يوم إنفجر فيه بركان الشعب في وجه المستعمر، أول عبارة نطق بها المجاهد يوسف الخطيب وهو يروي لنا أحداث 11ديسمبر 1960 في حديث خص به ''الشعب'' حيث كان هذا اليوم يضيف محدثنا فصل الخطاب في زمن الارتياب لميلاد نوفمبر الحقيقية والأسطورة حيث تكسرت فيها أسطورة الجزائر الفرنسية وذابت فيها فكرة الاستقرار الاستعماري الحاقد وبينت في الوقت ذاته سياسة المحتل، وفضحت مشاريعه، وعرت منهجه، ودحضت أسلوبه في التعامل مع أبناء الثورة الجزائرية. هي ذكرى تاريخية هامة وحلقة مشرفة لملحمة نوفمبر العظيمة من تاريخ الثورة، ففي مثل هذا اليوم من تاريخ 11 ديسمبر يقول المجاهد يوسف الخطيب عرفت الثورة التحريرية المباركة منعطفا نوعيا بعدا أن انفجر بركان الشعب في وجه المستعمر وأثبت تمسكه بالثورة التحريرية ومساندته المطلقة لجبهة التحرير الوطني. مؤكدا أن الاحتفال بمرور49 سنة على هذه الذكرى الخالدة في نفوس من عايشوها من المجاهدات والمجاهدين أو ممن اكتووا بنارها من أبناء وطننا هذه المناسبة تعد بكل ما تحمل للجيل الصاعد، بعد أن حرر الشعب الجزائري أرضه وأرسى قواعد دولته الفتية التي زكاها بتضحيات جسام، دفع فيها مليونا ونصف مليون من خيرة أبنائه، وسجل بحروف من ذهب مجد وفخر الشعب الجزائري في سجل التاريخ العالمي للثورات. ليواصل محدثنا حديثه لنا، مبرزا أن مظاهرات 11ديسمبر عبرت عن أهمية الكفاح المسلح حيث تضافرت فيها جهود الشعب والتحمت كافة فئاته فلقن درسا للاستعمار الغاشم آنذاك، فانكشف الوجه القبيح للمستعمر في أوساط المجتمع الدولي ليعلو صوت الجزائر مرة أخرى في المنابر الدولية والهيئات والمؤسسات العالمية، مؤكدا للجميع صدق الرسالة وسلامة النهج وأحقية المطلب الشعبي في افتكاك حريته وتجسيد سيادته ورفع علمه . حيث خرج الجزائريون في مظاهرة سلمية يوم 11ديسمبر 1960 لتأكيد مبدأ تقرير المصير للشعب الجزائري ضد سياسة الجنرال ديغول الرامية إلى الإبقاء على الجزائر جزء من فرنسا في إطار فكرة الجزائر الجزائرية، وضد موقف المعمرين الفرنسيين الذين مازالوا يحلمون بفكرة الجزائر الفرنسية، مبرزا في سياق حديثه عن أهم أهداف المظاهرة التي سطرتها الثورة كالتعبير الصريح والقوي عن صمود واستبسال الشعب الجزائري في سعيه نحو الاستقلال والحرية والتأييد الشعبي المطلق واللامشروط لجبهة وجيش التحرير الوطني، وكذا الحكومة المؤقتة والضغط الشعبي القوي على الجنرال ديغول والرد الشعبي العنيف على المتطرفين الاروبيين الذين نظموا يوم 9 ديسمبر 1960 مظاهرات معادية للثورة وجبهة التحرير الوطني. وعلى هذا الأساس، عملت جبهة التحرير الوطني على التصدي لسياسة ديغول والمعمرين معا حيث ارتكز ديغول على الفرنسيين الجزائريين لمساندة سياسته والخروج في مظاهرات واستقباله في عين تموشنت يوم 9ديسمبر ,1960 وعمل المعمرون على مناهضة ذلك بالخروج في مظاهرات وفرض الأمر على الجزائريين للرد على سياسة ديغول الداعية إلى اعتبار الجزائر للجميع في الإطار الفرنسي ولم تكن جبهة التحرير الوطني محايدة، بل دخلت في حلبة الصراع بقوة شعبية هائلة رافعة شعار الجزائر فرنسية . وواصل محدثنا الحديث معرجا على أهداف مظاهرة 11ديسمبر 1960 مؤكدا أنها كانت ترمي للتعبير الصريح والقوي عن صمود واستبسال الشعب الجزائري في سعيه نحو الاستقلال والانعتاق والحرية. سير المظاهرات بعد وقائع المظاهرات المساندة لسياسة ديغول يوم 9 ديسمبر ومظاهرات المعمرين يوم 10 منه زحفت المظاهرات الشعبية بقيادة جبهة التحرير الوطني يوم 11 ديسمبر لتعبر عن وحدة الوطن والتفاف الشعب حول الثورة مطالبا بالاستقلال التام حيث خرجت مختلف الشرائح في تجمعات شعبية في الساحات العامة عبر المدن الجزائرية كلها، ففي الجزائر العاصمة عرفت ساحة الورشات كما كان يطلق عليها إبان ثورة التحرير (أول ماي) كثافة شعبية متماسكة مجندة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال وحياة جبهة التحرير الوطني. وبعيدا عن العاصمة ووهران دامت المظاهرات لأزيد من أسبوع شملت قسنطينة، عنابة، سيدي بلعباس، الشلف، البليدة، بجاية، تيبازة وغيرها.. بينت كلها بفعل الصدى الذي أحدثته على أكثر من صعيد حالة الارتباك التي أصابت الاستعمار، وعن مدى إصرار الشعب الجزائري على افتكاك السيادة المسلوبة وبالمناسبة القى فرحات عباس في 16 ديسمبر 1960 خطابا في شكل نداء أشاد فيه ببسالة الشعب وفضح فيه وحشية وغطرسة الاستعمار. وعن تصدي القوات الاستعمارية للمتظاهرين قال محدثنا أن الفرنسيين فوجئوا بحوادث العاصمة ووهران وقسنطينةوعنابة وغيرها مثلما فوجئوا بثورة أول نوفمبر، فجاء رد فعل السلطات الفرنسيية قويا تجاه المظاهرات إذ قابل الجيش الفرنسي الجموع الجزائرية بالدبابات والمدافع والرشاشات وأمطروهم بنيران القنابل وأطلقوا عليهم الرصاص، كما قامت الشرطة الفرنسية بمداهمات ليلية لاختطاف الجزائريين من منازلهم والإغارة على المواطنين وهم يوارون شهدائهم، كما هو الحال في مقبرة القطار وسيدي أمحمد، مما زاد في عدد القتلى، بالإضافة إلى سلسلة الاعتقالات التي مست عددا كبيرا من الجزائريين. وحول موقف الحكومة المؤقتة أضاف يوسف الخطيب أن جبهة التحرير حققت انتصارا سياسيا واضحا ردا على سياسة ديغول والمعمريين معا مؤكدا ان المظاهرة كانت بمثابة صفعة في وجه سياسة ديغول المراوغة ولبنة أساسية في استمرارية العمل الثوري الوطني الذي أكد مرة أخرى وبما لا يدع مجالا للشك ان الثورة هي ثورة كل الشعب الذي يهب كل مرة ليبرهن للعدو والصديق أنه صانع هذه الثورة. ولعل ابرز نتائج المظاهرة يقول المجاهد يوسف الخطيب هي تحرك القضية الجزائرية في المحافل الدولية، وخاصة منبر هيئة الأممالمتحدة وكسبها المزيد من تأييد الرأي العام الدولي وإعطائها نفسا جديدا خاصة وأن بعد مظاهرات 11 ديسمبر 1960 تمت المصادقة على اللائحة الافرو آسيوية التي تراقب مهمة تقرير المصير في الجزائر فكانت النتيجة بالأغلبية لصالح القضية الجزائرية. كما أدت المظاهرات إلى اتساع رقعة التضامن مع الشعب الجزائري عبر العالم خاصة في العالم العربي وحتى في فرنسا نفسها حيث خرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات تأييد كان لها تأثير على شعوب العالم، أدخلت فرنسا في نفق من الصراعات الداخلية وتعرضها إلى عزلة دولية بضغط من الشعوب، الأمر الذي جعل ديغول يدخل في مفاوضات مع جبهة التحرير الوطني. فالمطلوب منا نحن اليوم هو تعزيز تراثنا والاهتمام بتاريخنا وامتلاك ناصية المعرفة والعلوم وزرع بذور المصلحة والتصالح واستئصال جذور ومظاهر الفتنة وإزالة الانطواء وإعطاء العمل قيمته وللعلم مكانته، مضيفا إن الجزائر وهي تخوض اليوم معركة البقاء والجدارة، يحذوها الأمل الكبير في أن الجزائر مركزا للإشعاع الفكري والإبداع وحقل للتجارب والاختراعات.. ذلك هو التحدي، بل والأمل لضمان الالتحاق وضمان مكان لها مع الدول التي قطعت أشواطا في قطف الثمار، ثمار العلم. مؤكدا أن الأجيال اللاحقة وما ينتظره الوطن منها لا يقل أهمية عما قام به أسلافهم، بل أن واجبهم نحو شعبهم أعظم في خضم عالم التنافس بين دوله على أشده من أجل كسب ناصية العلم والتفوق في مجالاته يفرض عليهم الجهد والصبر والمثابرة لتشريف دولتهم ومجتمعهم، من خلال انجاز حضاري عام وشامل يشرف مجتمعاتهم ويضمن لهم السيادة والعزة، والقوة الاقتصادية والرفاه المادي. خاتما حديثه معنا بأنه يمكننا استنباط ما نصبوا إليه اليوم من تاريخ الثورة التحريرية .