من المثير للدهشة أن يتخذ الغرب موقفا متشددا من انتخابات الرئاسة الإيرانية، ويتهم إيران بتزوير الانتخابات، والأغرب أن يعلن العديد من القادة الأوروبيين عن صعوبة التعامل مع حكومة إيرانية جاءت بانتخابات مزورة، في الوقت الذي يتعاملون فيه مع دول لا تعرف شيئا عن أي نوع من الانتخابات• فقد استدعت الخارجية البريطانية، السفير الإيراني في العاصمة لندن للتنديد بما جاء في خطاب وجهه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، وانتقاداته القوية لدول غربية وعلى رأسها بريطانيا فيما يتعلق بالأحداث التي تجري في الشارع الإيراني بعد الانتخابات الرئاسية• كما انتقد براون الحكومة الإيرانية في الوقت الذي يواجه فيه هو نفسه ضغوطا وانتقادات داخلية على خلفية فضيحة نفقات النواب البريطانيين• كما طلبت المستشارة الألمانية ميركل من إيران إعطاء بيانات واضحة عن الانتخابات الرئاسية والاحتجاجات التي وقعت بعدها• وطالبت ميركل بخروج المظاهرات وعدم استخدام العنف مع المتظاهرين والإفراج عن المعارضين المعتقلين• واستدعت برلين السفير الإيراني في ألمانيا، علي رضا شيخ عطار، وأعربت عن قلقها الشديد بسبب الأحداث التي وقعت بين قوات الأمن الإيرانية والمتظاهرين• وأعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن رد الفعل العنيف على الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية يعكس حجم التزوير في هذه الانتخابات• وهناك أسئلة بديهية تتبادر إلى الأذهان.. هل الغرب لا يتعامل مع أنظمة عربية في المنطقة تمنع مواطنيها بالقوة من الإدلاء بأصواتهم في أي انتخابات وتعتقل وتقتل من يحاول الإدلاء بصوته؟ لماذا لا يمتنع الغرب عن التعامل مع هذه الأنظمة، أم أن للغرب حسابات أخرى؟ نعم••• بالطبع للغرب الذي يتأجج بالديموقراطية وحقوق الإنسان، مصالح وحسابات تجعله يتعامل ويرحب بقادة دول لا تعرف أي شيئ عن انتخابات الرئاسة أوأي انتخابات أخرى، ودول تورث العرش وتعدل الدستور في غمضة عين لضمان الكرسي للابن أو الأخ، في نفس الوقت الذي يعلن عن صعوبة التعامل مع حكومة إيرانية جاءت بالتزوير• ''بالطبع لسنا من مؤيدي النظام القائم في إيران، ولسنا مع تقييد الحريات وتهميش الأقليات، ولسنا غافلين عن أهداف إيران الإقليمية، ولكن الانتخابات الرئاسية الإيرانية تجربة فريدة من نوعها إذا ما قيست بانتخابات غالبية الدول العربية''• فقد شهدت الانتخابات العاشرة للرئاسة في إيران حضورا جماهيريا واسعا ومشاركة شعبية حاشدة، كما تحولت الحملة الانتخابية الرئاسية في إيران إلى مهرجانات شعبية، خرج فيها آلاف الناخبين إلي الشوارع، كما جرت مناظرات تلفزيونية بين المرشحين، أوضح فيها كل مرشح عن برنامجه وأهدافه، وتعرض بعض المرشحين للمرشد العام بالنقد• ويجب علينا أن لا ننسى أن هذه الاحتجاجات لو جرت في بعض دولنا العربية، فإن الآلاف، أو ربما مئات الآلاف، سيلقون حتفهم على أيدي قوات القمع العربية، والتاريخ شاهد على هذا• ربما تكون هذه الانتخابات من بين الأسباب التي ستجعل من إيران قوة إقليمية مهابة من الدول الكبرى، بينما نحن العرب لا نوظف ما لدينا للتأثير السياسي والعسكري على المستويين الإقليمي والدولي• * كاتبة عربية مقيمة في قيرغيزستان