقي شرائح المجتمع الأخرى، إنها صورة خالدة لهذا الشاب الذي ساعفه الحظ ليشغل مقعدا في الجامعة أو الثانوية ليتعلم إنه قد تفاعل وآمن بثورة العظماء .. إن استراتيجبة حزب وجيش التحرير المتفائل بالمستقبل والمؤمن بالله، والثائق بنفسه، وشرعية مطلبه وحقه في الحرية، أدرك بكل مسؤؤلية وبعد نظر ولهيب الثورة نارا تلظى على الاستعمار وإذنابه، بان بدأ في إعداد العدة للغد المشرق، وان واجب بناء دولة الاستقلال يقتضي تحضير الكوادر والإطارات التي تضطلع صباح الاستقلال بتسيير مرافق الدولة ومؤسساتها، فبادرت الدولة بإنشاء مصالح لإدارة شؤؤن البعثات الطلابية في الخارج، وبخاصة ما تعلق منها بالمشرق العربي وبعض الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية، كانت تمثل تلك الدفعات النواة الحية التي نهضت فيما بعد بمؤسسات الدولة وسدت بعض الثغرات الإستراتيجية في دواليب الدولة . لقد أنضجت الثورة مبكرا الفكر الوطني لدى الشباب الجزائري، فسطع نجم كثير من الطلاب كمسؤؤلين عسكريين، أو مفاوضين سياسيين محنكين، وأعمارهم لاتتجاوز الثلاثين ربيعا، وبعد الاستقلال كانوا في الصفوف الأولى ، حماة للثورة ومسيرتها، ومن حاملي راية الجزائر المستقلة عبر دول العالم ومحافل المؤسسات الدولية، واستمر العطاء والالتفاف حول الفكر الثوري بشكل عام بغية تغيير الأوضاع الموروثة عن عن حقبة الاستعمار، ومحاربة الفكر الإمبريالي والرجعي المعرقل لمسيرة بناء المجتمع الحر الجديد، فكانت تلك هي خارطة الطريق التي رسمها الطالب لمستقبله ومستقبل بلاده عندما طوي كراريسه ورتب أدواته، ووضع محفظته جانبا، وكان ذلك هو الوفاء للعهد، ولوصية الشهداء..وبدأ المد الثوري الطلابي يزحف، وتتوسع دائرته، فكان التطوع، وكانت حملات التشجير، ومحو الأمية، والمساهمة في بناء القرى الاشتراكية، وطريق الوحدة الإفريقية، والسد الأخضر، والإنجازات كبيرة ،وضريبة العرق شاهد على مدى مواصلة النهج الصحيح. لقد احتضنت الجامعة الفكر الثوري لسنوات عديدة ، فكانت قلعة للقوي الثورية المناهضة للرجعية في الداخل والخارج ،بل كانت القلب النابض للسلطة السياسية آنذاك فتحقق التلاحم، وتواصل المجهود الثوري حلقات تربط بين جيل الكفاح المسلح، وجيل البناء والتعمير، والثورة ضد الاستعمار والإمبريالية، والثورة ضد الفقر والتخلف، وهكذا انطلقت جزائر الثورة في استرجاع ثرواتها، وتبني مخططاتها، وتنظم مؤسساتها الشعبية، إن وعي ونضج واهتمام الطلبة بقضايا وطنهم، لم يمنعهم من الاهتمام بالقضايا العادلة دوليا والوقوف بجانب الشعوب المناضلة من اجل الحرية والسلم، فكان الحضور متميزا للطلاب وللشباب في المحافل الشبابية العالمية.. إن الشعب الجزائري ووفاء للنهج الثوري الذي سلكه أبناءه أثناء الثورة التحريرية وأثناء ثورة البناء والتشييد، تقشف ورصد المال الوفير سخاء وعرفانا بدور طالب الجامعة في مواصلة السير على هدى من حرر البلاد وأقام العدل بين أبناء الوطن وضبط ميكانمزمات التوازن بين جهات الوطن، وبين مد نه وريفه، فجهز جل الولايات بجامعات أو مراكز جامعية وهو عدد لانكاد نجد له نظيرا حتى في الدول ا لأوروبية. إن المجهود المبذول من طرف الدولة في توفير المناخ الملائم للتحصيل والنجاح،من بناء مدرجات وقاعات للدراسة، واقامات جامعية هنا وهناك للإيواء والإطعام، والنقل، والمنح الدراسية...كل ذلك وغيره يبقى دينا ثابتا في ذمة طلبتنا، ملزمين على الدوام بالوفاء به نحو مجتمعهم الذي آثر على نفسه وهو في خصاصة مفضلا تيسير طلب العلم والتمكن منه لإبناءه كأولوية للالتحاق بركب الشعوب المتقدمة، ذلك أن غناها ومصدر قوتها لم يتحقق إلا عن طريق الجامعة والبحث العلمي. إن الجزائر و هي تخوض اليوم معركة البقاء والجدارة,، يحدوها الأمل الكبير في أن تصبح الجامعة الجزائرية مركزا للإشعاع الفكري، والإبداع، وحقل التجارب والاختراعات..ذلك هو التحدي، بل والأمل لضمان الالتحاق وضمان مكان لها مع الدول التي قطعت أشواطا في قطف ثمار العلم، ونحن اليوم نلبس مما تنسج، ونأكل مما تزرع وتحصد، ونتعلم مما تكتب وتبدع ، إلى أين نحن سائرون؟ يعتبر تحديث برامج التعليم، والانفتاح على لغات العلم العصري، والتشجيع على البحث العلمي، وتحسين وضع الأستاذ الباحث ماديا، كلها مؤشرات ايجابية، من أن الوقت قدحان للوثوب نحو الأمام والغرف من العلوم وتطويعها عبر جامعاتنا، لإنتاج الثروة التي لاتزول، إنها دون شك ثروة العلم المعاصر بتكنولوجياته المتقدمة والتي بدونها لايمكن ضمان الخروج من دائرة التخلف والفقر،بل وبدون ذلك لامكانة لمجتمعنا في ساحة البقاء الدولية. إن ذكرى الطالب تعود كل سنة ومن خلالها نسترجع الحدث وذكرياته وأجواء التحضير للانطلاقة مع من بقى على قيد الحياة من صانعيها ، وكتب له الله طول العمر، فشارك أيضا في بناء الجزائر المستقلة، وأغلبهم اليوم في سن متقدمة، وعددهم القليل يتناقص، لقد دخلوا في سجل الخالدين شهداء ومجاهدين، فإخلاصهم للوطن تاريخه محفوظ.وشرفه محمود. إن الأجيال اللاحقة من خريجي الجامعات والمعاهد الوطنية ما ينتظره الوطن منهم لايقل أهمية عما قام به أسلافهم، بل أن واجبهم نحو شعبهم أعظم في خضم عالم التنافس بين دوله على أشده من أجل كسب ناصية العلم والتفوق في مجالاته يفرض عليهم الجهد، والصبر، والمثابرة لتشريف دولتهم ومجتمعهم.. إن الطالب في جزائر الثورة كما أراه مطالب بأداء وتحقيق رسالته ، وقضيته اسمي من البحث عن منصب شغل وكفى...ذلك أن الشعوب الحية ونخبها في الطليعة مجندة وبجدية نحو تحقيق أهداف وغايات قومية وإنسانية سامية في تاريخ وجودها متجاوزا الطموحات والمصالح الفردية والتي لايمكن تصور تحقيقها إلا من خلال انجاز حضاري عام وشامل يشرف مجتمعاتهم ويضمن لهم السيادة، والعزة، والقوة الاقتصادية والرفاه المادي.. إن الإحساس بتحقيق مثل هذا المسعى ملقى بالدرجة الأولى على عاتق النخبة المثقفة في وطننا وفي مقدمتها طلاب الجامعات، من وجوب ولوج ميدان التجارب العلمية، والتنافس في مجالات الابتكار، من فن وأدب وكافة العلوم الأخرى. يجب أن تختفي الصورة المرتبكة كواقع لطالب اليوم الذي تفرقت به الطرق أمام التسميات المستحدثة التي أصبحت مجالا خصبا للتنافس والتشرذم، واتخذت من الجامعة المكان الملائم للانتشار فأصبح لكل تنظيم عنوانه، وشعاره ومقره، ولم يترتب على مثل هذا التنوع أي ثراء فكري وعلمي من شأنه أن يعزز ويحافظ على وحدة الهدف وتحقيق رسالة الطالب الوطنية والقومية، وما يحقق مصالح شعبه وأمته،.. أما أن تتشعب المسالك بدون أفق جدي وواضح وتبقى أغلب هذه التنظيمات مرتبطة بتوجيهات مغلوطة، ومتحزبة في أغلب الأحيان بعيدة كل البعد على الوفاء للاستمرار رسالة الطالب وطموحه الشرعي من اجل المشاركة في المجهود الوطني تلك هي الخسارة بعينها، وإن التغلب على الاكراهات والتحديات المفروضة والتي أصبحت ميزة عالمنا المعاصر منذ أن اختل التوازن الدولي ذات يوم ، ومنذ أن حدث ماحدث في أكتوبر 1988 في بلادنا وما تلاه من إجهاض للمشروع الوطني، وضياع للذاكرة الوطنية، إذ ا نخرط الجميع بشعور أوبدون شعور فيما أطلق عليه آنذاك بعهد الإصلاحات.. تعددية سياسية، وحزبية، وحرية صحافية، واقتصاد سوق[النظام الليبرالي]، لقد انخدع الكثير بالشعارات البراقة ، والجذابة وكثر ضحايا الانبهار الإعلامي، والإشهار التجاري الذي يصاحب عادة مرحلة التحول .. لقد أخذ الواقع الجديد يتبلور وتتحدد معالمه ، أما ثماره المرجوة فلم تتحقق كما كان منتظرا ومبشرا به من قبل. قد تتحقق العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية من منظار نظام اقتصاد السوق أو كما يراها فلاسفة النظام الليبرالي .. والى ذلك الحين يبقى واجب الجميع وبالخصوص الاتحادات الطلابية ،وان اختلفت تسمياتها، وشعاراتها، أن تتحد حول هدفها الأمثل وان تتحول إلى قلب للأمة النابض بالحياة والحيوية، من اجل تحصين الدولة الجزائرية، وتقوية بنيانها المؤسساتي، وربح معركة الاعتماد على النفس في كسب ضمان توفير الغذاء، والبقاء في عالم لا يرحم الضعيف، وهذا لايتحقق إلا بفضل مجهودات أبناء الوطن كل من موقعه، وكل حسب إمكانياته، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وحينها قد ينفرج الوضع الاقتصادي ، والاجتماعي، وحينها فقط نطالب بفرض مسطرة التقسيم العادل للثروة والمجهود الوطني، ذلك أنه من حق كل مواطن في نصيب من مردود منتوج التنمية، أما المطالبة بذلك خارج هذا الإطار فلا يعتبر في حقيقة الأمر سوى تعصيب للعينين والجري نحو المجهول بل والمغالطة والديماغوجية في أسمى معانيها، إن مثل هذا المنطق يجب استئصاله من تفكير الناشئة، والتي يوجد في ذاكرة ثورتها العظيمة ما يغنيها، وفي مخزون رمزية ذكرى الطالب ما تستنير به من دلالات ومثل...والى اللقاء في ذكرى أخرى للطالب.