قد يقول قائل إن مقارنة الواقع السينمائي الجزائري، ب"لا نظيره" الأمريكي، خروج عن النص وضرب للريح بالقلم، لكننا فقط أردنا أن نطرح على صفحاتنا اليوم، البقعة المجهرية للعرض السينمائي في البلاد، تحت مجهر وصف الحال•• قد لا يعلم الكثيرون أن الجزائر كانت مسرحا للسينماتوغرافيا منذ نشأتها في أواخر القرن التاسع عشر، إذ كلف الأخوان "لوميير" المصور "فيليكس مسغش" بتصوير مشاهد من الجزائر سنة 1897 ومنها "الجزائر" "دعوة المؤذن" و"ساحة الحكومة"و"الميناء" وكذلك مشاهد من تلمسان• كما استقطبت المناظر الجزائرية الكثير من المخرجين المشهورين في صناعة السينما الصامتة أمثال "جاك فيدر" وفيلمه "الأتلنتيد"، وكذلك "جان رنوار" مع فيلمه "البلد"(1929)• كما شهدت الجزائر سنة 1937 تصوير فيلم "بي بي الموكو" للمخرج "جوليان دوفيفيه" مع "جان غابان". في حين صوّرت بعد الحرب العالمية الثانية العديد من الأفلام الأقل شهرة إلى غاية سنة 1954 وكانت حصيلة هذه المرحلة من الزمن ما يقارب ثمانين فيلما مطولا تصنف كلها في خانة "السينما الكولونيالية". كما يعود الفضل في ظهور أول عمل وثائقي مصور حول حرب التحرير لمخرج فرنسي التحق بصفوف جبهة التحرير الوطني وهو "رونيه فوتي" بفيلمه "الجزائر تحترق"• وفي سنة 1957 تتكون خلية للإنتاج السينمائي لخدمة الثورة التحريرية دعائيا، تضم كلا من جمال شاندرلي ومحمد لخضر حامينا وأحمد راشدي• لنصل إلى نهاية سنوات الجمر الاستعمارية، فنحصي عبر جميع تراب الوطن ما يقارب ال 400 قاعة سينما، وهنا بيت القصيد في ملفنا المفتوح على مصراعي مراسلات•• 400 قاعة سينما، في منتصف الستينيات، كانت منفذ راحة للجزائريين الخارجين من طين الاستعمار، قبل أن تسقط القاعات تباعا كأحجار الدومينو، على طاولة المشهد الثقافي الجزائري، الذي قفل ب"الدوبل سيس"، مع بداية سنوات الأزمة في التسعينيات، بعد أن أقدم رئيس الحكومة، آنذاك، مولود حمروش، على حلّ وزارة الثقافة وتحويل ممتلكاتها إلى قطاعات أخرى، كوزارة الثقافة ووزارة الداخلية، ومنها إلى البلديات، التي مسك زمامها آنذاك، منتخبون من الحزب المحل•• قاموا بغلق أغلب قاعات السينما وتحويل نشاطاتها•• 400 قاعة سينما، لم يبق منها اليوم - على قول الوزيرة تومي - سوى 120 قاعة في حالة "شبه جيدة" وعندما نقول شبه جيّدة لا يعني أنها مفتوحة لاستقبال جمهور الفن السابع•• شبه جيّدة، يعني في المنطق الجزائري، أنها لم تُخطف بعد، مثل نظيراتها ال 280، والتي تحوّلت بشهادة مراسلي "الفجر" إلى بيتزيريات، مقاهي، سكنات، مفرغات عموميّة، مخادع للهاتف، ومخادع لأشياء أخرى.. سنقترب منها أكثر في هذه الورقة••