وبهذه المناسبة حاولت ''الفجر'' التعريج على المسار السياسي والدبلوماسي لهذا الرجل منذ التحاقه في سن مبكرة بجيش التحرير كمجاهد وسياسي ووزير ودبلوماسي وفي الأخير رئيسا للجزائر انتخب بالأغلبية الساحقة للمرة الثالثة، والمحطات الكبرى لقرارات مصيرية للأمة رغم ما لاقته من معارضة، غير أن الأيام أثبتت أنها صائبة إلى حد ما ونابعة عن نظرة ثاقبة في السياسة• التحق الطالب عبد العزيز بوتفليقة وعمره لا يتجاوز 16 سنة بجيش التحرير بالحدود الغربية، وعيّن أياما بعد ذلك أمينا إداريا، ثم أمين سر الراحل هواري بومدين بمركز قيادة الولاية الخامسة، وكان ذلك على التوالي سنة .1958 سنتان بعد ذلك ارتقى إلى عضوية قيادة المنطقة الغربية وعضو كذلك بقيادة الأركان العامة• ولم تمرر سنتان (أي في سبتمبر 1962) حتى افتك بما لديه من قدرات وبداهة منصب وزير للشباب والرياضة في أول حكومة للجزائر المستقلة، وكان إلى جانب ذلك عضو المجلس التأسيسي الأول، وفي جوان 1963 أعلن الرئيس بن بلة عبد العزيز بوتفليقة وزيرا للخارجية، وكانت هنا الانطلاقة الحقيقية لنابغة الدبلوماسية• فرغم صغر سنه وخبرته السياسية التي تعود إلى سنوات قليلة، غير أنه التقى معظم زعماء الدول الكبرى حينها محاورا ومفاوضا وممثلا دبلوماسيا للجزائر المستقلة• وكان من أهم أسماء زعماء العالم حينها الذين حظي بوتفليقة بمجالستهم والتحاور معهم، وهناك من توطدت علاقاته بهم إلى درجة الصداقة الحميمية، كندي، وكروتشر، وماو تسي تونغ، وكوجورناي، وفيدال كاسترو، وشي غيفارة، ودوقول، وبامبيدو، وجيسكار ديستان، والفيرانت، وكرايسكي، وأولف بالم وغيرهم ممن أبهرهم بوتفليقة بقدراته، وما يميزه من سرعة الفهم وبداهة الإجابة• وكلف الرئيس بن بلة سنة 1963 عبد العزيز بوتفليقة برئاسة الوفد الجزائري المبعوث إلى فرنسا لتوضيح بعض مفاهيم نصوص اتفاقية ايفيان، حينها طالب الفرنسيون بوتفليقة بتقديم توضيحات عما طرأ من تغييرات، مثلما بدا حينها فيما تعلق بإيجار وترسيخ قواعد أجنبية في الجزائر• وسئل بوتفليقة عن سبب رفض الجزائر العرض ''هل هذه معارضة لاتفاقية ايفيان أم ماذا؟''، فرد بوتفليقة بهدوء وحنكة ''لسنا ضد اتفاقية ايفيان، لكن من قبل وحسب اتفاقية ايفيان قبلنا لأننا كنا نحاوركم كمنظمة تحرير، لكن اليوم نتحاور معكم كبلد مستقل يملك سيادته كاملة''• وكلف الراحل بومدين بوتفليقة في الفاتح ماي سنة 1966 بمفاوضات أخرى تتعلق بمديونية الجزائر لدى الاستعمار الفرنسي، حيث قدم الفرنسيون للوفد الجزائري آنذاك قيمة 3080 مليار كان مطلوبا من الجزائر تسديدها، وطلب من بوتفليقة ممثل الجزائر التوقيع عليها، لكنه لم يتردد في رفض ذلك، مشيرا في حديثه للفرنسيين إلى أنه لن يوقع على استعمار جديد لأكثر من ثلاثة قرون أخرى، وخرج من قاعة الاجتماعات منفعلا إلى حد أنه ضرب بابها• وتكلف عبد العزيز بوتفليقة على مدار الفترة الممتدة بين 1969 و1971 بقيادة جولات المفاوضات حول المحروقات واتفاقية إيفيان، وقد جمعه لقاء بالراحل هواري بومدين قبل إعلانه تأميم المحروقات رفقة بلعيد عبد السلام وأحمد مدغري وقرر الأربعة بعد أن خططوا لتأميم المحروقات ونجحوا في ذلك وأعلنها الرئيس الراحل هواري بومدين• وهو رئيس الجمعية العامة، طرد وفد جنوب إفريقيا ومكّن عرفات من الحضور وترأس بوتفليقة الجمعية العامة للأمم المتحدة وسنه لا يتجاوز 36 سنة، أي لم يمرر عن التحاقه بأول حكومة مستقلة كوزير للشباب والرياضة 10 سنوات، وفي كلمته يومها أمام الأعضاء ممثلي الدول حول قضيتي الفيتنام وجنوب إفريقيا والتمييز العنصري• ومما قاله منتقدا التصويت المزدوج للولايات المتحدة حول قضية الفيتنام والتصويت المزدوج سنة 1974 ''أنه من غير المقبول ما يعانيه الفيتناميون والجنوب إفريقيون''• واضطر خطاب بوتفليقة آنذاك رئيسا للجمعية العامة مغادرة القاعة بعد مساندة وتصويت الحضور بالأغلبية على ما قاله عبد العزيز بوتفليقة، حيث وبعد انتهاء خطابه اهتزت القاعة بالتصفيق، كما مكن بوتفليقة ياسر عرفات من دخول الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفته قائدا للثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية• وكان آخر ظهور لبوتفليقة بعد مشوار سياسي عسير كانت تضع فيه الجزائر أقدامها على الأرض بعد الحرب لأن ميلاد الدولة الجزائرية المستقلة لم يمض عنه أكثر من عقد ونصف من الزمن، ليلتحق هواري بومدين بالرفيق الأعلى، ويلقي بوتفليقة في مقبرة العالية تأبينية الوداع، وقال فيها هذا الأخير في عدة مناسبات: ''•• إنني إن كنت أودع يومها الرئيس والأخ والصديق ورفيق السلاح، فإنني كنت أيضا أودع سياسة الدولة القوية''، وعندها بدأت رحلة بوتفيقة خارج دهاليز الحكم وغاب عن الأنظار، وغيّبت حتى صوره من أرشيف سجل حضوره فيه بلا منة من أحد، ولم يتردد اسمه إلا سنة 1994 عندما كانت تجرى لقاءات ندوة الوفاق الوطني بعد ثلاث سنوات من وقف المسار الانتخابي، وما انجر عنه، وعرض على بوتفليقة كباقي من رشحوا لاعتلاء سدة الحكم، لكنه حسب ما تردد حينها رفض لأنه كان دائما لا يقبل أن يكون ''نصف أو ربع رئيس''• تأجلت ملامسته لكرسي الحكم، ومنصة الخطابات إلى سنة ,1999 وأعلن في أول ندوة صحفية له في فندق الأوراسي أن أركان سياسته أربعة، وهي تحسين صورة الجزائر في الخارج بعد أن سوّدها الدمويون، وإنعاش الاقتصاد الوطني، وإطفاء نار الفتنة، وإعادة الكرامة للجزائري (العزة والكرامة) مثلما أعلن عنه في ندوته الصحفية التي كانت أول خرجة إعلامية له بعد غياب طويل عن الساحة السياسية• وانتخب رئيسا للجزائريين سنة 1999 بالأغلبية بعد انسحاب ستة مرشحين، وعندما سئل عن مدى مصداقية ودستورية فوزه، علّق حينها للإعلام الوطني والغربي مرددا عبارته التي اشتهر بها ''أنا فارس كنت أتسابق مع ستة فرسان آخرين قرروا الانسحاب وهذا لن ينقص من نتيجة السباق ذرة••''• كان مشروع الوئام المدني أول محطة في خطة الرئيس الأمنية، فبعد استفتاء الشعب عاد آلاف الإرهابيين إلى جادة الصواب، وفي مقدمتهم ما كان يسمى الجيش الإسلامي للإنقاذ، وتزامنت عودة بوتفليقة مع انشطار الجماعات الارهابية وانشقاقها إلى مجموعات، وظهرت الجماعة السلفية للدعوة والقتال بعد تلاشي ''الجيا'' وتوبة ''الآييياس''• وواجهت عهدة الرئيس الأولى عدة عقبات خلال الفترة التي كان يعمل على استتباب الأمن، وتحسين صورة الجزائر في الخارج، حتى أصبح يتردد أن ''الرئيس لا ينزل من الطائرة، وحوّل منصبه إلى سياحة''• غير أن الأمر كان في قمة الذكاء بشهادة العديد من السياسيين، حيث تحسنت صورة الجزائر شيئا فشيئا، وعاد من قاطعوا الجزائر يزورونها• وكانت أهم العقبات التي كبحت نوعا ما مسار تحقيق الأهداف المسطرة خلال العهدة الاولى الكوارث الطبيعية من فياضانات باب الوادي إلى زلزال بومرداس، إلى أحداث منطقة القبائل التي انتهت بدسترة الأمازيغية في .2002 وكانت حكومته في مواجهة تحديات خرجت منها منتصرة رغم النقائص، وكان السكن في مقدمة مشاريعه التنموية، حيث تكفلت وكالة ''عدل'' بالملف، واستفاد عدد من الجزائريين من هذه الصيغة من حلم العمر• كما استفاد آلاف الشبان من الإعفاء من الخدمة الوطنية في إطار سياسة ''احترافية الجيش''• مديونية تتقلص إلى 9,3 مليار واحتياطي صرف ب43 مليار صنعت هذه الانجازات وانجازات أخرى صورة مكنت بوتفليقة من الترشح لعهدة ثانية، عكف خلالها على ترقية الوئام المدني إلى المصالحة الوطنية التي استفتى فيها الشعب، وقام إلى جانب ذلك بتقليص مديونية الجزائر، وأصبحت لا تتعدى في نهاية العهدة 9,3 مليار دولار، مع تسجيل احتياطي صرف بأكثر من 43 مليار دولار كان تخزينها في الخارج حماية لها وحماية للجزائر• وبالفعل كان الرأي صائبا، فلم تكتو الجزائر مثل غيرها بنار الأزمة المالية العالمية• وكان من بين انجازات سياسته التنموية المليون سكن وغيرها من المشاريع التي عرف بعضها النور ولا يزال البعض الآخر قيد الانجاز• الرئيس بوتفليقة قرر تعديل الدستور خلال العهدة المنقضية وكان يقول إنه استجابة لمطلب الشعب، ليتمكن من الترشح لعهدة ثالثة، وبالفعل فاز بأغلبية ساحقة احتار لها أهل النهى، وأدهشت الجميع بمن فيهم مناصروه، ومنح الجزائريون لبوتفليقة صكا على بياض لمواصلة تنفيذ ما خطط له• ومن بين ما يتوقع خلال هذه العهدة التي سيؤدي الرئيس المنتخب يمينها الدستورية غدا، العفو الشامل الذي سيأتي بعد غلق أبواب المصالحة الوطنية في آجال سيعلن عنها، وتمنح إلى ذلك الحين آخر فرصة لمن اراد العودة والانابة، كما لا يستبعد تعديل طفيف للدستور خلال هذه العهدة، وكذلك استفتاء شعبي للعفو الشامل، وكلها قال الرئيس خلال تجمعاته في الحملة الانتخابية إنها ستتم في ظرف سنة• كما وعد بعديد المفاجآت•• فماذا ينتظر الجزائريون خلال هذه العهدة التي يكون غدا أول يوم فيها؟•