لذلك أخرنا في حوارنا معه عن سكّة الجائزة وأخذناه إلى سكة عالم الند السينمائي الذي يعرفه جيدا••أمير العمري، ناقد وكاتب وباحث ومحاضر سينمائي مصري، مقيم في لندن، عضو لجان التحكيم الدولية في عدد من المهرجانات السينمائية العربية والدولية، ورئيس سابق لجمعية نقاد السينما المصريين•• محرر صفحة السينما في موقع ''بي بي سي أرابيك'' التابع لهيئة الإذاعة البريطانية، حيث يعمل حاليا• كما عمل سابقا في مختلف المحطات التليفزيونية على غرار قناة الجزيرة الفضائية•• فزت بجائزة قلم الأهفار الذهبي، بمهرجان الفيلم العربي بوهران، فماذا تضيف هذه الجائزة لرصيدك؟ تضيف الكثير لرصيدي•• ليس لي فقط، فأنا جائزتي أتلقاها من الأصداء الطيبة لما أكتبه من القراء المحايدين، بل ومن صنّاع الأفلام حتى من لا يرضى منهم عن نقدي لأفلامهم• أما الجائزة فقد أضافت لي قيمة النقد السينمائي نفسه، وجعلته لا يقل أهمية عن الإبداع السينمائي نفسه• ومهرجان وهران بهذه الجائزة التي يخصصها للنقد السينمائي هو يوجه رسالة في منتهى الخطورة، هي أن السينما بدون نقد لا توجد، وأن النقد الجاد مطلوب وله مكان ويجب أن يقدر ونحتفي به على قدم المساواة مع السينمائيين وصانعي الأفلام، ولا يجب أن يقتصر حضور النقاد في المهرجانات فقط على الفرجة على تكريم السينمائيين، فالنقاد يساهمون بأقلامهم عبر عشرات السنين، في صنع الكثير من السينمائيين وإبراز أعمالهم بكتاباتهم حتى لو كانت تنتقد أفلامهم بعمق وجدية، والقيمة المالية ليست هي المهمة على الإطلاق، بل القيمة المعنوية، القول بأننا نعترف بالإبداع الثقافي وليس الفني فقط• ولذا يجب دعم الجائزة بمزيد من المال، لأن هذا يضفي عليها اهتماما أكبر من جانب الإعلام على الأقل•• أريد أيضا من مهرجان وهران أن يستمر في تخصيص الحلقة الدراسية النقدية السنوية، ولكن يمنحها بعدا أكثر جدية، بأن يطلب أبحاثا مكتوبة من النقاد، على أن تطبع هذه الأبحاث وتصدر في كتاب يوزع في العام التالي• وهذا هو الشكل الجاد في التعامل مع النقاد، بدلا من دعوتهم للتطوع بجهدهم، فهل يطلب من السينمائيين التطوع بعمل أفلام للمشاركة في أي مهرجان فقط! لم تكن لك فرصة زيارة مهرجان الفيلم العربي، الذي تنظمه الجزائر منذ 3 سنوات، فما هي الأسباب التي جعلتك تغيب عنه؟ أن توجهي هذا السؤال إلى المسؤولين عن المهرجان• لقد فعلت كل ما يمكن من أجل الحضور إلى المهرجان في دورته الثالثة، ولكن لا أحد اتصل بي لكي يحدد لي موعدا لاستقبالي أو يسألني كم يوما سأمكث، وكيف سيتم انتقالي من لندن إلى وهران•• كما تعذر الاتصال المستمر مع إدارة المهرجان، لترتيب التغطية الإعلامية التليفزيونية اليومية التي كنا في ''بي• بي• سي'' نعتزم القيام بها، ولا أريد الدخول في تفاصيل ما وقع لأنني بالفعل أتمنى لهذا المهرجان كل خير وتقدم•• وأريد أن أتمكن من المساهمة في تطويره ونقل كل خبراتي إليه مستقبلا إذا احتاجها•• لكن على المهرجان أن يواجه سلبياته ويعترف بها، وهي أساسا تنظيمية• باعتباركم ناقدا سينمائيا له مكانته في عالم النقد السينمائي، كيف تقيّم حال النقد السينمائي في العالم العربي، وما مدى حضوره في توجيه عملية الإبداع السينمائي؟ النقد السينمائي في العالم العربي حاليا يعاني من مشكلة فريدة من نوعها، فالنقاد القادرون بثقافتهم وفهمهم العميق للسينما لا تتوفر أمامهم سبل التعبير عن أفكارهم وطرح مفاهيمهم السينمائية والدخول في جدل حقيقي مع ما ينتج من أفلام في العالم العربي، والمشاركة في التحديات التي تواجه السينما على المستوى العالمي• مما لا شك فيه أن السينما المصرية أنجبت أسماء كبيرة في مسارها الطويل، لكننا في السنوات الأخيرة أصبحنا نلاحظ أن هناك تراجعا محسوسا خاصة في ما يتعلق بالنقاد الجيدين؟ كما ذكرت، النقد الجاد يحتاج إلى مناخ جاد وثري، والمناخ الثقافي السائد في مصر، مناخ مختل، صحيح أن هناك عشرات المطبوعات والصحف والمجلات والبرامج والقنوات، لكنها تفضل الجري وراء النجوم والتسابق على إجراء المقابلات التافهة معهم ونشر صورهم ولا تخصص مساحات جيدة للنقد الجاد، ولعلمك فإن في مصر أكثر من عشرين ناقدا حقيقيا، مثقفا، دارسا، يجلسون في منازلهم، مضطرون لممارسة أعمال أخرى لكي يعيشوا، الثقافة ليست فقط احتفالات ومسابقات وجوائز، بل ترسيخ لقيم جديدة واكتشاف مواهب جادة في الكتابة وفي التعبير وإتاحة الفرصة أمامها• هل لديكم فكرة عن السينما الجزائرية؟ أكيد•• درست السينما الجزائرية عن قرب ومنذ بداياتها الأولى وكتبت دراسة تصل إلى كتاب كامل نشرت مسلسلة على حلقات في مجلة ''الدستور'' التي كانت تصدر في لندن في الثمانينيات، وكنت أتابع معظم نتاجات السينما الجزائرية، كما تربطني علاقات صداقة بعدد من السينمائيين والنقاد الجزائريين، وقد كنت أحد الكتاب المنتظمين في الكتابة لمجلة ecrans Deux Les في أوائل الثمانينيات، عندما كان يرأس تحريرها عبدو بوزيان، الذي تولى بعد ذلك مسؤولية الإذاعة والتلفزة الجزائرية• ما هو رأيك في مستوى النقد السينمائي في عالمنا العربي، مقارنة مع الغرب؟ النقد السينمائي العربي عادة ما يكتفي في معظمه، بتلخيص قصص الأفلام لأن هذا هو ما تطلبه الصحافة السائدة، مع بعض الآراء السريعة حول ''الحبكة'' والمغزى الاجتماعي والسياسي، إن الفرق بين النقد السينمائي العربي والغربي يكمن أساسا، في أن النقد العربي لايزال أسيرا للأيديولوجية، أي أنه مشغول كثيرا جدا بالمغزى السياسي، والدلالات النقدية الاجتماعية للعمل، لأن السينمائيين العرب الذين يصنعون الأفلام، مشغولون أيضا بهذا الهاجس الذي يفسد الكثير من الأفلام، السينمائي مهتم أكثر ب''الرسالة''، والناقد يلهث أيضا وراء تفسير الرسالة، وهذا لا يعيد إنتاج إلا أنماط متخلفة من كل من السينما والنقد، في العالم الخارجي النقد يهتم أكثر بتحليل أنماط السرد ولغة الفيلم، وعلاقة الصور ببعضها البعض، مع إحالات دائمة إلى الأدب والشعر والفن التشكيلي والموسيقى والمسرح، في حين أن كثيرا من النقاد العرب أو من يكتبون في السينما لا يقرأون ولا يسمعون الموسيقى، بل يكتفون بمشاهدة الأفلام (الأمريكية عادة) ويقرأون عنها بعض المعلومات• برأيك إلى أي درجة يعمل المخرج السينمائي، في إظهار ناقد جيد، خاصة إذا نظرنا إلى التجربة المصرية التي أنجبت في ما مضى عديد الأسماء التي يشهد لها بالتميز أمثال خيري بشارة وعاطف الطيب؟ المخرج لا يصنع نقادا سينمائيين، بل الذي يصنع نقادا جيدين هي حركة سينمائية فاعلة، تمر بشتى الاتجاهات التي تتفاعل معا، حركة تسعى دائما إلى الأمام، إلى تطوير أشكال السرد والحكي والخطاب واللغة السينمائية أيضا، وقد كان هذا متوفرا في الستينيات والسبعينيات، ومنه ولد وظهر جيل الثمانينيات الذي أشرت إلى بعض رموزه• والصحيح أيضا أن النقاد هم الذين يصنعون السينمائيين ويكشفون للعالم عن أهميتهم وقيمتهم الفنية، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك، لكن مهرجانات السينما العربية تحتفي دائما بالسينمائيين وخاصة بالممثلات وتتجاهل النقاد أو تتعامل معهم من فوق وبطريقة فظة كأنهم في حاجة إلى الطعام والشراب لمدة أسبوع أو أكثر، وهذا شكل مهين وتصور سخيف موجود وشائع• من جهة أخرى، أتعرفين ماذا يقال في أوساط النقاد الجادين في مصر عن المهرجانات العربية؟ إن الناقد المصري ممنوع من المشاركة في أي من لجان تحكيم هذه المهرجانات، لأن المهرجانات تفضل استقدام الممثلات والراقصات القدامى من مصر، لأن هذه هي صورة السينما المصرية التي يرغب العرب في الترويج لها، أي صورة غير مثقفة، أو لعلهم يتصورون أنهم بهذه الطريقة سيتمكنون من جذب الجمهور• كيف ترى واقع السينما المصرية حاليا، بالنظر إلى ما يقدم حاليا من أفلام، وأعمال درامية، على ضوء ما يقدمه الجيل الجديد، سواء من ممثلين وحتى مخرجين شباب؟ هناك نهضة لاشك فيها تتضح ملامحها تدريجيا عبر السنوات الثلاث الماضية، هناك مزيد من الأفلام الجيدة التي يخرجها شباب مثل فيلم ''واحد صفر'' لكاملة أبو ذكرى، و''المسافر'' لأحمد ماهر، وهما ذاهبان إلى مهرجان فينيسيا السينمائي القادم مع فيلم ''إحكي ياشهرزاد'' ليسري نصر الله•• وهو أكبر عدد من الأفلام المصرية يعرض في مهرجان دولي كبير بهذا الحجم، وهناك عودة للأسماء الجيدة في الإخراج مثل محمد خان ويسري نصر الله ومجدي أحمد علي وداود عبد السيد• إذن الصورة تتغير، وليس صحيحا أن التدهور قدر، فهناك دائما الأفراد القادرون على صنع التطور، فالإنسان هو الأساس، والإنسان الذي لم يفسد بعد لايزال، لحسن الحظ، موجودا! عشت تجربة طويلة جدا في المهجر، وكان لك احتكاك مع العديد من النقاد العالميين، إلى أي درجة صنعتك هذه الغربة؟ أو بمعنى آخر كم أضافت إلى رصيدك النقدي؟ ما أضافته الغربةن بشكل أساسي إلى رصيدي هو أنها حررتني تماما من الاعتماد على المؤسسات الرسمية التي، بكل أسف، يجد فيها بعض المثقفين الملاذ الوحيد، فيصبحون تابعين يدورون في فلكها، والمقصود بالمؤسسات الرسمية، ليس فقط الحكومية بل والخاصة أيضا التي يصنعها المنتجون والتكتلات ذات المصلحة، أنا أطلق على نفسي صفة ''ناقد مستقل'' تماما مثل السينمائي المستقل الذي لا يخضع لشروط السوق التي تضعها المؤسسات• وهذه هي ميزة العيش في المهجر، حيث قوتك تستمد فقط من قدراتك وليس من قوة المؤسسة التي تسندك• الأمر الآخر الذي أفادتني به الغربة الطويلة، هو ضرورة البحث يوميا عن شيء جديد أتعلمه، وأمارسه، أو أقرأه، أو أستمع إليه وأشاهده•• أنا أعيش في هدوء، حياة جميلة راقية مع زوجة تفهم ما أفعله وتشاركني اهتماماتي، نفكر معا، ونسافر معا، ونكتشف الدنيا والعالم معا، ولذا فأمامي فرصة دائمة لمشاهدة أحدث الأفلام والمسرحيات العالمية، بل وحتى الأفلام العربية الجديدة أشاهدها قبل عرضها في العالم العربي في الكثير من الأحيان، وعملي في مؤسسة غربية منفتحة (بي• بي• سي) ساعدني على الكتابة والحديث إذاعيا وتليفزيونيا، بحرية بدون حسابات للمسموح والممنوع• لكن ''الاستقلالية'' هي أهم ما حصلت عليه• أين وصل مشروع جمعية نقاد السينما المصرية، وما مدى خدمتها للسينما العربية؟ تركت رئاسة الجمعية في أوائل ,.2003 ولا يمكنني الإجابة عن هذا السؤال•• تستطيعين توجيهه للمسؤولين عن الجمعية حاليا•• لكن باختصار شديد الجمعية جزء من المناخ العام السائد في مصر•• وهذا المناخ سيء جدا لأنه مناخ تشيع فيه ما أطلق عليه ''اللوثة الدينية'' وهو مرض اجتماعي خطير يوهمك أن له علاقة بالدين، بينما علاقته الأساسية بالخرافات والتعصب والكبت الاجتماعي والسياسي والفكري بل والجنسي أيضا! الدراما المصرية اليوم إلى أين وصلت، في ظل غزو الدراما التركية على أغلب الفضائيات العربية؟ لا يمكنني الحديث عن الدراما العربية والتركية لأنني لا أتابع المسلسلات ولا أحبها بل أفضل الفيلم المكتمل الذي يروي كل ما يريده في ساعتين أو أكثر قليلا تماما مثل الرواية واللوحة والمسرحية والقصة والقصيدة، فلا توجد أي من هذه الإبداعات على شكل مسلسلات•• أكيد••